حارث سليمان

الثلاثاء ١١ أيار ٢٠٢١ - 12:24

المصدر: الجنوبية

هل تقوى فرنسا على انجاح مبادرتها واستكمالها؟

بعد ان وصلت المبادرة الفرنسية الى منتهاها العملي وانسداد مرحلتها الاولى، اي رهان يمكن للمواطن اللبناني ان يقامر بالتأمل به!؟.
وماهي الدروس المستفادة من ثمانية عشر شهرا من عمر الازمة؟، وأي خيارات ممكنة اليوم، بعد أن استنفذ لبنان كل الوقت الثمين والضَيّق، لاعتماد خطة استنهاض شاملة من أجل البدء في مسيرة الألف ميل، للخروج من أزمته المثلثة الأبعاد المالية والنقدية والاقتصادية، والتي تُفاقِمَها، التداعياتُ الاقتصادية لجائحة الكورونا، وما تسببت به من انهيار لقطاعات اقتصادية مختلفة.
وعلى الرغم من أن المبادرة الفرنسية قد وُلدَت، بشحنة عاطفية، بعد جريمة تفجير مرفأ بيروت، فقد توضحت طبعتها الاولى، أنها كلامية وساذجة، وقد ناقشتُ هذه المبادرة، في مقالة لي سابقة، نُشرت في أكثر من وسيلة اعلامية لبنانية، وكان عنوانها ” المبادرة الفرنسية أزمة استشراقٍ أم غيابٌ للعصا والجزرة وصفارة الحكم”( موقع جنوبية وجريدة اللواء)، وجَذْرُ السذاجة الأول، حسب رأيي فيها، هو التعويل على صحوة ضمير المنظومة الحاكمة، الصانعة للكارثة والمتسببة بها والمتكسبة منها، تعويل بأنْ تُغيّر سلوكَها وتنضوي بسلوك وطني آخر، يُؤثِرُ مصلحة لبنان وشعبه، ويمتنع مُتعففاً عن محاولة التربح من الازمة، واستغلالها لمزيد من الامعان، بما تعودت عليه، من استعمال لبنان رهينة لأجندات اقليمية، ومن فساد وصرف نفوذ، واثارة لنزعات الكراهية والتعصب، والتسلط على الناس والتحكم بلقمة عيشهم، وقد كان واضحا أن شرط نجاح هذه المبادرة، ليس النجاح ب تشكيل الحكومة أي حكومة، بل أن تكون هذه الحكومة كفوءة ومستقلة، عن سيطرة أحزاب السلطة وأطرافها، هؤلاء الذين صنعوا كارثة لبنان وحوّلوه من وطن جميل، الى متراس مواجهة في صراع اقليمي، واستباحوا ماليته العامة وموارد خزينته ومداخيل مرافقه وخدماته، وغني عن القول أن من صنع الكارثة وتربح من مفاعيلها، لا يمكن أن يكون بأي حال، صالحا ليصنع خطة وينفذها لعلاج آثار الكارثة وإزالة نتائجها.
أما جَذْر ُ السذاجة الثاني، فهو التوجُهُ لح-ز-ب ا-ل-ل-ه كطرف لبناني تتساوى مشاركته بالسلطة بباقي اطراف المنظومة، في حين انه واقعا، هو الطرف الاساسي في المنظومة، وقائدها وضابط ايقاعها وتوازناتها، وأن تقليص نفوذ المنظومة، لا يعني تخلي كل أطراف السلطة عن جزء من نفوذها بشكل متقابل، وانما على ارضية الحقيقة العملية، فإن تقليص نفوذ المنظومة سيعني جوهريا تقليص هيمنة ح-ز-ب ا-ل-ل-ه ونفوذه في بنى الدولة اللبنانية ومؤسساتها الرسمية، ورغم حرص الرئيس الفرنسي على مداراة حساسيات ح-ز-ب ا-ل-ل-ه اللبنانية ومراعاة مصالحه الداخلية، فقد تجاهل التحرك الفرنسي ربط حراكه اللبناني بمصالح القيادة الاقليمية لح-ز-ب ا-ل-ل-ه في طهران، وتحرك على افتراض امكانية عقد تسوية في لبنان تقلص قبضة ح-ز-ب ا-ل-ل-ه عن الدولة اللبنانية، بمعزل عن ثمن يقدم لطهران في صراعها الاقليمي حول نفوذها في المنطقة وبرنامجها النووي.
ولذلك فبعد عشرة أشهر من عمر المبادرة، تجلى واقع حالها، عن كونها قابلة للاستعمال ك “مسرح الهاء” يبرر ويغطي إطالة أمد حكومة تصريف الاعمال، التي يرأسها د. حسان دياب، وهي الحكومة التي كان مطلوبا منها، وضع خطة الانقاذ الشاملة والبدء بتنفيذها، والتي لم تتمكن من تنفيذ أي خطوة في اتجاه خطة اصلاحية، ولم تسعى ولو بخطوة واحدة لوقف تسارع الانهيار أو حتى إبطائه، ولم تداوي أزمات لبنان في علاقاته العربية والدولية، بل سمحت وساهمت بضرب القطاعات الاقتصادية كافة، وبتعاظم حصة السوق الاسود للاقتصاد الموازي على حساب السوق الشرعي الحقيقي، فتوسعت عمليات تهريب المواد الاستهلاكية الى داخل لبنان، دون خضوعها للرسوم الجمركية او الضريبة على القيمة المضافة، وتعممت عمليات التصدير غير الشرعية للمواد المدعومة من مصرف لبنان، الى كل دول العالم وخاصة الى سورية، فكان من نتيجة هذه السياسة، تبديد ما لا يقل عن ١٤ مليار دولار اميركي من احتياط مصرف لبنان من العملات الاجنبية، وذلك بهدف مساعدة نظام الأسد، من جهة أولى، على مواجهة قانون قيصر وخرق الحصار الذي فرضته عليه الولايات المتحدة الاميركية، وبهدف تمويل عمليات ح-ز-ب ا-ل-ل-ه من جهة ثانية، في ظل شح الدعم الايراني لماليته نتيجة للعقوبات الأميركية على إيران.
وفي ظل هذه الحكومة وتحت أنظارها، توسعت اعمال الجريمة المنظمة عبر لبنان، فتوالت وتفاقمت اعمال تهريب المخدرات والاسلحة وتبيض الاموال والتجارات الممنوعة، وتقلصت هيبة الدولة اللبنانية وسلطاتها، وتهاوت ثقة الناس والدول بها، عربية كانت أم دولية، فيما تعاظم منطق المافيا والبلطجة والخوة والتهريب، والخروج عن شرعية القانون وتعددت محاولات لي عنق الدستور والتنكر لأحكامه نصا وروحا، وتبدى المشهد العام، مُظهِرا إنحلالَ وعجز السلطة القضائية عن التعامل، مع أي ملف قضائي بمهنية وموضوعية، بعيدا عن هيمنة أطراف المنظومة وكيدياتها.
على مدى ثمانية عشر شهر من عمر الازمة، تحوّل ٧٠ % من شعب لبنان الى فقراء، يبحثون عن سبيل ومصدر لتأمين غذائهم واحتياجاتهم، فيما تحوّل ميسوريهم الى متسولين لودائعهم امام صناديق البنوك، وتحوّلت أجيال لبنان الشابة ونخبه العلمية، الى كفاءات رخيصة تطلب فيز عمل وهجرة الى بقاع العالم وأسواقه.
لم تكن ممارسات حكومة دياب فشلا وسوء اداء، وعجزا عن انجاز فقط، بل كانت سياسة مرسومة، من رعاتها وأولياء أمرها، ومُتّبعة لادارة الانهيار والاستثمار فيه، وخيارا يجنب المنظومة بكل أطرافها تحمل مسؤولياتها عن الأزمة، ويتيح لها التنصل من تحمل اعباء كلفتها، وآلام إجراءات الخروج منها، وظهر جلياً أن المنظومة السياسية التي صنعت الكارثة، لم تعد قادرة على تسيير مؤسسات الدولة ومرافق لبنان العامة، والحفاظ على قطاعاته الاقتصادية والانتاجية، ولم تعد صالحة لحفظ سيادته وامنه وحدوده، او رسم حدود مناطقه الاقتصادية الخالصة وادارة التفاوض حولها، وهي قيادة لم تعد مؤهلة، لحل ازمته وادارة شأنه العام، بل اصبحت خطرا على لبنان وشعبه وخطرا على الدول العربية والغربية، ينبغي اتخاذ اجراءات القطيعة معها والتحوط من التعامل معها والانفتاح على نشاطاتها.
لقد ساهمت المبادرة الفرنسية بكشف خواء السلطة اللبنانية ومنظومتها الحاكمة، وأظهرت مدى تحول الدولة اللبنانية الى أداة ركيكة في يد الدويلة التي تديرها ايران في لبنان، وطرحت مجددا على شعب لبنان وثوار ١٧ تشرين اولا ودول الجامعة العربية ثانيا ودول العالم ثالثا اسئلة حرجة وتحديات جسام لا مناص من إيجاد أجوبة عليها :
• ما هي الوسائل والأدوات، عنفية كانت أو سلمية، التي على شعب لبنان ان يعتمدها لإزالة سلطة أمراء احزاب المنظومة الطائفية واصحاب البنوك واداراتها ومساهميها؟
• أي خريطة طريق وفي أي مجالات وميادين يتوجب السير لإعادة تكوين سلطة جديدة، تقوم على إجتثاث مرتكزات الدولة العميقة لمنظومة المافيا الحاكمة، وبنيانها الاجتماعي وهيكلياتها الادارية ومواقع التحكم لديها؟
• كيف يتم التفاعل بين قوى التغيير اللبنانية في ثورة ١٧ تشرين، بعد توحيد قواها وصياغة اجندتها الواحدة وميادين ساحات نضالها، وقيام قيادتها الواحدة، كيف يتم التفاعل بين قوى التغيير على المستوى الداخلي، وقوى الاغتراب اللبناني.
• كيف يتناغم السعي بين قوى التغيير الداخلي مع الجهد العربي والدولي لاستعادة لبنان دولة طبيعية سيدة ديموقراطية ، ووطنا مزدهرا ينعم اقتصاده بميزات تفاضلية تؤهله ليكون جزءا من اقتصاد العالم والاقليم والمنطقة؟
على ضوء هذه الاجابات ستنفتح امام المبادرة الفرنسية وأي مبادرات عربية آفاق جديدة، تعيد الاعتبار لدور لبنان ولمصالح اشقائه واصدقائه وأدوارهم ونفوذهم، عربا ودولا غربية او عالمية.

المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها