خضر حسان

الأربعاء ١٦ آب ٢٠٢٣ - 19:29

المصدر: المدن

منصة تنقيب الغاز وصلت إلى الجنوب: إسرائيل تنتظر أيضاً

سلك ملف التنقيب عن الغاز في البلوك رقم 9 خطوة اضافية إلى الأمام، تمثّلت بوصول منصة الحفر “ترانس أوشن بارنتس” Transocean Barents إلى المياه الجنوبية اللبنانية، يوم الأربعاء 16 آب. المنصة التي انطلقت قبل شهر من بحر الشمال، باتت في “نقطة الحفر المحددة لها”، وفق ما أعلنه وزير الأشغال العامة والنقل علي حمية.
وبالتوازي مع وصول المنصة، تفقَّدَ حمية القاعدة اللوجستية التي ستُعتَمَد في مطار بيروت لإقلاع وهبوط الطائرات المروحية المخصصة لتقديم الخدمات مِن وإلى منصّة الحفر. وبالتالي، أصبحت لعملية الحفر قاعدتان لوجستيتان، إحداها في المطار والأخرى في مرفأ بيروت. فهل يعني هذا التقدّم أن لبنان بات بلداً نفطياً، أم أن هناك تسرُّعاً في تعليق الآمال؟. ومن جهة أخرى، هل سيكون هناك مفاجآت إسرائيلية، أم أن ترسيم الحدود أنهى احتمالات التوتُّر؟.

تقدُّم لوجستي
بعد ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وسلطة الاحتلال الاسرائيلي، استُؤنف التحضير لعملية التنقيب في البلوك رقم 9 الذي يضم حقل قانا المفترض انه يحمل كميات كبيرة من الغاز. وسارَعَ لبنان لإعداد الأرضية التي ستواكب عملية الحفر، من تحضير الخط الجوّي في المطار، والمسمّى خط “قانا 96” لتخليد شهداء مجزرة قانا التي ارتكبها العدو في العام 1996، إلى القاعدة البحرية في مرفأ بيروت، مروراً بإتمام عملية المسح البيئي التي أنجزتها الباخرة “جانوس 2” في شباط الماضي.
وشبَّهَ حمية هذا التقدُّم اللوجستي بأنه “تأسيس لمرحلة تعافي لبنان”. وفي السياق عينه، أعلن وزير الطاقة وليد فيّاض تفاؤله المبني على “التفاؤل الذي أبدته شركة توتال التي أشارت إلى وجود حقل محتمل وكبير في البلوك رقم 9”. على أن الإشارات المتعلّقة بما هو كامن تحت البحر، لا يمكن حسم نتائجها إلاّ بحفر البئر الاستكشافي الأول في تلك الرقعة، فمن المحتمل أن تكون النتيجة مشابهة لما حصل في البلوك رقم 4 في العام 2020، إذ كانت نتائج الحفر الاستكشافي عبارة عن كميات غير تجارية من الغاز، فطويَ الملف وانتقلت الأعمال إلى البلوك رقم 9. إلاّ أن ما قد يشكِّل فارقاً نظرياً حتى الآن، هو الحماس الذي تبديه شركة توتال حيال الأعمال في الرقعة الحدودية الجنوبية. كما أن الشركة الفرنسية سارعت في وقت سابق إلى عقد اتفاق مع شركة قطر للطاقة، لتخلُف الأخيرة شركة نوفاتك الروسية التي انسحبت من التحالف في أعقاب الحرب على أوكرانيا، ليضم التحالف شركة توتال الفرنسية وإيني الإيطالية وقطر للطاقة.

العين على الكميات المستخرَجة
يحرق المسؤولون السياسيون اللبنانيون المراحل سريعاً، ويعلّقون “آمالاً كبيرة” على ملف التنقيب “الذي يحتاج إلى وقت طويل، ونتائجه غير مؤكّدة”، وفق ما يقول خبير الطاقة ناجي أبي عاد في حديث لـ”المدن”. أما الحدّ الفاصل بين الآمال والحقائق، فهو “معرفة الكميات الموجودة في الحقل، وكلفة استخراجها”.
ومع ذلك، يشارك أبي عاد المسؤولين اللبنانيين ببعض التفاؤل، نظراً لاستعداد شركة توتال لحفر بئر آخر في حال لم تكن نتائج البئر الأول على قدر الآمال “وطالما أن منصة الحفر موجودة، فلا مشكلة مبدئية ويمكن حفر بئر آخر، لكن يجب إجراء دراسات جديدة وتحديد الكلفة الإضافية للحفر”. لكن هذا الاحتمال يأتي في مرحلة لاحقة. فحالياً “الشركات لديها دراسات وتعرف أين ستحفر”.
ويقلّل أبي عاد من ضرورة الالتفات إلى ما حصل في البلوك رقم 4 لأن “الحفر هناك لم يكن إلاّ مدخلاً للحفر في البلوك 9، ولذلك لم يُحفَر بئر آخر هناك، وتم الاتجاه نحو الجنوب”.
رغم الآمال التي تستبق الإنجازات الفعلية على الأرض، لا ينفي أبي عاد أهمية التحضير التشريعي المواكب لعملية التنقيب. والقصد هنا، نقاش مسألة الصندوق السيادي. وبرأيه “لا ضرر من التحضير، لكن الأهم هو معرفة أننا نحتاج بين سنة وسنتين لتعرف شركة توتال ما في ذلك البئر”. وبالتأكيد تحتاج عائدات الكميات المستخرجة، وقتاً أطول لتصبح في المحفظة اللبنانية وتدخل إلى الصندوق السيادي المفترض إنجازه بشكل نهائي.

إسرائيل تنتظر التنقيب
ليس لبنان وحده مَن سيستفيد من كميات الغاز المستخرَجة. فإسرائيل حضَّرَت مسبقاً لاستفادتها من مخزون حقل قانا. فمع إنهاء الترسيم الحدودي البحري، في العام الماضي، وقّعت إسرائيل وشركة توتال اتفاقاً جانبياً خاصاً بهما، لا علاقة للبنان به، وينص على استفادة إسرائيل بجزء من عائدات حقل قانا “ولن يكون هناك تطوير للخزان قبل التوقيع على اتفاقية مفصّلة وتحويل العائدات إلى إسرائيل”. وبموجب الاتفاق، فإن “التعويضات” التي يجب على توتال دفعها لإسرائيل ترتبط بحجم الكميات التي يختزنها الحقل. وبما أنه لا معلومات دقيقة عن الكميات الموجودة، فإن المبلغ المالي الذي تنتظره إسرائيل، غير محدَّد.

ومع أن توتال والسلطة السياسية اللبنانية تصرّان على أن ما سيُدفَع لإسرائيل لن يكون من عائدات الغاز اللبناني، إلاّ أن لا شيء من مضامين وخبايا الاتفاق بين توتال وإسرائيل، يشير إلى عكس ذلك، خصوصاً وأن المبلغ المنتظر، مرتبط بالكميات المستخرجة. لكن “كما جرى حل مشكلة الترسيم بدبلوماسية، وبقيت إسرائيل دولة عدوّة بالشكل الرسمي، قد يجري حل مشكلة المبلغ المالي بالطرق الدبلوماسية”، أي يبقى المبلغ ظاهرياً، من محفظة توتال وليس من حق لبنان.

التقدّم في هذا الملف سينكعس إيجاباً بشكل أو بآخر، عند إتمام مهمة الحفر ثم الاستخراج، لكنه لن يكون الحل الشامل لمشكلة لبنان، خصوصاً على المستوى الاقتصادي. إذ يبقى مفتاح الحل بيد الدولة اللبنانية التي عليها إدارة الملف بالطريقة الصحيحة والشفّافة. وكما كان ترسيم الحدود البحرية محطّ آمالٍ للخروج من الأزمة، ولم تكتمل الآمال، لن يكون بدء التنقيب حلاً سحرياً.

المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها