خضر حسان

السبت ١٧ حزيران ٢٠٢٣ - 19:56

المصدر: المدن

معالجة الأزمة: القطاع الخاص يعرض إمكاناته ويتيه بوحول السياسة

تلقّى القطاع الخاص في لبنان صفعة قوية بفعل الأزمة الاقتصادية التي تسارعت منذ العام 2019، بالإضافة إلى ما أفرزه انتشار فيروس كورونا الذي أثَّر على الاقتصاد العالمي. إلاّ أن طريق التعافي اللبناني اصطدم بعدم وجود أرضية صلبة لإتمام التعافي، فالتدهور الاقتصادي مستمر، والليرة ما زالت تفقد قيمتها، ومعدّلات البطالة ترتفع، وتتزايد معدّلات الهجرة، فضلاً عن عدم قدرة الدولة على تأمين البنى التحتية والخدمات العامة اللازمة لتفعيل النشاط الاقتصادي. وفي محاولة للتغلّب على الصعوبات، شكَّلَت أكثر من 40 مؤسسة من القطاع الخاص، شبكة تجمع مبادرات القطاع وخبرات شركاته، وتقوم بالمبادرات لخلق فرص عمل وتطوير الاقتصاد.

امتلاك المعرفة
للسنة الثانية، تنظّم شبكة القطاع الخاص اللبناني LPSN، لقاءها الذي تسلّط خلاله الضوء على مبادرات القطاع الخاص و”السبل المتاحة لتنشيط ونمو الاقتصاد”. واعتبرت الشبكة خلال حفلها الذي أقيم في بيروت، يوم أمس الجمعة 16 حزيران، أن “توحيد مبادرات وأفكار الشركات الخاصة يمكنه أن يحقق تأثيراً مضاعفاً”. ولتدعيم طموحها بتنشيط الاقتصاد، تستند الشبكة إلى “قدرتها على تعزيز المواهب التي ستدفع إلى التقدّم في الصناعات”. وتلك القدرة مبنية على “معرفة البيئة التي تزدهر فيها الأعمال وتتطوّر فيها الابتكارات”. وتضمّ تلك البيئة، شركات تعمل في مجالات “الزراعة والصناعات الغذائية، الضيافة والسياحة، الصناعة، الصناعات الإبداعية، الرعاية الصحية، التطوير العقاري، اقتصاد المعرفة وإدارة النفايات والتحريج”.
عبر تلك المعرفة والإمكانات المادية المتوفّرة، يضع القطاع الخاص أمامه خريطة طريق تسعى إلى “التخفيف من واحدة من أكبر الكوارث الاقتصادية التي ضربت أي بلد على هذا الكوكب في السنوات الـ150 الماضية من خلال تركيز استثمارات القطاع الخاص على مشاريع تعزيز النمو”. كما يسعى القطاع إلى “تصحيح نزيف رأس المال البشري المؤهل وجذب المواهب الشابة إلى فرص العمل داخل الدولة وكذلك تحديد جهود التدريب والمهارات بما يتماشى مع إمكانات النمو القطاعي”.

الدولة والمجتمع الدولي
يدرك أعضاء الشبكة أن الإمكانيات التقنية والمادية التي بحوزتهم، لا يمكن توظيفها بالشكل المطلوب ما لم يكن هناك بنى تحتية ملائمة ومشجّعة للاستثمار، إلى جانب مناخ دولي مساعد لتلقّي المنتجات والخدمات ولتدعيم الهدوء السياسي والاقتصادي.

وفي الوقت الراهن، لا ينسجم الوضع الداخلي اللبناني والمسار الدولي مع آمال القطاع الخاص الذي يحاول “التأثير على صانعي السياسات والمجتمع المدني والمنظمات الدولية للإنضمام إلى حركة وطنية تهدف إلى خلق فرص العمل وتعزيز النمو الاقتصادي”.

إذاً، يتطلّع القطاع الخاص إلى ثلاث جهات لمساعدته على تفعيل نشاطه. لكن صنّاع السياسات في لبنان منشغلون في تثبيت مراكزهم وإعادة رسم موازين القوى في ظل المتغيّرات الداخلية والدولية، ولا يكترثون لنتائج الأزمة المستمرة منذ 3 سنوات. بل إن محاولات الإصلاح المزعومة، أفضت إلى تعميق الخسائر الاقتصادية والاجتماعية وقطع الطريق أمام المستثمرين، من خلال استنزاف ما تبقّى من البنى التحتية والخدمات المطلوبة للاستثمار وعلى رأسها الكهرباء. إلى جانب ذلك، لم يعد القطاع المصرفي قادراً على تلبية متطلّبات المستثمرين، إذ توقّفَ عن التسليف وخسر أبرز مهامه، وهي سهولة الإيداع والسحب.
أما المجتمع المدني، فلديه ما يكفيه من عناوين للضغط عبرها على السلطة السياسية، ومنها تسريع الحلول السياسية والاقتصادية. علماً أن تشعُّب أطياف المجتمع المدني وتعدد أولويات أطرافه والتصاق بعضها بأحزاب السلطة وصنّاع القرار، يضعِف قدرة ذلك المجتمع على الضغط.
وفي سياق مخاطبة صنّاع السياسات والمجتمع المدني، فات شبكة القطاع الخاص أن من بين أعضائها وزوار لقائها السنوي، صنّاع سياسات من وزراء ونواب ونقابيين وملحقين تجاريين. فضلاً عن أن بعض أعضاء الشبكة دعموا على مدى 30 عاماً، سياسات اقتصادية أدّت إلى الأزمة الراهنة، كما استفادوا من هدر مليارات الدولارات على سياسات الدعم الفاشلة التي شرّعتها السلطة السياسية.

من ناحية ثانية، لا يخفى على أحد أن كلمة السرّ لحل الأزمة اللبنانية موجودة في الخارج، من القرار السياسي إلى المساعدات المالية إلى طمأنة المستثمرين الدوليين. فالانقسام السياسي الداخلي يتعزّز بصراع النفوذ الدولي الذي يظهر حالياً بصعوبة انتخاب رئيس للجمهورية، فما الحال بتنشيط الاقتصاد؟. وعلى مقربة من الصراع السياسي الدولي، يقف صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، بانتظار الإصلاحات الداخلية اللبنانية لتقديم المساعدات النقدية والفنية. ومن هنا، نعود إلى المربَّع الأوّل، أي إلى الداخل اللبناني وما يحويه من فقدان لأي سياسات تنموية. ولذلك، من غير المعروف مدى رغبة المجتمع الدولي بـ”تقاسم العبء مع لبنان باعتباره أكبر دولة مضيفة للاجئين في العالم”. فاستحضار شبكة القطاع الخاص للنزوح السوري واللجوء الفلسطيني، لا يدغدغ مشاعر المجتمع الدولي الذي يعطي الأولوية في المساعدة لمعالجة آثار الحرب في أوكرانيا، والتي تفوق تداعياتها على العالم، آثار الأزمة اللبنانية على لبنان وقطاعه الخاص واقتصاده بشكل عام.

الحاجة لإعادة النظر
بعيداً من تشعّبات انخراط جزء أساسي من أركان شبكة القطاع الخاص في عملية صناعة القرار السياسي الحامي للنموذج الاقتصادي التي ترهَّلَ وسقط، لا بد من تركيز الجهود على تغيير هذا النموذج بعيداً من العزف الدائم لبعض كبار أرباب القطاع الخاص “سمفونيات” التحذير من تغيير صورة لبنان القائمة على المبادرة الفردية والاقتصاد الحر، واستحضار شبح الشيوعية أو الاشتراكية. فالسقوط المدوّي للتجربة اللبنانية القائمة على الاقتصاد التحاصصي هي التي تحتاج إلى البتر؛ فبحجّة الاقتصاد الحر، ارتُكِبَت في لبنان أبشع مجزرة اقتصادية واجتماعية منذ تأسيسه.

حينها، يمكن لشبكة القطاع الخاص تسخير امكاناتها لتحقيق النمو التوظيفي وتعزيز انتاجية الاقتصاد الملتزم بالقانون. وعندها تستغل بصورة إيجابية ما لديها من شركاء في قطاعات التعليم والتدريب، من “جامعات ومعاهد التدريب المهني، ومنظمات المجتمع المدني”. ويمكنها التعاون مع “الهيئات الحكومية التي تعمل على معالجة الفجوات في المهارات من خلال تقديم تعليم عام أو متخصص”.

المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها