وبهذه الجملة يمكن تشريح ما يحصل على ضفتي الصراع في هذه الجولات القتالية الوحشية الممتدة إلى لبنان وربما العراق في وقت لاحق، وعن سابق تصور وتصميم للمزايدين المصرين على استمرار أعراس الموت.

فتطورات هذه الحرب تكشف، من جهة، ما يريده رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ليهرب من مأزقه الشخصي ويطيل عمره السياسي بإطالة عمر مجازره، وفتح محاور قتال خارجية تخفف من وطأة تعثره في معركته البرية، وتظهر للمجتمع الدولي أن إسرائيل ضحية جهات متعددة، وأنها مرغمة لتتحرك وتدافع عن نفسها بهذه الوحشية.

ومن جهة ثانية، تكشف الجملة جهوزية أذرع محور الممانعة لمزيد من الاستثمار في أعداد الضحايا، لاسيما الأطفال والنساء منهم لترسيخ وجودها بحجة الحاجة إليها. كما أنها بمعادلة “اضربني لأضربك” تبرر هذا التهليل لدى إزهاق أرواحهم لتحصيل مكاسب لن تتعدى في أفضل الأحوال إطلاق سراح معتقلين وإبقاء “حركة حماس” في غزة لتتحكم بمن تبقى من أحياء، واستمرار جحيم اللبنانيين المفتوح بعد القضاء على هيكل الوطن ومصادرة وجوده لحساب “ح ز ب ا ل ل ه”، وتضع نقاطا على حروف معادلات الدم، التي حرص الأمين العام ل ح ز ب ا ل ل ه على إحصائها كدلالة على التفوق تمهيدا لإعلان الانتصار الإلهي بعد توصل المجتمع الدولي الذي يتوسل إليه ويهدده رأس الممانعة لحثه على التوصل إلى وقف إطلاق النار.. وإلا فالمنطقة مفتوحة على المجهول..

ووسط ضفتي الصراع، وحدهم الأبرياء يدفعون الثمن، ويكشفون عورات النفوس النتنة المشاركة في هذه الحرب التي تهدد بالتحول إلى استنزاف عبثي، والممعنة في عملية التراشق بالمسؤوليات الدائر بين آلة القتل الإسرائيلية المجرمة والمجنونة وبين استعراضٍ للصمود بعمليات نوعية لا تمنع آلة القتل أو تلجمها، إلا أنها تمنح الساعين من خلال القضية الفلسطينية إلى تغيير معادلات القوة والنفوذ في المنطقة فرصة دموية، لا لزوم للتوقف عند تبعاتها مع اعتبار قتل الأبرياء تحصيل حاصل له مردوده ويمكن تعويضه، ما دامت النساء تحمل وتلد وتعوِّض، على ما قال أحدهم.

وفي حين تسعى الدول العربية لوقف شلالات الدم المراق وإقناع المجتمع الدولي بالضغط على إسرائيل للتوصل إلى هدنة إنسانية تمهد لطرح حلٍ جدي للفلسطينيين، لا بد منه لإحقاق العدالة التي تأخرت 75 عاما بسبب أخطاء متراكمة وقصور في الرؤية، وانحياز أوروبي وأميركي لإسرائيل على حساب أهل الأرض، لا بد من الملاحظة أن لرأس محور الممانعة حسابات أخرى تتجاوز كل هذا الدم وكل هذه المعاناة، هدفها يقتصر على تحصيل المكاسب المرجوة التي تتيح له عودة مظفرة إلى طاولة المفاوضات بعد أن قطعت عملية “طوفان الأقصى” الطريق على مسار المشاريع الاقتصادية الضخمة التي كانت تضع أسسها من الهند إلى حيفا مرورا بالخليج العربي.. والتي كانت تشي بأن تحقيق هذه المشاريع غير ممكن ما لم يجد المستفيدون منه وسيلة لمنح الفلسطينيين حقهم بدولة وتقرير مصير، ما يجفف بؤر التوتر في المنطقة.

وبما أن أجندة رأس المحور تتناقض مع مثل هذا الطرح، كونه يسلبها ورقة من أوراق تبتز المجتمع الدولي بها، وبما أن الحكومة والجيش في إسرائيل منيا بضربة قاتلة جراء “طوفان الأقصى”، لا عجب إذا ما كان سلوك طرفي النزاع هو استخدام أعراس الموت، كل حسب إمكاناته وحجم الدعم الذي يتلقاه، وكل وفق ظروف من يدعمه ويحدد له خطوطه الحمراء، ودائما على حساب الأبرياء الذين يموتون حتى تنضج الصفقات وفق مصالح أصحاب المصالح..