يوسف بزي

الخميس ١٣ نيسان ٢٠٢٣ - 18:49

المصدر: المدن

من غزة إلى لبنان: “حماس لاند” ترث “فتح لاند”؟

أول ما فعلته “حماس” (ومعها “حركة الجهاد الإسلامي”)، حين اكتمل تسليحها، بعد تحرّر غزة من الاحتلال الإسرائيلي عام 2005، أن أشعلت حرباً أهلية عام 2007 في القطاع لتصفية حركة فتح، والاستحواذ على السلطة فيه، وتكريس الانقسام الأهلي والسياسي بين الفلسطينيين ربما لأول مرة منذ العام 1948. خطيئة حماس أتت أصلاً من خطيئة أولى اقترفتها فتح (والسلطة الفلسطينية الوليدة): الإطاحة بنتائج الانتخابات. في الحالتين، طرف احتقر الديموقراطية، وطرف آخر ذبحها.

محتقر الديموقراطية أسس دويلة بوليسية سمتها الأولى الفساد، وواجهتها الأبرز الأجهزة الأمنية المتغولة. ذابح الديموقراطية أسس دويلة ميليشياوية سلطتها هي ديمومة الحرب (على صنوفها).

جرى ويجري ذلك في خضم الحلم التاريخي للشعب الفلسطيني في نيل حقوقه الوطنية، وفي تحرير أرضه من الاحتلال العسكري والاستيطاني، وفي سعيه لقيام الدولة الفلسطينية المستقلة.
الناظر إلى نموذج الضفة الغربية كما إلى نموذج غزة، يمكنه أولاً وقبل كل شيء أن يرى أفاعيل الاحتلال وقسوته، وإصراره على منع الحلم الفلسطيني من التحقق. لكنه أيضاً يرى أن سلطة فتح وسلطة حماس تحوّلان ذاك الحلم إلى كابوس.

هنا في لبنان، وابتداء من لحظة اتفاق القاهرة العام 1969 إلى آخر صاروخ أطلق من الجنوب، ومن “فتح لاند” إلى “حزب الساحات”، كانت الحصيلة المشهودة والمستمرة هي ما تمتعنا به وما زلنا من حروب أهلية متناسلة وكوارث متراكمة.

واليوم، في ذكرى 13 نيسان المشؤومة، وبعد مرور 48 سنة على انفجار البركان الأهلي-الإقليمي-الدولي، لم نقترب متراً واحداً من فلسطين الحلم، لكننا بتنا أكثر التصاقاً بفلسطينات كابوسية، على ما نراه في غزة حماس، أو رام الله فتح (التي –للمفارقة- التي تبدو أفضل حالاً من لبنان حزب الله).

ومن الواضح أن ما جاء يبشرنا به اسماعيل هنية وصحبه، بضيافة حسن نصرالله، واستكمالاً للتبشير الأخاذ الذي رأيناه مع قاسم سليماني في سهوب المشرق وبطاحه ومدنه وحواضره وبواديه، هو استئناف أو عود على بدء “حرب التحرير الشعبية الطويلة الأمد” (وربما إلى الأبد) التي انطلقت من جنوب لبنان عام 1969، وكان لها ما لها من أمجاد لحافظ الأسد ومعمر القذافي وسائر جبهة الصمود والتصدي.

ومن يسهّل الأمر على هنية ورعاته هذا الطموح الثوري والصاروخي، هو شبيه من سهّل من السياسيين اللبنانيين توقيع “اتفاق القاهرة”. ففي الحالتين، سنجد زعماء وقادة وساسة هم علاوة على فسادهم، سماسرة من الطراز الذي يبيع البلاد وسيادتها من أجل منصب رئاسة الجمهورية مثلاً.

وكان جبران باسيل آخر الأمثلة البديعة عن أولئك الساسة، الذي راح في بهلوانيات لغوية مفضوحة يتحدث فيها عن السلاح و”التفاهم” والاستراتيجية الدفاعية، على نحو مضحك وعاجز، يشبه إلى حد بعيد الإعلانات المبهرجة للمصارف اللبنانية المفلسة.

عندما زرت غزة في العام 2009، بعيد حملة التدمير البربرية الإسرائيلية وإعلان حماس انتصارها المعلوم.. وعدا عن التوق العارم لفك الحصار الخانق، كان لسان حال شبانها المتعلم: “أي فيزا للخروج من هنا”.

هذا لسان حال اللبنانيين جميعاً، مرات ومرات، في السبعينات والثمانينات، ثم بعد انتصار 2006، ووصولاً إلى الانتصار على المؤامرة الكونية، التي كانت آخر ذيولها “مؤامرة 17 تشرين” التي دبرتها السفارات، حسب يقين حركات وأحزاب الصواريخ (وأيضاً جبران باسيل وأمثاله).

أما بعد حفلة الصواريخ الأخيرة، يوم السادس من نيسان الحالي، فعاد اللبنانيون إلى لسان حال ذاك الراعي في زمن “فتح لاند” عندما رأى “الفدائيين” ينصبون صاروخهم، فتمنى عليهم تصويبه نحو قريته لا إلى فلسطين، درءاً لغارة أو قصف همجي يزيل القرية ويهجّر أهلها.

هكذا أفنينا أعمارنا برفقة صانعي الكوابيس، قتلة الأحلام.

المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها