وليد حسين

الأثنين ٧ آب ٢٠٢٣ - 17:17

المصدر: المدن

55 مليون دولار لمعالجة تلوث المياه تتبخّر على المستشارين

حتى شهر آذار العام 2020، ورغم مرور نحو أربع سنوات على مشروع الحد من تلوث نهر الليطاني وبحيرة القرعون، لم يكن قد نفذ من المشروع سوى إنشاء 4 بالمئة من شبكات الصرف الصحي المقررة (18 كلم من أصل 441 كلم). ولم ينفق سوى 6.3 بالمئة من الميزانية المتعلقة ببناء شبكات الصرف الصحي. ولم يتم وصل سوى 1.8 بالمئة من المنازل على شبكة الصرف الصحي، وفق تقرير “المراجعة النصف مرحلية للمشروع” التي قام بها فريق من البنك الدولي للمشروع الممول بقرض بقيمة 55 مليون دولار.

هدر المال العام
كان يفترض أن ينتهي المشروع، الذي بدأ تنفيذه في العام 2016، في حزيران العام 2023. لكن منذ تقرير فريق البنك الدولي في العام 2020، وإلى اليوم، لم يتم سوى عقد اجتماعات ولقاءات، على امتداد ثلاث سنوات، فيما التلوث ينهش الليطاني والبحيرة.

وفق عشرات الوثائق التي اطلعت عليها “المدن” حول هذا المشروع ومشاريع مكافحة التلوث في نهر الليطاني، يتبين أن الدولة اللبنانية خصصت اعتماداً بقيمة 1100 مليار ليرة لبنانية لتنفيذ مشاريع مكافحة التلوث في منطقة حوض نهر الليطاني، تضاف إلى القرض الآنف الذكر. لكن النتيجة التي حصدها اللبنانيون هي انقلاب الأمور من “إنقاذ النهر ورفع التلوث إلى واقع مغاير يوازي هدر المال العام، نتيجة التأخر بتنفيذ مشاريع الصرف الصحي ومحطات التكرير من قبل الجهات المسؤولة عنها… ما هدد صحة الناس وأدى الى انتشار الأوبئة”، كما جاء في الكتب الكثيرة التي أرسلتها مصلحة الليطاني إلى جهات رسمية عدة، من مجلس الإنماء والإعمار ووزارة الطاقة إلى ديوان المحاسبة فالنيابة العامة المالية وغيرها من الجهات.

انفاق أموال القرض على المستشارين
أما القرض الدولي، الآنف الذكر، بقيمة 55 مليون دولار، فصرف عملياً على عقود المستشارين الكثر الذين تعاقد معهم مجلس الإنماء والإعمار، لصالح، وبطلب، من وزارة الطاقة والمياه. هذا رغم أن القرض، الذي يسدده اللبنانيون جميعاً، كان مخصصاً لتنفيذ المشاريع التي تقيهم شرّ تلوث المياه. بمعنى أوضح، تكشف الوثائق أن الجزء الأساسي من القرض، أي 90 بالمئة منه، يفترض أن تنفق على بناء شبكات مياه صرف صحي ووصلها بمحطات التكرير. والعشرة بالمئة المتبقية مخصصة لإجراء دراسات حول النفايات الصلبة وغيرها. لكن انتهى القرض بعد سبع سنوات بتنفيذ أقل من سبعة بالمئة من شبكات الصرف الصحي. أي تم هدر ملايين الدولارات على عقود المستشارين من دون تنفيذ المشروع على الأرض.

ورغم ذلك طلب وزير الطاقة وليد فياض برسالة بتاريخ 11 نيسان من المدير الإقليمي لدائرة الشرق الأوسط في البنك الدولي جان كريستوف كاريه تمديد مدة القرض لغاية 31 كانون الأول المقبل. وسبقه مجلس الانماء والإعمار بإرسال كتاب حمل الرقم 2341/1 طلب فيه من وزير المالية يوسف الخليل مراسلة البنك الدولي لتمديد مهلة إقفال القرض (IBRA Loan8637-LB) لمشروع الحد من تلوث بحيرة القرعون لغاية 31 كانون الأول 2024. بمعنى آخر، في ظل بقاء الأمور على ما هي عليه، يريد بعضهم إنفاق ما تبقى من أموال القرض على عقود المستشارين الذين جددت عقودهم خلافاً لقانون الشراء العام مؤخراً، حسب مصادر مطلعة لـ”المدن”.

وقف عقود بعض المستشارين
أما قضية الهدر بعقود المستشارين فقديمة كما تظهر الوثائق التي أطلعت عليها “المدن”. فالضغوط التي مورست كانت نتيجتها عدم تجديد عقود بعض المستشارين بطلب من مجلس إدارة مياه البقاع وبكتب رسمية خاطب بها وزير الطاقة الأسبق ريمون غجر مجلس الإنماء والإعمار في آذار العام 2021. لكن عدم تجديد العقود شمل مياه البقاع، أما ممثلة وزير الطاقة ومستشارو وزارة الطاقة وغيرهم، فما زالت عقودهم قائمة. وعلى رأس المستشارين يبزر اسم سعاد الحويك (المعروفة باسم سوزي الحويك) أخت مستشارة حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة ماريان الحويك، التي عينت في عهد وزير الطاقة الأسبق سيزار أبي خليل.

ووفق العقد الموقع مع مجلس الإنماء والإعمار بتاريخ 19 تشرين الأول 2019، تتقاضى الحويك من القرض (8637-LB) 6250 دولاراً شهرياً. وإضافة إلى هذا العقد، فهي مكلفة بمتابعة كل المشاريع والملفات مع الجهات المانحة. وما يقال في وزارة الطاقة حول مستشارة الوزراء، بعد حقبة الوزير أبي خليل، ليس مجرد “ضيق عين” أو حسد موظف أو مدير قسم في الوزارة، بات راتبه الشهري أقل من مئتي دولار، مقابل مستشار يتقاضى من مشروع واحد أكثر من ستة الآف دولار. بل الشكوى هي من السيطرة على كل مفاصل وزارة الطاقة من المستشارين المعينين من التيار الوطني الحر، والذين يُفرضون على كل الوزراء المتعاقبين. فإلى تسلمها صفة مستشارة حول مكافحة تلوث المياه التي تصب في نهر الليطاني وبحيرة القرعون، الحويك مكلفة بإدارة ملفات المشاريع مع اليونيسف ومع جهات ألمانية حول ملف المياه في لبنان.

الخردة والألمونيوم
وقد طال نشاط الحويك في وزارة الطاقة التخلص من أطنان الردميات التي نتجت عن إعادة ترميم مبنى مؤسسة كهرباء لبنان في الجميزة، بعد انفجار مرفأ بيروت. ومن بين الردميات أكثر من طن من الألمونيوم الذي تضرر بعصف الانفجار. فالمؤسسة بمبناها الضخم كانت كلها زجاجية بإطارات من الألمونيوم، تم استبدلها بتمويل من جهات مانحة عدة، ساهمت بإعادة الإعمار. ولم تقدم المؤسسة أو وزارة الطاقة على إجراء مزايدة لبيع الألومينيوم والخردة التي نتجت، بل تم التخلص منها، كما قالت مصادر مطلعة في الوزارة.

عقود مخالفة للقانون
أما الطامة الكبرى فتبقى حول تجديد عقد الحويك ومستشارين آخرين في مشروع قرض البنك الدولي. فبعد صدور قانون الشراء العام ودخوله حيز التنفيذ في تموز من العام 2022، يفترض أن تمر العقود الاستشارية على هيئة الشراء العام. لكن لم تلتزم وزارة الطاقة ومجلس الإنماء والإعمار بمقتضيات القانون وجددت عقود المستشارين. هذا رغم أنه بحسب وثيقة اطلعت عليها “المدن”، يتبين أنه بتاريخ 29 حزيران 2023 أرسل رئيس مصلحة الليطاني سامي علوية كتاباً إلى مجلس الانماء والاعمار يطلب فيه تطبيق قانون الشراء العام على اتفاقية قرض البنك الدولي للإنشاء والتعمير بما فيها تجديد عقود الاستشاريين. وعلل السبب الحرص على حسن تطبيق القوانين والمصلحة العامة ولرفع مسؤولية مصلحة الليطاني بهذا الشأن. وراسل هيئة الشراء العام بهذا الأمر أيضاً.

ووفق معلومات “المدن” تلقت هيئة الشراء العام الكتب المرفوعة بهذا الشأن. وقد راسلت الهيئة مجلس الإنماء والإعمار. لكن إلى حد كتابة هذا التقرير لم تتلق الهيئة أي جواب حول هذه القضية بعد.
increase
حجم الخط
decrease

المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها