المصدر: صوت لبنان
من “الحروب الصغيرة” في غزة إلى التسوية الثقيلة في جنوب لبنان
بات واضحاً أن الحرب في غزة بدأت “تضع أوزارها” وتتجه إلى المراوحة بين حدَّين:
الأول ارتفاع الضغوط لإقرار هدنة جديدة بتنسيق رباعي أميركي فرنسي مصري قطري تمهيداً للافراج عن الأسرى.
والثاني انتقال إسرائيل من وتيرة الحرب الكبرى إلى وتيرة الحروب الصغيرة في الرقَع الجغرافية المحصورة لما تبقّى من مجموعات “حماس” وسواها.
والظاهر أن إسرائيل دخلت المرحلة الثالثة من العمليات المحدودة والموضعية بعد معركة رفح، وهي تحتاج إلى استرجاع أنفاسها تحت ستار إعادة تموضع وحداتها القتالية، والاستعداد لاحتمال شنّ حرب جديدة في الشمال باتجاه لبنان.
والأكيد أن الوضع المرحلي في غزة يفتح الباب أمام طروح “اليوم التالي”، على مستوى من سيُدير القطاع عسكرياً وأمنيّاً واقتصادياً، وطبيعة الربط السياسي مع الضفة الغربية والسلطة الوطنية الفلسطينية في إطار مشروع حلّ الدولتين.
هذا في غزة، أمّا في جنوب لبنان فإن الوضع يترجّح بين نجاح التسوية الأميركية – الفرنسية القائمة على قدم وساق، وبين خطر التصعيد نحو حرب واسعة.
والأرجح أن إيران تتهيّب الانزلاق إلى حرب لا تملك مفاتيحها ولا تستشرف خواتيمها، وباتت تدرك أن الأثمان التي ستدفعها ذراعها “حزب الله” هي نفسها، سواء بالحلّ الدبلوماسي أو بالمواجهة العسكرية، وهي تميل وفقاً لحساباتها البرغماتية إلى دفع الثمن المتاح بدون المزيد من خسائر القتال الشامل، لعلّها تستحصل على مردود سياسي ما في لبنان وفي المنطقة العربية.
والثمن الذي سيدفعه “الحزب” لا مفرّ منه، وهو إخلاء منطقة عمليات قوات ال”يونيفل” والجيش اللبناني جنوب الليطاني، لقاء ترتيبات على الخط الأزرق ومساعدات تنموية وإعمارية والتزام إسرائيل بالتهدئة، فتتم استعادة الوضع الميداني الذي كان سائداً قبل ٨ تشرين الأول مع فارق جوهري هو فصل القوات على طول خط الجبهة من الناقورة إلى تخوم مزارع شبعا.
لقد شهد الجنوب استقراراً متمادياً من آب ٢٠٠٦ إلى تشرين ٢٠٢٣، وشكّل “الحزب” نوعاً من الضمان الأمني غير المعلن لشمال إسرائيل، حتّى بلغ الأمر ببعض المراقبين حدّ التنمّر على “الحزب” ووصفه ب”حرس حدود” وراعٍ لحقول الغاز الإسرائيلية في “كاريش”، فلم تحدث مواجهات ذات شأن على مدى تلك السنوات، ما جعل قيادته تتباهى بالاستقرار والازدهار على الخط الأزرق بفعل “قوة الردع وتوازن الرعب”!
ليس سهلاً أن تقبل إيران بإلغاء خط التماس الوحيد الذي تملكه في مواجهة إسرائيل عبر جنوب لبنان، فتصبح هي وكلّ أذرعها في وضع المواجهة عن بُعد، وهو ما أطلقنا عليه عبارة “المقاومة بالمراسلة”، لكنّ الخيارات أمامها ضيّقة بين حرب وتسوية، ونتائج الإثنتين هي ذاتها، فالأفضل أن تجنح طهران نحو أهون الشرَّين.
إن سابقة حرب غزة، مع ما انتهت إليه من مصير “حماس” ومآل القطاع برمّته، ماثلة بقوة أمام “الحزب” وإيران، وقد تكون المخارج التي يقترحها هوكستاين ومعه باريس سلالم نجاة للجميع، خصوصاً للبنان و”الحزب” و”الجمهورية الإسلامية” نفسها.
المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها