خضر حسان

الثلاثاء ٢١ تشرين الثاني ٢٠٢٣ - 19:00

المصدر: المدن

هواتف “الثريا” بعد ستارلينك: استغلالٌ لمخاوف المواطنين خلال الأزمات

في حالة الهشاشة اللبنانية، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، ليس بغريب أن تشجّع الأزمات على انفلات الأسواق وفتح شهية موظفين إداريين ومسؤولين سياسيين على استغلال الأزمات لتمرير صفقات تجارية. وعلى مستوى أصغر، يشجِّع الانفلات على إدخال سلع تفرض نفسها في السوق، رغم حاجتها في الأحوال العادية إلى موافقات وإجراءات رقابة تنظِّم دخولها واستخدامها. ولا تخرج أجهزة الاتصالات والانترنت عن قاعدة تلك السلع، لما لها من انعكاسات أمنية على البلد.

من مولّدات الكهرباء إلى هواتف “الثريا”
بصيغة العَجَلة وتفادياً للأزمات، جرى منذ عقود، تسويق المشاريع في الدولة، سيّما في قطاع الطاقة والكهرباء. وتحت راية العَجَلة، مرَّت شحنات الفيول وجاءت بواخر الطاقة التركية. وبَدَلَ تحسين خدمة الكهرباء، تراجعت إلى مستوى العتمة الشاملة. ولم تنجح مبادرات تفعيل الطاقة البديلة، إذ سقطت في دوامة السمسرات، جملة من التلزيمات لإنشاء محطات لتوليد الكهرباء من الرياح والطاقة الشمسية.

وفي معرض التوجّه نحو البدائل عن كهرباء الدولة، تضخّمَ قطاع مولدات الكهرباء الخاصة، وتحوَّلَ السوق من طفرة في عرض وشراء المولّدات الفردية الصغيرة، إلى انفلاش المولّدات الضخمة التي جذبت أصحاب رؤوس الأموال، وباتوا قطاعاً لا يمكن هزّ عرشه، ويتحدّث باسمه متحدّثون يقرّرون وسائل ابتزاز الناس والدولة.

وكما في قطاع الطاقة، فتَحَتْ الحرب الإسرائيلية على قطاع غزّة وامتداد تداعياتها إلى الجنوب اللبناني، الباب على التفكير في وسائل استباقية للتعامل مع احتمالات ضرب إسرائيل للبنية التحتية لقطاع الاتصالات والانترنت، وتالياً انعدام القدرة على التواصل على مستوى إدارات الدولة والمؤسسات الإغاثية والدفاع المدني.. وحتى الأفراد. ومع طرح وزارة الاتصالات فكرة الاستعانة بخدمات ستارلينك Starlink التابعة لشركة سبيس إكس SpaceX الأميركية، والتوجّه لبحث الموضوع في مجلس الوزراء، تشجّعت بعض الشركات في لبنان لتسويق هواتف “الثريا”، وانتشرت على منصّات التواصل الاجتماعي، إعلانات ترويجية لأنواع مختلفة من تلك الهواتف.
وإذا كانت الاستعانة بخدمات شركة سبيس إكس، تتعلّق بالدولة ومؤسساتها، فالترويج لهواتف “الثريا” يستهدف فئة أخرى من المستهلكين، وهم الجمعيات والأفراد. فما هي تلك الهواتف وكيف تعمل؟

هواتف بمزايا وأسعار مختلفة
هواتف “الثريا” تؤمّن الاتصال والانترنت بشكل مباشر عبر الأقمار الاصطناعية، من دون الحاجة للربط مع أي شركة اتصالات محلية. وتُعرَف تلك الأجهزة في المنطقة العربية بـ”الثريا”، نظراً لريادة شركة الثريا للاتصالات، وهي شركة إماراتية برزت في هذا المجال وارتبط إسم الهواتف التي تعمل عبر الأقمار الاصطناعية، في المنطقة العربية، باسمها. وبات تسويق ذلك النوع من الهواتف باستخدام إسم الشركة وهواتفها، أكثر جاذبية ومبيعاً. علماً أن هذه الخدمة قد تقدّمها أي شركة مشابهة، لكن قد يحتاج تسويق هواتفها في العالم العربي إلى جهد إضافي.

كلفة الحصول على خدمات الاتصال بالأقمار الاصطناعية ليست زهيدة. فتختلف أسعار الهواتف مع شريحة التشغيل وبطاقة التشريج، وتتراوح بين نحو 200 دولار وصعوداً إلى ما يتجاوز الـ1500 دولار. ولا تنحصر التكلفة بهذ الحدّ، بل إن سعر إجراء المكالمات وإرسال الرسائل، مرتفع قياساً بأسعارها عبر شركات الاتصالات المحلية في أي بلد. فكلفة الدقيقة أو الرسالة النصية الواحدة عبر تلك الأجهزة، قد تصل إلى نحو 3 دولارات.
ومع أن كلفتها مرتفعة، إلا أن النظر إلى بعض المزايا، يجعلها مقبولة من قِبَل المقتدرين مادياً، والقادرين على شرائها ودفع تكاليفها. فبنية الهاتف قوية ومتينة وقادرة على تحمُّل الصدمات وبعضها لا يتأثّر بالمياه، ما يتيح لحامله استخدامه بظروف صعبة جداً، وهذا هو الغرض الأبرز من استخدامه في حالات الطوارىء والحروب. فضلاً عن أن بطاريته تعمل لساعات طويلة تصل إلى نحو 10 ساعات في حال استخدامه بشكل متواصل، وتُبقي الجهاز بحالة التشغيل لعدة أيام قبل الحاجة لإعادة شحن البطارية بالكهرباء. ولمواكبة التطوّر في صناعة الأجهزة الحديثة، بات هناك أجهزة اتصال بالأقمار الاصطناعية تعمل بتقنية اللمس ويمكن وصلها بشبكة الإنترنت العادية، كما يمكن استعمالها لإرسال رسائل نصية إلى هواتف تعمل على شبكات عادية، ويمكن من خلالها أيضاً فتح البريد الإلكتروني للمستخدم.

شكوك وهواجس
إذا كانت أزمة الكهرباء قد سهّلت انفلاش قطاع المولّدات الكهربائية الخاصة، وتحت رايته فُتِحَ الباب أمام استيراد عدّادات بمزايا معيّنة، ولاحقاً طافت البلاد بمستوردي ألواح الطاقة الشمسية.. لا تستبعد مصادر في هيئة أوجيرو أن تستدعي حالة التهويل بالحرب وانقطاع الاتصالات والإنترنت، تصاعد وتيرة الترويج لهواتف الاتصال بالأقمار الاصطناعية.

لا تقف المصادر في حديثها لـ”المدن” عند توسّع استيراد سلعة موجودة في السوق اليوم، وإنما عند “استغلال هذا الحدث من قِبَل نافذين في الدولة وبعض كبار التجّار لخلق قطاع جديد خارج أي إطار قانوني. قطاع يفرض نفسه بحكم الأمر الواقع، فنصبح أمام حاجة قانونية ملحّة لتنظيم القطاع المستجَد، فيُستَغَلّ الأمر تجارياً وسياسياً وأمنياً. خصوصاً وأن هذه التقنيات تحتاج إلى موافقة أمنية من وزارة الدفاع، والتعاطي معها باستسهال أمر غير مقبول”.
وترى المصادر أن هذه الأجهزة “لن تكون فعّالة على أرض الواقع في حالة الحرب. فإذا قصفت إسرائيل البنية التحتية للاتصالات، فحَمَلة هذه الأجهزة بمن سيتّصلون؟ من سيكون على الجانب الآخر من الجهاز؟ هل كل الشعب اللبناني سيحمل مثل هذه الأجهزة؟ وإذا انحصر تأمين الاتصالات بجمعيات إغاثية وبالدفاع المدني أو الصليب الأحمر، فماذا عن باقي الناس، كيف يمكنها التواصل مع بعضها والإبلاغ عن التعرّض للقصف أو أي حالة طارئة، أو إذا كان هناك ناجون تحت الأنقاض؟”.
الحل ليس معقّداً حسب المصادر، بل ينطلق من تفعيل دور مؤسسات الدولة، ومنها هيئة أوجيرو التي بدأت مشروع مد شبكة الفايبر أوبتيك وجرت عرقلة إكمال ربط المناطق بتلك الشبكة “علماً أنه عبر شبكة الفايبر أوبتيك يمكن تغذية السنترالات من بعضها البعض، فإذا قُصِفَ سنترال منطقة ما، يمكن تزويده بالخدمات من سنترال آخر”. والتوسُّع بالحديث عن خدمات ستارلينك أو شراء أجهزة الثريا “بدعة هدفها الكسب المادي بالدرجة الأولى وتحفيز أكبر قدر من المستهلكين على شراء تلك الأجهزة تحت ستار التهويل بالحرب، علماً أن الخطط المرتبطة باحتمالات الحرب، تتراجع حالياً مع انحسار التوقّعات بانفلات الوضع الأمني جنوباً”.
ليس غريباً عن لبنان إدخال سلع إلى الأسواق تحت وطأة الأزمات، وسرعان ما تختفي بعد انحسار القلق. لكن ولأن ربّ ضارّة نافعة، يستدعي الجانب الأمني لملف الاتصالات والانترنت عبر الأقمار الاصطناعية، التساؤل حول ملف الاتصالات غير الشرعية وشركات الانترنت غير الشرعية التي تستقبل الخدمات من الخارج وتبيعها بصورة غير قانونية، وبشكل يخرق السيادة ويشكّل خطراً أمنياً. فضلاً عن الشركات المرخّصة التي تشتري الخدمات من أوجيرو وتبيعها بأسعار مرتفعة ولأعداد أكبر من المشتركين، خلافاً للقانون.

المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها