جورج شاهين

الخميس ٢٣ أيلول ٢٠٢١ - 11:18

المصدر: الجمهورية

هل تحتمل باريس ان تكون “بوابتنا الى العالم”؟

يبني اللبنانيون في محطات سياسية ورئاسية مهمة رهانات كبيرة على الإطلالة الاولى لرئيس الجمهورية او رئيس الحكومة فور تسلّمه مهماته. ولذلك تتجّه الأنظار في الساعات المقبلة الى زيارة الرئيس نجيب ميقاتي لباريس، وسط عدد من الأسئلة التي تستشرف مدى قدرة فرنسا على أن تكون بوابة الحكومة الميقاتية الى العالم. وهل انّ في قدرة «فرنسا الماكرونية» القيام بهذه المهمة؟

قبل ان تثبت صحة الروايات التي تحدثت عن زيارة قريبة للرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون للبنان بعد تشكيل الحكومة الجديدة، وأهمية مصدرها وحجم ما تحمله من صدقية حاول البعض تسويقها، كشف اول من امس الثلثاء بفارق دقائق معدودة بين قصر الاليزيه والسرايا الحكومية، عن زيارة ميقاتي، في اول اطلالة خارجية له مساء اليوم للعاصمة الفرنسية، والتي سيتوجّها في «غداء عمل» مع الرئيس ايمانويل ماكرون عند الاولى بعد ظهر غد في قصر الاليزيه، للبحث في توفير مزيد من الدعم الدولي للبنان، بغية الإقلاع بقوة في عمل حكومته الجديدة وماكيناتها «المكربجة»، منذ دخول البلاد قبل 13 شهراً مدار تصريف الاعمال بالمعنى الضيّق لها، بعد استقالة الرئيس حسان دياب في آب من العام الماضي.

وعلى وقع الاقتناع الثابت بعمر الحكومة الجديدة القصير، المحكوم في حدّه الاقصى بموعد الانتخابات النيابية العامة المقرّرة مبدئياً في 8 ايار المقبل، فقد توسعت السيناريوهات التي تحدثت عن ضرورة الإسراع قدر الإمكان ببعض الخطوات التي تُضخ الحياة في شرايين الدولة ومؤسساتها، وإعادة ترميم ما يمكن ترميمه من علاقاتها الدولية.

على هذه الخلفيات، ابدى ميقاتي أثناء المشاورات مع الفرنسيين عشية تشكيل الحكومة، الرغبة أن تكون زيارته الخارجية الاولى لفرنسا للقاء ماكرون. ولأسباب عدة، أولها ردّ الجميل له، وثانيها ما يقدّره من ردّات فعل ايجابية عند استخدام منبر الاليزيه للتوجّه في اولى رسائله الى العالم، ولا سيما منه الدول الصديقة للبنان التي تجمعه أنواع مختلفة من الشراكة مع الفرنسيين والمؤسسات والهيئات المانحة، ولتأكيد التزام حكومته – هذه المرة – بالقيام بما هو مطلوب منها، لاستدراج الدعم الذي يحلم به سريعاً على اكثر من مستوى، وخصوصاً في القطاعات الحيوية والخدماتية التي تحتاج الى دعم وتمويل كبيرين، بالسرعة التي تستلزمها عملية إنقاذ قطاعات تهاوت الى درجة الانهيار الكامل.

ومن هذه المعطيات بالذات، وقبل البحث في ما يمكن ان تقدّمه فرنسا للبنان في ظلّ موازين القوى الاوروبية والدولية، ينبغي التوقف ملياً أمام قدرة باريس على تنفيذ ما وعدت به من خطوات إنقاذية للوضع المتردّي في لبنان، بعد تأخير عام كامل على خريطة الطريق التي رسمتها مبادرتها في 2 ايلول من العام الماضي، عدا عمّا تسببت به المناكفات السياسية من إصابات نهشت شكلها ومضمونها، وأعاقت تنفيذ اي من المهل والمواعيد التي تحدثت عنها واحدة بعد أخرى، الى ان قبلت الحكومة الفرنسية بشروط اللبنانيين، بدلاً من إلزامهم بشروطها لتسهيل ولادة الحكومة.

وبناءً على ما تقدّم، لا بدّ للمراقبين من التوقف أمام المستجدات والمتغيّرات التي شهدتها الفترة الفاصلة عن إطلاق المبادرة. فهي في صلب المواضيع التي لا يجب تجاهلها عند البحث في حجم القدرات الفرنسية الحالية، ومدى قدرة الحكومة اللبنانية على ملاقاتها في منتصف الطريق، رغم اعتقاد كثر انّ هناك معطيات اخرى لا تتصل بالدورين الفرنسي واللبناني فحسب، والذي تجلّى بالمقاربة الآتية:

أولاً، على المستوى الفرنسي: لا يمكن تجاهل وجود النية الفرنسية الجامحة لمساعدة لبنان في تجاوز ازمته. فقد اظهرت باريس قدرتها على استيعاب المعوقات التي واجهتها، وصمّمت على المضي في برامج الدعم للبنان. ومضت في تسخير علاقاتها الاوروبية والدولية لهذه الغاية، وتجاوزت كثيراً مما يعوق مبادرتها، بدليل ما قدّمته من خدمات جلّى تجاه إيران وغيرها من القوى الاقليمية.

ولم تتجاهل واجب محاكاة الشروط الدولية التي وضعتها واشنطن والمؤسسات الاممية والدولية، من اجل إنجاز كاد يكون وحيداً الى اليوم وهو ولادة الحكومة. فهي باتت في نظر الفرنسيين والمجتمع الدولي المعبر الاجباري الى التعاطي مع الوضع في لبنان، باعتبارها المؤسسة الدستورية التي لا ينتظم الوضع اللبناني من دونها. فقد كان التشكيك شاملاً بأدوار القيادات السياسية والحزبية والمؤسسات، ما عدا العسكرية والامنية منها، التي وُضعت خارج اي تصنيف، فخرجت من لائحة المؤسسات الفاشلة التي عجزت عن تقديم الحدّ الادنى من خدماتها لمواطنيها، في ظل الضائقة المالية وفي مواجهة ما تركه تفجير مرفأ بيروت وجائحة كورونا من تداعيات خطيرة على اكثر من قطاع.

وعليه، ينبغي، وقبل التوسع في هذه الإطر، فهم حجم الانعكاسات المقدّرة للمواجهات المستجدة التي اضطرت فرنسا الى خوضها عقب ما سُمّي أزمة صفقة «الغواصات الفرنسية التقليدية» مع استراليا، التي قادت الى مواجهة من نوع آخر مع واشنطن ولندن وكامبيرا، كما بالنسبة الى وقف صفقة الطائرات الفرنسية المقاتلة مع سويسرا، في انتظار لملمتها إن كان ذلك ممكناً قبل إلغاء الخوف من انعكاساتها السلبية على الدور الفرنسي في لبنان والمنطقة، وخصوصاً اذا ثبت انّها كانت من الردود على تفرّد باريس بصفقة الطاقة بـ 27 مليار دولار مع بغداد.

ثانياً، على المستوى الداخلي، لا يمكن تجاهل الحاجة الى انتظار ما سيكون عليه أداء حكومة ميقاتي في الداخل، فهل يتوافر الإجماع المطلوب للإقلاع في الإصلاحات الضرورية المطلوبة بأسرع وقت ممكن تمهيداً لاستئناف المفاوضات مع صندوق النقد الدولي والجهات المانحة؟ وهل يمكن ان تحقق هذه الاتصالات مبتغاها قبل ان تثبت الحكومة جدارتها في اكثر من قطاع من اجل موافاة الجهود الدولية؟ وهل يمكن ان يتلمّس اللبنانيون والعالم ذلك قبل نهاية العام الجاري؟

واخيراً، عند مقاربة الدور الفرنسي وتأثير باريس على فتح آفاق العالم العربي والغربي امام حكومة ميقاتي، لا بدّ من التنبّه الى وجود مسارات اخرى دولية واقليمية لا يتجاهلها رئيس الحكومة. فالبحث جار عن بوابات أخرى في العواصم القادرة على فتح أبواب عواصم عربية وخليجية والرياض منها خصوصاً، لتنسحب العلاقة متى سويت على بقية دول الخليج العربي.

وعندها لا يمكن احتساب الزيارة الميقاتية لفرنسا سوى المدماك الأول على الطريق الى احياء علاقات لبنان الخارجية. فهل يمكن تحقيق ذلك قبل ان يعود لبنان الى منطق النأي بالنفس، وتغيير الصورة النمطية التي صبغت الحكومة لمجرد التوافق على خروجها من غرفة الولادة الفرنسية ـ الايرانية التي أعطت «حزب الله» دوراً لم يكن يرغب به أي من الدول الخارجية ما عدا فرنسا؟

المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها