منى فياض

الأثنين ١٨ كانون الأول ٢٠٢٣ - 09:08

المصدر: صوت لبنان

هابرماس ووالزر: حرب الإبادة التي تقودها إسرائيل ضد الفلسطينيين “حربا عادلة “! 

الفيلسوف مايكل والزر، من الجيل الذي صدمته حرب فيتنام، كتب عام 1977 تأملاته حول الحق بالحرب. ومع كونه ضد الحروب فقد كتب عن وجود معايير للدخول في حرب “عادلة”. اعتبر ان حرب اميركا ضد الفيتناميين غير عادلة، لأنها نفذت هجوما عدوانيا واضحا، ساعدتها عليه الأداة السياسة التي تستخدمها عادة في مجلس الأمن، والمعروفة بحق الفيتو.
نفس هذا الشخص أصابته الصدمة من هجوم حماس في 7 أكتوبر، واعتبرها حرب إبادة ضد اليهود ومعاداة للسامية!!  وبالتالي مسوغاً لحرب الإبادة التي تقودها إسرائيل، خارج جميع قوانين ومعاهدات الحرب، لتصبح بنظره حرباً عادلة!! فالقانون والقوة مرتبطان ارتباطا لا ينفصم، بحسب اينشتاين في رسالته لفرويد.

حتى الفيلسوف هابرماس، وهو أهم فلاسفة الغرب الأحياء وقد تجاوز التسعين، وقّع عريضة باسمه مع آخرين، يؤكد فيها على “شرعية” العدوان الإسرائيلي الهمجي على سكّان غزّة بذريعة “الحق بالدفاع عن النفس”. واستنكر اتهام إسرائيل بشنّ حرب إبادة ضد الفلسطينيين، معتبراً هذا الموقف مظهراً من مظاهر العداء للسامية!
ماذا يمكن ان نسمي هذه المواقف المنحازة وغير العقلانية من مثل هؤلاء المفكرين “الكبار”؟! كان عليهما على الأقل القول بعدم وجود حرب عادلة، على غرار مقولة الفيلسوف الإيطالي روبرتو مانشيني، القائل ان “الحرب العادلة” كذبة.
إسرائيل لا تمارس حرباً، لأن الحرب تكون بين دولتين، ما تمارسه هو عدوان وحشي لا يحترم أي من المعايير الإنسانية، على شعب أعزل، بحجة القضاء على تنظيم ساهمت هي بتقويته. وهجوم هذا التنظيم يهدف الى رفع الظلم عن شعبه، ولو بطرق قابلة للنقد، ومواجهة كيان قائم على الاحتلال والظلم والعنصرية وأشكال بائدة من التحكم بالحياة البشرية. وأسوأ ما يحصل الآن تجريد الفلسطينيين من انسانيتهم، وانتزاع صفة البشر عنهم، وجعلهم بلا وجوه او تاريخ او أحلام. كأنهم كائنات لا تستحق الحياة ويجب اجتثاثهم من الوجود.
النظام الاسرائيلي تحول الى مريض نفسي مسّه جنون لا شفاء له.
هناك استحالة لتخلص التاريخ كُلياً عن كونه “تاريخ الحروب” على ما يبدو. لأنها، سواء أردنا ام لا، هي التي ترسم حدود المنعطفات الكبرى للأحداث.
فبالحرب كاد يبدأ تاريخ كل الحضارات الحديثة بحسب بوتول. والحرب هي ظاهرة الانتقال الأساسية في التاريخ المدون. وهي التي ترسم ولادة حضارات جديدة على أنقاض أخرى تندثر. وتلعب دوراً كبيراً في التحول الاجتماعي. لأنها تقطع سبيل العزلة، وترغم أكثر الدول انغلاقا على الانفتاح، كما حصل مع الصين واليابان في القرن الماضي.
كما انها تساهم في انتقال الثروات، إفقار فئات والصعود بأخرى، و للحرب دورا ديموغرافيا أكيدا في احداث أثر كبير على السكان.
الحرب على غزة أكبر كارثة يمكن ان تصيب شعباً.
هناك مقولة رومانية قديمة تقول: “إذا أردت السلام، فاستعدّ للحرب”؛ لكن بوتول أراد استبدالها بمقولة: “إذا أردت السلام، ادرس الحرب”.  وهذه الحرب مناسبة لاستخلاص الدروس ولصحوة الرأي العالم العالمي.

ونأمل ان تنتهي بوضع حد للهمجية الإسرائيلية، وبتأمين حقوق الفلسطينيين بالحياة الكريمة وبدء مسيرة تأمين دولة مستقلة تتمتع بالسيادة، بالرغم من عدم وضوح اهداف حماس.

المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها