سمير قسطنطين

الجمعة ٢٦ نيسان ٢٠٢٤ - 11:38

المصدر: النهار

هل فعلاً التّربية تُغَيِّر؟

“التَّربية تُغيِّر” أو “#Education Changes”، هي الفكرة الّتي سادت العالم منذ أكثر من نصف قرن. كثيرون حولَ العالم اعتقدوا أنَّ التَّربية تُغيِّر بمعنى أنَّها تُغني الثّقافة، وتشكّل طريقة التَّفكير، وتنمّي نوعَ المُقاربة، وتعزّز جودة الأداء. والفكرة أيضاً أنَّ التّربية غيرُ العِلم. العلمُ مبنيٌّ على مجموعةِ معارف واكتشافات واستنتاجات بحثيّة، أمّا التّربية فتتعاطى مع المهارات، والموقف الدّاخلي أي الـattitude، والمُقاربة الذّهنيّة أي الـ mindset.

إذا تَطَلَّعنا حولنا، في #لبنان وحول العالم، نرى أنَّ عدد #المدارس قد زاد بشكلٍ كبير في العُقود الخمسة الماضية. هل يخطُر ببالِكَ مثلاً أنّ في لبنان 2600 مدرسة، نصفُها مدارس خاصّة والنّصف الآخر مدارسَ رسميّة؟ هذا العَدَد من المدارِس كبيرٌ نسبيّاً لتعداد سُكّان لبنان وخصوصاً للفئة العمريّة ما دون الثّماني عشرة سنة. في المقابل، نَرى أنَّ العُنفَ يزداد في لبنان والعالم، والحقدَ يَتَفاقَم، وتجاهُلَ حقوق شرائحَ مجتمعيّة كبيرة ينمو. ولا نحتاجُ وقتاً طويلاً لنُدرِك أيضاً أنَّ العلاقات الشّخصيّة بين النّاس إلى مزيدٍ من التَّوتُّر، والعلاقات بين الجماعات هي أيضاً إلى مزيدٍ من عَدَم الفهم والتَّفهُّم والتّفاهُم.

وتسألُ نفسَكَ في خِضَمِّ ما تراه: “أين المدارِس؟ وأين تأثيرُها الإيجابي؟ ولماذا، وعلى الرُّغم من وجود مدارسَ كثيرة في كلّ مكان، بِتنا نشعُر أنَّ حجم الخطر أكبر بكثير من حجم الطُّمأنينة؟”
هذه الأسئلة مشروعةٌ. جوابي عليها أنَّ فكرة المدارِس الّتي بدأت مع Charlemagne قبل أكثر من ألف سنة في أوروبا، هَدَفَت يومها إلى تحقيقِ المزيد من المعارِف للتلاميذ. مع مُرور الوقت تَطَوَّرَ مفهوم المدرسة، فأصبحَت أيضاً تُربّي التّلميذ على قِيَمٍ ومفاهيمَ إنسانيّة مُتَطوِّرَة. وفي السّنوات العشرين الأخيرة، حتّى هذا المفهوم تَغيّر، بحيثُ باتت المدرسة تُزَوِّدُ التلميذ بالمعارِف، وتُنشّئُهُ على القِيَم الرّوحيّة والإنسانيّة، وتُكسِبُه، في الوقتِ نفسه، المهارات من خِلال التدريب المباشر، أو من خلال الـmethodology المُتَّبعة في التّعليم من قِبَل المعلِّمين. وهنا يَبرُزُ السؤال، “أوَليسَ كُلُّ ذلك سبباً لكي تؤدّي المدرسةُ وظيفتها لجهةِ تغيير الإنسان إلى الأفضَل؟” بلى وألف بلى لو كنتُ أُجيبُكَ عن السّؤال قبل ثلاثين سنة من الآن.

لماذا أقولُ هذا الكلام؟ لأنَّ المدارِس باتت في مناطِق عديدة من بعض البُلدان، مكاناً “لأدْلَجة” النّاس، ولضَّخِّ الـindoctrination فيها عبر تزويد التلاميذ بالعقائد والمفاهيم المنحازة، كما أنّها تعلّم التلاميذ الكيمياء والفيزياء واللُّغات وغيرها.

ليست هناك مقاربة واحدة حول العالم لمفهوم التّربية. ولا يَتَّفِق كل النّاس في كلِّ البلدان على أنَّ العلمَ والثَّقافةَ والتّربيةَ أمورٌ منفصلةٌ عن المُعتقدات السّياسية والحزبيّة والدّينيّة. هذا موضوعٌ خلافي منذ عقود.

لذا أتت المدارِس بنتائجَ معاكسة لِما كانت تهدِفُ إليه في مراحِلَ البداية. وهذا أمرٌ لا أراه سيتغيَّر في الزمن المنظور. مِمّا لا شكَّ فيه إنَّنا نتَّجِهُ إلى زمنٍ يكون المُتَطَرِّفون عقائديّاً وسياسياً روّاد فتح المدارس، ويكون المُغالون في تبنّي المفاهيم الاجتماعيّة غير الكلاسيكيّة أسرع من غيرهم في فتح مؤسّسات تربويّة. وستكونُ المدارس المؤدلِجَة لأذهان التّلاميذ على موقفٍ أقوى من الآن، وستضعف في المقابل المدارس التي تعلّم التلميذ الانفتاح والمُقاربَة الإيجابيّة لحلّ المشاكل.

هل يؤسفني ما أقول؟ يؤسفني جدّاً، لكن هذه هي حقيقةُ الوضع.

المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها