جورج شاهين

السبت ٢ أيلول ٢٠٢٣ - 08:51

المصدر: الجمهورية

هوكشتاين وعبد اللهيان في بيروت: وجهان لأزمة واحدة!؟

أجمعت مراجع سياسية مطّلعة على قراءة الهجمة الديبلوماسية الأخيرة في اتجاه لبنان، على اعتبارها دليلاً على استمرار الاهتمام به. ومهما تعدّدت أجناس الوفود وهوياتهم، فإنّ التوقف عند زيارتي كل من الوسيط الاميركي عاموس هوكشتاين ووزير الخارجية الايرانية حسين أمير عبداللهيان، يكتسب أهمية تفيض عن الوفود الأخرى. وإن كان التزامن جمع موفدين، أميركي وإيراني في بيروت، فقد اعتُبرت زيارتيهما وجهين لأزمة واحدة. وعليه، ما هي المؤشرات لهذه المعادلة؟
في انتظار ان يتبلّغ لبنان الموعد النهائي المحدّد لزيارة الموفد الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان في جولته الثالثة، وقبل ان يغادر هوكشتاين بساعات قليلة، بعدما قَدم الى لبنان من البوابة الاميركية، أطلّ عبداللهيان أمس الاول على لبنان من البوابة السورية الواقعة على الاوتوستراد الإيراني المفتوح من طهران إلى الضاحية الجنوبية لبيروت عبر بغداد ودمشق قبل بيروت.
وعلى وقع هذه الهجمة الديبلوماسية اللافتة في اتجاه لبنان، التي شارك فيها اكثر من موفد عربي وغربي وخليجي وأممي، توقفت المصادر الديبلوماسية أمام زيارتي هوكشتاين وعبد اللهيان، خصوصاً لأنّ لهما أكثر من هدف وتفسير لتحرّكهما في اتجاه لبنان. وإن اختلفا في نظرتهما الاستراتيجية تجاه الوضع في لبنان والمنطقة إلى حدّ المواجهة الشرسة التي حُشدت لها كل الطاقات المتوافرة لدى الطرفين، وما يمكن ان يقدّما له او ما يطالبونه به، فقد يلتقيان في الشكل حول مشاريع دعمه على اكثر من مستوى، في ظلّ استمرار خلو سدّة الرئاسة من شاغلها، كما على المستوى الاقتصادي والاجتماعي، ويفترقان في الجوهر في مجالات عدة إلى حدود بعيدة.
وإن التقيا في العلن على القول انّهما على حياد في معركة انتخاب الرئيس، فقد كان واضحاً انّ الاميركيين كما حلفاءهم الغربيين ومنهم أعضاء «لقاء باريس الخماسي»، لم يسمّوا حتى كتابة هذه السطور مرشحهم، بعدما اكتفوا بلائحة المواصفات التي تمّ تعميمها في أكثر من محطة ومناسبة. فالطرف الإيراني يمحّض «حزب الله» خصوصاً و»الثنائي الشيعي» عموماً، ثقته المطلقة لتسمية وترشيح من يريدان في هذا الشأن، وهو أمر يضعهم في مواجهة غير معلنة مع واشنطن كما الرياض والدوحة والقاهرة، قبل ان تنضمّ اليهم باريس في الجولة الثانية للودريان إلى لبنان، بعدما تخلّى عن ثنائية سليمان فرنجية ـ نواف سلام التي يمحضها «الثنائي» دعماً غير محدود من دون أي إعلان صريح وواضح.
على هذه الخلفية أبرزت زيارتا كل من هوكشتاين وعبد اللهيان خلافاً كبيراً في النظرة إلى الوضع في الجنوب اللبناني وعلى الحدود مع فلسطين المحتلة. ففيما يطالب الأول بالهدوء والاستقرار، ضماناً لأمن البر والبحر ومحيط آبار النفط المستثمرة في حقل كاريش ومحيطه في الجانب المحتل من فلسطين، وتلك التي تخضع للاستكشاف في البلوكين 8 و9 اللبنانيين، يؤكّد الطرف الثاني المواجهة مع اسرائيل انطلاقاً من أرض الجنوب اللبناني كما بقية الساحات المواجهة لها. وقد تطورت المواقف التي أطلقها عبد اللهيان من بيروت، بإعلانه الدعم للمنظمات الفلسطينية في الداخل المحتل سواء في الضفة أو غزة، ويبارك أي تحضيرات أمنية في الجنوب اللبناني تقوم بها المقاومة لدعم الحقوق الفلسطينية، في إشارة واضحة الى انّ مبدأ «وحدة الساحات» في دول الجوار الاسرائيلي ما زال هدفاً ايرانياً، وإن كانت بعض المؤشرات قد دلّت إلى انفراط عقد هذه الوحدة.
وما يعزّز هذه النظرية المتصلة بالموقف الإيراني من الوضع في فلسطين، انّ عبداللهيان أعطى إشارة بالغة الدقّة والوضوح عندما قدّم لقاءه بممثلي الفصائل الفلسطينية التي تواليها ايران وتمّولها، والتي تناصب العداء للسلطة الفلسطينية بعد اسرائيل، فور وصوله إلى بيروت في الساعات الأولى لزيارته قبل لقائه الليلي مع الأمين العام لـ» ح ز ب ا ل ل ه» السيد حسن نصرالله، ولقاءاته العلنية مع المسؤولين الرسميين اللبنانيين في اليوم التالي لزيارته. وهو ما يعزّز الإنشقاق الفلسطيني الذي ظهر جلياً في ما بينها بالتقسيط وعلى مراحل، بدأت منذ ان خاضت حركة «الجهاد الاسلامي» ومعها فصائل صغيرة تُحتسب على لائحة أصدقاء محور الممانعة، المواجهة الاخيرة قبل أشهر عدة في غزة.
كان ذلك قبل ان يلتحم الجميع في أحداث مخيم جنين لمرحلة ولفترة محدودة، الى ان فُرزت المواقف نهائياً وتوحّدت أكثرية الفصائل الى جانب السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير في لقاء الأمناء العامين للفصائل الفلسطينية في مصر، والذي قاطعته الفصائل الموالية لإيران ومحور الممانعة، بعد خروج حركة «حماس» من تحت عباءتها إلى العباءة التركية ـ المصرية التي رعت مراحل «المصالحة الفلسطينية» الاخيرة المنتظرة، بجهود جبارة للقاهرة وأنقرة اللتين استضافتا اللقاءات المشتركة سعياً الى ورقة عمل وبرنامج مشترك يقود إلى انتخابات فلسطينية تعيد الوحدة المفقودة بين الضفة وغزة.
وإلى هذا الجانب الفلسطيني من زيارة عبد اللهيان، والذي تقدّم على الجزء اللبناني من الزيارة، لم يبد هوكشتاين أي اهتمام للوضع في الداخل الفلسطيني، بمقدار ما كان يعنيه تعزيز الهدوء والاستقرار على الحدود الشمالية لاسرائيل. وجاءت جولته بعد زيارته لمقر قيادة القوات الدولية («اليونيفيل») على طول الخط الأزرق، لاستكشاف النقاط المتنازع عليها وما يمكن القيام به إن كُلّف مهمّة معالجتها، وإعادة تصحيح الحدود بالعودة الى خط 1923 المعترف به دولياً في الأمم المتحدة بموجب اتفاقية الهدنة بين لبنان واسرائيل عام 1949، إيذاناً بانتهاء مهمّة «الخط الأزرق» الذي ولد وكلّف أن يكون «خط الانسحاب»، ليشهد على تنفيذ القرار 425 بعد 22 عاماً على صدوره، وقبل استعادة لبنان كل الاراضي المحتلة من البحر الى مثلث الاراضي اللبنانية – السورية والفلسطينية المحتلة، حيث تنتهي مهمّة «اليونيفيل» لتبدأ مهمّة مراقبي الامم المتحدة على جبهة الجولان «الاندوف».
وأمام مجموعة المفارقات هذه بين نظرة الموفدين الاميركي والإيراني الى الملفين اللبناني والفلسطيني، يبقى واضحاً انّ لبنان لم يكسب من الزيارتين سوى ثابتة وحيدة، تقول انّ استمرار الحديث على مستوى أطراف «لقاء باريس الخماسي» على المواصفات الرئاسية الغامضة، من دون الغوص في الاسماء الرئاسية، سيطيل فترة الفراغ الرئاسي. وإن صحّت الاتهامات الفرنسية لطهران بإعاقة اي تفاهم، يعني انّ هناك منزلقات صعبة ستدخلها البلاد، وأولى ضحاياها مهمّة لودريان الذي تعرّض لمكمن آخر، عندما وجّه رئيس مجلس النواب نبيه بري أمس الاول الدعوة الى طاولة حوار تضمّ 15 شخصية من رؤساء الكتل النيابية وأعضائها، لا يريد ان يتبنّاها لودريان.
وبناءً على كل ما تقدّم، يتبين انّ مفتاح الأزمة، في ظلّ انكفاء واشنطن عن التدخّل المباشر في الاستحقاق، هو في يد طهران، إن تدخّلت لحلحلة موقف «الثنائي الشيعي» للبحث في مرشح توافقي، قالت لم ولن تقبل أن يشكّل تحدّياً للرياض، وهو أمر لم تظهر معالمه بعد من زيارة عبد اللهيان، إن كان قام بهذه المهمّة المستبعدة. وإلى حين تبيان الخيط الأبيض من الأسود، يمكن ان تكون الصورة أوضح.

المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها