فرح منصور

الخميس ٢٢ حزيران ٢٠٢٣ - 19:26

المصدر: المدن

مصير أموال سلامة المصادرة: سجال حول من سيستفيد منها

بضعة أيام تفصل اللبنانيين عن موعد إصدار محكمة الاستئناف في فرنسا قرارها بشأن قانونية عملية الحجز على عقارات وأموال سلامة في أوروبا. الجميع بانتظار الرابع من تموز المقبل. في هذا اليوم تحديداً، ستبدأ المرحلة الأولى من رحلة استرداد الدولة اللبنانية لحقها من أموال الحاكم، إن ربحت هذه الدعوى.

السؤال الوحيد الذي يُطرح: من سيضع يده على أموال سلامة بعد استردادها لصالح الدولة اللبنانية؟

اللافت في هذا الأمر، أن هذا السؤال يحمل عشرات الإجابات المختلفة، فالنقاش واسع ووجهات النظر كثيرة. والمؤكد منه حتى الساعة، أن ما من أحد يملك الإجابة النهائية، أو يعلم أي تفاصيل حول الجهة التي ستُحول إليها هذه الأموال، أو طرق إنفاق هذا المال في لبنان.

السيناريو الأول:
كما هو معلوم، هدف الشكوى التي قدمها المحامي الفرنسي ويليام بوردون في فرنسا، ضمانة حق الدولة اللبنانية من أموال سلامة، إن ثبتت قضية الاختلاس، وتعويض أصحاب الودائع من أموال سلامة.

على هذا النحو، يعني أن جزءاً من مضمون الشكاوى التي رفعت أمام المدعي العام الفرنسي ثم في لوكسمبورغ سيكون لتعويض أصحاب الودائع من أموالهم المسروقة وتأمين حقهم من هذه الأموال.

خطورة هذا الأمر، أن حجة الحاكم الوحيدة أن أمواله لم تُسحب من الدولة اللبنانية، وهي من مصادر خاصة. لذلك، المطالبة بتعويض أصحاب الودائع بحقهم من هذه الأموال يعني الاعتراف الصريح بأن الحاكم لم يختلس من المصرف المركزي أو من الدولة اللبنانية، ولا يحق للدولة اللبنانية أن تتدخل في هذا الأمر. أي بوضوح، هو تأكيد واضح على نظرية سلامة التي يحاجج بها.

وتوضيحاً لما عرضناه، جاء توضيح المحامي كريم ضاهر، من لجنة حماية حقوق المودعين لدى نقابة المحامين في بيروت، قائلاً: “القانون التنظيمي في فرنسا وضع بعض الاستثناءات حول الأموال الناتجة عن قضايا فساد”. وحقيقة ما يحصل في هذه الحالة، ووفقاً لشرح ضاهر، فإن الدولة الفرنسية قد توافق على تحويل المال العام للدولة اللبنانية شريطة تخصيص استعمالها لغايات خاصة لتعويض الشعب اللبناني المُتأثر بالأزمة الاقتصادية وبقضايا الفساد.

عملياً، كلام ضاهر يعني عرض قانون 214 الصادر عام 2021 أمام الدولة الفرنسية، وهو “قانون استعادة الأموال المتآتية عن جرائم الفساد”. ومفاده المطالبة بإنشاء صندوق سيادي لوضع المال الناتج عن جرائم الفساد، وتخصيص هذا الصندوق لمشاريع التنمية ومكافحة الفقر.

علماً أن المرحلة التالية التي ستقوم بها نقابة المحامين بالتعاون مع المحامي الفرنسي ويليام بوردون، هي تقديم الوثائق والأدلة الرسمية التي تثبت لفرنسا أن أصحاب الودائع تأثروا بالأزمة الاقتصادية، وذلك لمطالبتها بالتعويض لهم، وإن لم توافق أركان السلطة على فكرة الصندوق، من الممكن أن يطلب من الشعب اللبناني ممارسة الضغوط على الدولة اللبنانية لضرورة إنشاء هذا الصندوق وتعيين إدارة له.

السيناريو الثاني:
عملياً، يعتبر هذا التوجه هو الأقرب لمسار نقابة المحامين، حيث من المتوقع أن تطالب هيئة القضايا في وزارة العدل بعدم تحويل هذه الأموال إلى خزينة الدولة إنما وضعها في الصندوق السيادي في حال وافقت الدولة اللبنانية على إنشاء هذا الصندوق لدى الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد المنصوص عليها في القانون رقم 175\2020، وتأمين لجنة خاصة لمتابعته.

ووفقاً لمراجع قضائية متابعة، وحسب القانون الفرنسي، في حال ثبت للقضاء الفرنسي أن أموال أي مواطن دولة أخرى ناتجة عن قضايا فساد، فستُحول هذه الأموال للدولة، حتى وإن لم تطالب الدولة اللبنانية بحقها. المفارقة الوحيدة هنا، أن الأموال لا تُسترد لخزينة الدولة اللبنانية بل توزع على الشعب اللبناني، أي يُستعمل المال لتسهيل مشاريع للشعب اللبناني.

السيناريو الثالث:
في المقابل، اعترضت بعض المراجع القضائية على وجهات النظر المعروضة أعلاه، مؤكدةً أن أموال سلامة لن تقسم على المودعين، خصوصاً أنهم خارج الدعوى المقدمة في فرنسا.

والمسار المتوقع حسب المراجع القضائية المطلعة على الملف، أن الأموال التي من الممكن أن تحجز لصالح الدولة اللبنانية، ستحول إلى خزينة الدولة اللبنانية فقط لا غير، ولن يسمح لأي طرف الاستفادة منها أو الحصول على جزء منها، بل ستكون من حق الدولة اللبنانية فقط. والأخيرة هي المسؤولة عن تخصيص طرق إنفاق هذا المال.

السيناريو الرابع:
في المقابل، ووفقاً لكلام الدكتور جاد طعمة، رئيس اللجنة القانونية في المرصد الشعبي لمحاربة الفساد، فإن استعادة الأموال تنطلق من اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، والتي صادق عليها لبنان عام 2008، إلى جانب قانون استعادة الأموال المتأتية عن جرائم الفساد رقم 214\2021، الذي ينص على استعادتها سواء كانت في لبنان أو في الخارج.

وما يجب أن ندركه جيداً، حسب كلام طعمة، أن كل الأموال الناتجة عن جرائم الفساد أو تبييض الأموال أو الاثراء غير المشروع من الممكن لأي دولة طرف في الاتفاقية من أن تطالب باستعادته، وتتم عملية الاسترداد عبر دائرة استعادة الأموال التابعة للهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، وتوضع الأموال في الصندوق الوطني لإدارة واستثمار الأموال قيد الإستعادة، والتي تتوجب بقرار قضائي مبرم.

وهنا شدد طعمة على أن أهم ما في هذا الأمر، هو أهمية تعاون الدولة اللبنانية بجدية مع الدولة الفرنسية لاستعادة حقها، وما يجب الالتفات إليه أن الحاكم الملاحق بجرائم فساد يحمل الجنسية الفرنسية، والأموال هربت من لبنان، والقضاء اللبناني لم يتحرك في هذه القضية إلا بعد أن تحرك القضاء الأوروبي. وأهم ما في هذا الأمر أن السلطات اللبنانية لم تظهر أي تعاون جدي خلال التحقيقات في ملف حاكم مصرف لبنان، وحاولت عرقلة هذا الملف خصوصاً بعد إصدار مذكرات توقيف دولية بحق الحاكم، لذلك قد يسعى القضاء الأوروبي لإيجاد الحجج القانونية لمصادرة الأموال المحجوزة لصالحه، خصوصاً في ظل العراقيل التي واجهت الوكلاء القانونيين في فرنسا ومتابعة قضية الحاكم في لبنان.

خلاصة الأمر، المسألة ليست بهذه البساطة، والمشكلة الأساسية أن الموافقة على تحديد جزء من أموال سلامة لتعويض المودعين يعني الاعتراف بأن أموال الحاكم هي أموال خاصة من المصارف وليست للدولة اللبنانية. وإذا انطلقنا من المسار الثاني، على اعتبار أن أموال سلامة تعود للدولة اللبنانية ولكنها ستستعمل لإنهاء خسائر المصارف يعني الموافقة على وجهة نظر جمعية المصارف التي تطالب الدولة اللبنانية بتعويض هذه الخسائر.

والحل الأمثل، هو تعاون الدولة اللبنانية بجدية لاسترداد هذا الحق، وتحويله إلى حساب خزينة الدولة اللبنانية في المصرف المركزي، والاستفادة من هذه الأموال، سيما أن الدولة بحاجة إلى مبالغ كبيرة بالدولار الأميركي لتيسير ملفات مهمة كتأمين الرواتب والأجور، الملفات الصحية وأدوية السرطان والكثير غيرها… ويبقى الرهان الأساسي على جهود الدولة اللبنانية في حماية هذه الأموال من السرقة أو النهب أو وضعها بتصرف أي مسؤول يعمل بمعية الحاكم.

المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها