د. تراز منصور

الخميس ٢٩ حزيران ٢٠٢٣ - 08:43

المصدر: صوت لبنان

الإعلام الإلكتروني منصات وأنماط مختلقة تغيّر المشهد ومحتوى ملكيته الفكرية مهدّدة

إنها “ثورة الإنفوميديا”، تتجسّد في الدمج بين وسائل الإعلام والاتصال، وتنشئ الإعلام الإلكتروني الذي بات محور الحياة المعاصرة، ويحتوي قضايا الفكر والثقافة والسياسة والاقتصاد والمجتمع.

إنّها “ثقافة التكنولوجيا” التي تُسهم في تزايد مستخدمي الإنترنت في العالم بشكل مستمر في ظل نشأة الإعلام الإلكتروني، الذي نما بطريقة عشوائية، إثر تطور مراحل الشبكة المعلوماتية العالمية (الإنترنت).

فالإعلام الإلكتروني لم يكن نتاج تطوير أو تهميش للإعلام التقليدي، بل هو نموذج إعلامي مغاير، هو وسيلة إعلامية احتوت كل ما سبقها من وسائل الاعلام، من خلال انتشار المواقع والمدونات الإلكترونية وظهور الصحف والمجلات والتلفزيونات والإذاعات الالكترونية التي تصدر عبر الانترنت. أفرز هذا الدمج قوالب إعلامية متنوّعة الأنماط والتداخل في ما بينها، بما لا يمكن حصره أو التنبّؤ بإمكانياته ومستقبله أو حتى بالتحديات التي سيواجهها.

الأكيد، أنّ الإعلام الرقمي قد دخل في عمق تنفيذ السياسات الخارجية للدول، فأضحى هذا الإعلام لاعبًا جديدًا لا يمكن تجاهل تأثيراته بحكم إنتشار شبكات التواصل الإجتماعي ومنتديات الحوار الإلكتروني وغيرها من أنواع الإعلام الإلكتروني الجديد

ومع تطوّر وسائل التواصل بفضل الإنترنت والسوشيال ميديا بشكل خاص، أصبح تأثير العالم الرقمي أكثر وأقوى وأشدّ فاعلية. لقد منحت وسائل التواصل الإلكترونية شعوب العالم قوة جبارة في إسهامها بتشكيل الرأي العام. ويظهر المجال العام للوجود من خلال “نظرية المجال العام” للعالم هابرماس، التي أشارت إلى قدرة التجمعات البشرية في تشكيل الرأي العام، أثناء مناقشتهم للقضايا الإعلامية، الاقتصادية، السياسية، الاجتماعية والثقافية… المشتركة

ويتأسس هذا النوع من النقاش على فكرة التفاعلية التي تفوّق بها الإنترنت على وسائل الاعلام التقليدية. فالإنترنت دعّم مفهوم دمقرطة وسائل الإنتاج الإعلامي ويَسّر فكرة المشاركة بين مجموعة من الأفراد في مساحة تتيح لهم تبادل الرأي والمعلومات حول القضايا الخلافية وتقرّب وجهات النظر في ما بينهم، واشتددت وتيرة تدفقات المعلومات في عصر تكنولوجيا المعلومات واقتصاد المعرفة.

وظهرت في موازاة ذلك منصّات الإعلام الإلكترونية والتلفزيون الستريمنغStreaming  التي بدأت تتنافس مع التلفزيونات التقليدية في عدة مجالات. فجذبت هذه المنصات المشاهدين ولا سيما الشباب منهم منذ نحو عقد من الزمن، بإنتاجها وبثّ محتواها الترفيهي، بواسطة تقنية التدفّق عبر الإنترنت، مسيطرة على سوق الإعلانات، وإبرام الاتفاقيات مع شركات الإنتاج وصولاً إلى الإنتاج الخاص. ومن أبرز هذه المنصّات نتفليكس Netflix وأمازونAmazon  وهولو Hulu.

لم يكن يخطر ببالنا قبل عقد ونيّف من الزمان، أنّه لن يكون لدينا تلفزيون أو راديو في المنزل. وها نحن اليوم أمام واقع بث البرامج التلفزيونية والأفلام عبر التطبيقات الموجودة على Fire Stick  والاستماع إلى الموسيقى على Spotify و Apple Music وSiriusXM و Netflix التي هي من أشهر منصات الستريمنغ في العالم على الإطلاق.

أسهمت تقنيات الإنترنت في تغيير مفهوم الترفيه المنزلي التقليدي. وبات من المؤكّد أنّ تلفزيون الإنترنت سيلعب دورًا رئيسًا في مجال الإعلام المرئي وسينقله لنسخة أكثر عصرية وتفاعلية مع المشاهدين، عبر توفير إمكانية بثّ ومشاهدة المواد التلفزيونية عبر الإنترنت، سواء كانت هذه البرامج مسجّلة أو مباشرة، وذلك باستخدام بروتوكول الإنترنت“IP” عبر شبكات الكمبيوتر، من دون الاستعانة بالأقمار الصناعية، أو طرق البثّ التقليدية. وهذا ما دفع عدّة قنوات تلفزيونية إلى بثّ برامجها عبر مواقعها الإلكترونية بطريقة مجانية.

البثّ التلفزيوني “Streaming television”، هو التوزيع الرقمي لمحتوى التلفزيون كالبرامج ونشرات الأخبار والفيديو التي يتمّ وضعها عبر الإنترنت، ويتعارض هذا البثّ مع أنظمة التلفزيون الأرضي المخصّصة التي تقدّمها أنظمة عبر الأثير والتلفزيون الكابلي أو التلفزيون الفضائي.

للبّث التلفزيوني عبر الإنترنت عدّة مزايا يمكن تلخيصها بثلاثة أنواع:

– النوع الأول: المشاهدة المباشرة “online TV” عبر تطبيقات أو مواقع متخصصة توفر هذه الخدمة.

– النوع الثاني: مشاهدة البرامج المسجّلة أو ما يُعرف بـ“Catch up TV” ، وذلك بعد موعد بثّها الأساسي عبر مواقع إلكترونية متخصّصة.

-النوع الثالث هو خدمة المشاهدة حسب الطلب “Video on Demand” وهي إحدى الخدمات التفاعلية، وغالبًا ما تُقدَّم مقابل رسوم مالية واشتراكات شهرية، وتتيح للمستخدمين مشاهدة الأفلام والبرامج التلفزيونية والمباريات الحصرية.

ولكن مقابل ما تقدّمنا به، تحدّيات كبيرة أمام هذه المواقع والمنصات أبرزها حماية الملكية الفكرية لمحتواها. إن مفهوم الملكية الفكرية لم يعد ذاته بعد ثورة تكنولوجيا المعلومات والتقنيات، لا بل تحوّل العالم الى قرية إلكترونية تتخطى العقبات الزمنية والحدود الجغرافية والأنظمة السياسية، ممّا أعطى للملكية الفكرية مفهومًا جديدًا. فلم تعد المؤلفات مقتصرة على الكتب الورقية، بل انتشرت المعلومات عبر الإنترنت بواسطة التقنيات الإلكترونية وعبر المنصات الإلكترونية وشبكات التواصل الإجتماعي، وانتشار ما يُعرف بالبيئة الرقمية بدلاً من البيئة الورقية.

كل ذلك فرض شروطًا خاصة للاعتراف بالمؤلفات الإلكترونية الرقمية التي تتضمن الابتكار الذهني وضرورة توفير الحماية اللازمة لها ومنع تعرضها لقرصنة المعلومات الإلكترونية التي تعتبر جريمة عابرة للحدود…

وقد أشار قانون حماية الملكية الأدبية والفنية اللبناني رقم 75/99 تاريخ 3/4/1999 الى وجوب توفير الحماية القانونية للحقوق المتعلقة بالمؤلفات المعلوماتية والإلكترونية، إذ تشمل الحماية برامج الحاسب الآلي (Computer Programs) الذي يُعتبر مجموعة من الأوامر المعبَّر عنها بكلمات أو برموز أو بأي شكل آخر يمكن للحاسب أو يقرأها لتأدية أو لتنفيذ مهمة معينة أو لاعطاء نتيجة محددة.

كما أنّ قانون المعاملات الإلكترونية والبيانات ذات الطابع الشخصي رقم 81/2018 أعطى الكتابة والتوقيع الإلكتروني ذات المفاعيل القانونية التي تتمتع بها الكتابة والتوقيع على دعامة ورقية أو أي دعامة من نوع آخر، شرط أن يكون مُمكنًا تحديد الشخص الصادرة عنه، وأن تنظم وتحفظ بطريقة تضمن سلامتها. مع وجوب تطبيق القوانين عليها بما يتلاءم مع طبيعتها الإلكترونية….

فالعصر الحالي يعدّ بحق عصر الإعلام الإلكتروني، إعلام المستقبل الذي يحدّد توجهاتنا، صناعتنا الإعلامية، وفكرنا وطموحاتنا.

المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها