الياس الزغبي

السبت ١٥ تشرين الأول ٢٠٢٢ - 10:12

المصدر: صوت لبنان

“مقايضة المال بالسلام” مع “العمالقة الأقزام”

كان لا بدّ من زفّة في مأتم الرحيل.
لا يهمّ إذا كان الترسيم من صنع أجيال، ونهاية مسار طويل قبل “عهد الضاحية وضاحيتها”،
ولا يهمّ أن تكون لحظة الترسيم ثمرة قرار “الشيطان الأكبر” وأوروبا وإسرائيل غداة أزمة الغاز والنفط العالمية بسبب حرب أوكرانيا.
ولا يهمّ أن تكون صفقة الترسيم نتيجة “العداء الحميم” و”التواطؤ العميم” بين طهران وتل أبيب، على خلفية الذاكرة المتوهّجة ل”إيران كونترا” أو “إيران غيت”، عبر تدفّق السلاح الإسرائيلي قبل ٣٥ عاماً لإنقاذ نظام الخميني من ورطته في الحرب ضدّ صدّام حسين.
كلّ هذه المعطيات والدوافع الإقليمية والدولية غابت عن “خطاب النصر”، وحضرت فقط حسابات الانتقام السياسي لدكّان السلطة في انتهازية تعويم الغرقى.
فلماذا يصادر “العهد” لنفسه إنجاز الترسيم وإعلانه، طالما أنه لم يكن معاهدة يمنح الدستور رئيس الجمهورية حق التفاوض فيها؟
هناك تناقض سافر بين حجب الترسيم عن مجلسَي النواب والحكومة بحجّة أنه ليس معاهدة، وبين تفرّد رئيس الجمهورية بإعلان الترسيم وكأنه هو المفاوض الأوحد عليها بحكم الدستور.
والواضح أن هذا الإعلان هو مجرد توظيف سياسي بلدي، لا يرتقي إلى المستوى الدولتي الوطني، بل هو نوع من ترضية شخصية قبل أسبوعين من حزم حقائب السفر.
ولا يغيّر اختيار ١٣ تشرين لإعلان “الانجاز اليتيم” شيئاً في هذا التوظيف العلني، وليس من شأنه تحويل يوم الانكسار إلى ذكرى انتصار.
بل إن اختيار التوقيت، في حدّ ذاته، إثبات قاطع لنية الاستغلال.
وتحت ضجيج “الإنجاز التاريخي” مع عدم “التطبيع والتنازل”، وعدم خسارة “كلم واحد”، ودخول عصر النفط والغاز، تجري محاولات خائبة لتغطية جوهر “الاتفاق أو التفاهم” وعمقه.
فهو في حقيقته قائم على معادلة:
“مقايضة المال بالسلام”.
نعم، لقد دخل “ح-ز-ب ا-ل-لّ-ه” مع تابعيه ومتبوعيه، وبإسناد إيراني لا لبس فيه، عصر السلام مع إسرائيل مهما حاول تخريج ما أقدم عليه.
ولكن، كان الأجدى والأجدر، تحلّيه مع واجهاته، بالشجاعة الأدبية الكافية للاعتراف بالحقائق، والكف عن مسلسل تخوينه من سبقهم إلى التطبيع والدخول في صفقات المصالح ومساوماتها.
لن يسجّل التاريخ لأي فريق لبناني هذا “الانتصار النفطي”، خصوصاً حين تنكشف كل الطوايا والأسرار، وحين يتبلور حجم التنازل الفعلي، وتظهر حقيقة أحجام “العمالقة الأقزام”.

المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها