فرح منصور

الأثنين ١٠ تموز ٢٠٢٣ - 20:14

المصدر: المدن

مطاردة سلامة: القضاء الألماني يطلب مداهمة مصرف لبنان المركزي

بمنظور القضاء الأوروبي، فإن قضايا الفساد مماثلة للعمليات الإجرامية. فلا تهاون مع الجرائم المالية أبداً. في دول سيادة القانون، كأوروبا مثلاً، القضايا لا تُترك ولا تُهمل وتُتابع ولو بعد عقود من الزمن، كي يُلاحق كل متورط ويُعاقب.

طلب مداهمة
اليوم، بعد مرور أكثر من 7 أشهر على بداية التحقيقات الأوروبية في قضية حاكم مصرف لبنان، رياض سلامة، صار واضحاً أن القضاء الألماني تجاوز مرحلة الاستماع إلى الشهود والمشتبه بهم، وانتقل إلى مرحلة مفصلية أعمق، وهي التدقيق في الحسابات المصرفية والحصول على مستندات وأوراق رسمية من داخل مصرف لبنان.

بهذه الطريقة، يمكن للقضاء الأوروبي أن ينهي جولته بعد أن يحصل على كامل المعلومات التي تنقصه، وبعدها تكتمل المشاهد الأخيرة من قصة “اللصوص”، وتصبح جميع الحلقات جاهزة للعرض أمام الرأي العام، لربما لنصل إلى الحلقة الأخيرة حين يُعاقب ويُدان كل متورط في عمليات غسل الأموال واختلاسها.

في الوقت نفسه، مطالبُ القضاء الألماني لم تعد محصورة بالتدقيق في حسابات الحاكم، بل تطورت إلى حد المطالبة باقتحام المصرف المركزي للكشف على الأوراق والمستندات الموجودة في داخله.

وبعد أن حُوّلت الاستنابة القضائية الألمانية إلى قاضي التحقيق شربل أبو سمرا، التي طالبوا فيها التدقيق في حسابات سلامة المصرفية، وبالحسابات الوهمية، طلب القضاء الألماني أيضاً مساعدة قضائية ومواكبة أمنية من القضاء اللبناني لاقتحام مصرف لبنان للحصول على المستندات من داخله.

في الواقع، يدرك القضاء الألماني أن هذا المصرف هو بيت الأسرار، أو بمعنى أدق: في هذه المكان تحديداً، انتشرت عصابة الأشرار وخططت لمهامها ونفذتها.

في الداخل، جرت الصفقات، وتلاعبت العصابة بالأرقام، ووزعت المهام على أفراد العصابة لتمرير الأموال بأساليبها. كل زاوية في هذا المصرف ستكون كفيلة بفضح أكاذيب وألاعيب المشتبه بهم، لذلك، يريد القضاء الألماني الدخول إلى بيت الأسرار الذي تمركز به الحاكم لثلاث عقود متتالية، ليتعرف على طريقة عمله في الداخل.

في المقابل، يدرك القضاء الألماني جيداً أنه لن يحصل على المستندات التي يطلبها، في حال طلبها بشكل رسمي، لأن المصرف المركزي سيماطل وسيمنع وصول أي معلومة لأيادي القضاء الأوروبي.

من هنا، وجد القضاء الألماني أن الحل الأنسب هو اقتحام هذا المصرف والحصول على المعلومات عنوةً. وربما، لو أن هذا المصرف كان موجوداً على الأراضي الألمانية لكان القضاء الألماني نفذ مداهمته براحة أكثر، ولكنه مصرف لبناني وموجود على الأراضي اللبنانية. وبالتالي، يتوجب عليه الحصول على إذن من القضاء اللبناني.

استنكار واضح
على هذا الأساس، طلب من القضاء اللبناني معاونته ومواكبته في عملية الاقتحام. وكان واضحاً في مطلبه، المستندات الموجودة في داخل هذا المصرف تساعدنا في تحقيقاتنا، وتمكننا من الوصول إلى الكثير من الحقائق، لذلك نريد تنفيذ عملية الاقتحام للحصول عليها والتدقيق بها. أي بصريح العبارة، يريدون الحقيقة، لنسب الجرائم المالية للحاكم.. ومعاقبته.

في المقلب الآخر، استنكر مصدر قضائي رفيع هذا المطلب، معتبراً أنه يشكل تجاوزاً للسيادة اللبنانية بشكل واضح، ولا يمكن تنفيذه لأنه تعدٍ على حصانة المؤسسات الرسمية، فمصرف لبنان يتمتع بخصوصية وهذه المداهمات لا يجب أن تحصل أو أن تمارس على مؤسسات الدولة وخصوصاً المصرف المركزي.

إذن، موقف القضاء اللبناني واضح: ممنوع على القضاء الألماني مداهمة المصرف المركزي. وهنا يجب أن نلفت إلى أنها المرة الأولى التي يطلب فيها بشكل رسمي مداهمة المصرف المركزي، علماً أن القضاء اللبناني نفسه لم يداهم هذا المصرف أبداً، ووحدها القاضية غادة عون سبق لها وأن اقتحمت المصرف مرة واحدة فقط بحثاً عن الحاكم، حين ظنت أنه مختبئ داخل الخزنات الموجودة في المصرف، ففتشت في داخلها.

خطوة عون أحدثت بلبلة كبيرة آنذاك، وتفاعلت هذه الحادثة سياسياً وقضائياً، مما أدى إلى تنظيم المحامي العام الاستئنافي في بيروت القاضي رجا حاموش تقريراً مفصلاً بالمخالفات التي انطوت على حادثة الاقتحام، واعتبرت أن عون تتخطى دورها وصلاحياتها.

خبايا المركزي
في خلاصة الأمر، هذا الكتاب لن ينفذ، وسيحتفظ به داخل الأدراج. وبالرغم من تحويل المطلب إلى القاضي شربل أبو سمرا، غير أن جميع المصادر المتابعة لهذا الأمر، رجحت بل وأكدت أن أبو سمرا سيبلغ القضاء الألماني برفضه، معللاً ذلك أنه يشكل تعدياً على خصوصية المصرف المركزي وعلى سيادة لبنان، وإن كانت الاتفاقيات الدولية تنص على التعاون بين الدولتين، وتفرض تنفيذ الاستنابات القضائية.

في المقابل، ما يجب الالتفات إليه هو اهتمام القضاء الأوروبي بخبايا المصرف المركزي، وصار معلوماً أن القضاء الأوروبي يصرّ على فضح الأسرار المدفونة، ليتمكن من ربط المستندات بعضها ببعض للوصول إلى الحقيقة.

وما لا يمكن تجاهله، أن داخل منجم الأسرار، لكل مستند حكاية، وهذه الحكايات ستكون كفيلة بفضح صفقات الحاكم وألاعيبه. ببساطة، لأن المستندات المخبئة، هي أجندة عمل أفراد العصابة، التي ستكشف طريقة عملها، وتقسيمها للأدوار. وحينها، ستظهر هذه المستندات أن كل الروايات التي حبكها الحاكم ورفاقه خلال جلسات استجوابهم كانت من نسج الخيال، ولم تمت للواقع بصلة.

المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها