المصدر: صوت لبنان
الشيعة والطوائف الأخرى علاقة قبول ام رفض؟
عبّرت صديقتي عن تأثرها، إثر قراءتها لمقالتي عن الاسباب التي تمنع الشيعة من التخلي عن حزب الله وسلاحه. شعرت بالحزن لأن طائفتها ايضا مرت بحالة مماثلة، مع وجود فروقات عدة بالطبع. وتمنت عليّ بالمناسبة ان اكتب “ان الطوائف الاخرى لا تريد محاسبة الشيعة ولا عزلهم، بل المضي معاً نحو السلام الداخلي والسعي للبنان دولة عادلة وفاعلة للجميع. والمطلوب من الشيعة عدم التقوقع بل مد الجسور والبناء على العاطفة والاحتضان اللذان تجليا في الحرب. فخلاف اللبنانيين مع الحزب وليس مع الشيعة”.
ورسالة صديقتي التي تعبّر عن الشعور الانساني والوطني لمن يريد ان يبني وطناً، تجعلني ملزمة بنقاش وضعية الشيعة في الدولة اللبنانية ومع باقي الطوائف.
يجب التذكير في البداية ان اللبنانيين، خارج البيئة الشيعية، عانوا وما زالوا يعانون من خطف الدولة لمصلحة مشاريع لا تمثلهم. ومع ذلك برهنت الحرب وما تلاها، أن اليد ممدودة لكل شيعي يشعر بالألم والرغبة في التغيير، والهدف ليس محاسبته بل احتضانه شريكاً في بناء الدولة العادلة. ذلك لأنهم مرّوا هم انفسهم بمثل ما يمرون به، ولا يريدون خوض غمار حروب اضافية. أن الانفتاح هو الطريق الوحيد لكسر الدوامة الطائفية التي يستغلها الزعماء. لا أحد يطالب البيئة الشيعية بالتخلي عن كرامتها أو ذاكرتها أو معاناتها، بل أن تتحرر من اختطافها لمصلحة مشروع لا يخدمها ولا يخدم لبنان.
من المهم أيضاً ان نشير الى ممارسات حزب الله، وما نتج عن هيمنته على الدولة، وما تسبب به من معاناة اللبنانيين، قبل الحرب الأخيرة:
من الاعتصام في وسط بيروت، بعد اغتيال الحريري وحرب 2006 ، (2006- 2008)، الى أحداث 7 أيار 2008. ثم مرحلة التدخل في الحرب السورية (2012)، وصولاً الى تشكيل خط دفاع اول عن السلطات الحاكمة والفساد 2019.
الأمر الثاني الذي يجب ان نذكره، ان اللبنانيين نظروا دائماً الى المعارضة الشيعية، والى بروز حركة اصلاحية شيعية، كنافذة أمل. كما تابعوا باهتمام بروز المعارضة في البقاع وبعلبك-الهرمل. كما اهتم الاعلام اللبناني بإظهار أصوات ثقافية وإعلامية من أوساط شيعية.
اضافة الى ان هناك الكثير مما يجمع اللبنانيين:
المعاناة الاقتصادية: يعاني اللبنانيون من انهيار اقتصادي غير مسبوق، مما يجعلهم يتشاركون في الهموم اليومية، بغض النظر عن الانتماءات الطائفية.
الرغبة في دولة عادلة: تتزايد الدعوات لبناء دولة مدنية تحترم حقوق جميع المواطنين، بعيدًا عن المحاصصة الطائفية.
التجارب المشتركة: الأزمات المتتالية، من انهيار الوضع المالي والاقتصادي الى انفجار مرفأ بيروت إلى جائحة كورونا، أظهرت أهمية التضامن والتكاتف بين اللبنانيين.
ورغم التحديات، برزت أمثلة على التعاون الوطني ومبادرات تُظهر إمكانية التعاون بين مختلف الطوائف:
المبادرات المدنية: تأسست جمعيات ومنظمات غير حكومية تعمل على تقديم الدعم للمحتاجين، بغض النظر عن انتماءاتهم، مما يعزز الروابط الاجتماعية.
التحركات الشعبية (2019): شهدت الساحات اللبنانية تظاهرات جمعت اللبنانيين من مختلف الطوائف، مطالبين بإصلاحات شاملة.
التعاون الإعلامي والثقافي: ظهرت منصات إعلامية وثقافية تسعى لتعزيز الحوار بين مختلف مكونات المجتمع اللبناني.
من هنا يبرز السؤال: هل خوف الشيعة من الطوائف الاخرى مبرر؟ الجواب ان لا خوف على الشيعة: لبنان كله كان، ولا يزال، سندًا لهم بعيدًا عن السلاح.
فعلى امتداد العقود الماضية، كانت الطوائف اللبنانية تتعامل مع الطائفة الشيعية بوصفها جزءاً أصيلاً ومكوناً أساسياً من النسيج الوطني، ولم تنظر إليها نظرة عدائية، حتى في أحلك الظروف. بل على العكس، دعمت الطوائف الأخرى المطالب المحقة للشيعة، سواء تعلق الأمر بالإنماء المتوازن، أو بالمشاركة السياسية العادلة.
من الأمثلة
اتفاق الطائف (1989):
رغم أن الطائف عدّل من صلاحيات الطائفة المارونية المطلقة، ووسّع صلاحيات مجلس الوزراء مجتمعاً، إلا أن الطوائف الأخرى، بما فيها المسيحية والسنية، وافقت على تعزيز دور الشيعة عبر انتخاب أول رئيس مجلس نواب دائم من الطائفة الشيعية (الدائم نبيه بري)، ما عزز الحضور الشيعي السياسي.
دعم المقاومة قبل 2000 و 2006:
في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، حظيت مقاومة حزب الله بتأييد واسع عابر للطوائف. لم تكن الحرب مع إسرائيل معركة الشيعة وحدهم، بل كان هناك شبه إجماع وطني على أحقية المقاومة، وقدمت الطوائف الأخرى كل أشكال الدعم السياسي والشعبي، مع انها منعت من المشاركة.
رد فعل الطوائف بعد حرب تموز 2006:
رغم الخراب الكبير الذي أصاب لبنان بسبب الحرب، سارعت بقية المناطق والطوائف (خاصة المناطق المسيحية والسنية) إلى استقبال النازحين من الجنوب بالترحاب، وفتح بيوتهم ومدارسهم لهم، تعبيرًا عن التضامن الوطني العميق.
انتفاضة 17 تشرين (2019):
حين خرج آلاف اللبنانيين إلى الشارع، لم يقبلوا رفع شعارات ضد الحزب، مع ان مسؤوليه وقفوا ضد الانتفاضة وواجهوها بالعنف. أصرّوا على مواجهة الطبقة السياسية بأسرها، بما فيها زعماء السنة والموارنة والشيعة. وقد رفع كثير من الناشطين شعارات تطالب بإنصاف جميع اللبنانيين بدون تمييز.
التضامن مع المعارضة الشيعية:
حين برزت شخصيات معارضة داخل البيئة الشيعية مثل لقمان سليم، وغيره، حظوا بدعم واضح من ناشطين من كل الطوائف، في مشهدية وطنية أكدت أن السند الحقيقي ليس سلاحاً بل وحدة وطنية متماسكة.
الخلاصة:
الدولة اللبنانية، رغم نظامها الطائفي غير العادل، وأُعطت للشيعة دور رسمي عبر تخصيص رئاسة مجلس النواب لهم، وهو موقع دستوري بالغ الأهمية. وهو أول اعتراف بمكانة ودور لهم داخل الكيان السياسي والديني، بعد قرون من الاضطهاد العثماني.
ان مستقبل الشيعة اليوم في تعزيز الدولة، لا في ضربها أو تجاوزها بالسلاح أو الدويلة.
لا داعي لأن يخاف الشيعة من أن نزع سلاح حزب الله سيؤدي إلى تهميشهم أو إضعافهم.
ما يهدد الشيعة اليوم ليس فقدان السلاح، بل استمرار العزلة التي فرضها هذا السلاح عليهم، وجرّهم إلى صراعات هم بغنى عنها.
لبنان بحاجة إلى شيعة أقوياء بشراكتهم مع إخوانهم المسيحيين والسنة والدروز، لا لشيء آخر.
الوحدة الوطنية الحقيقية ستكون السند الأكبر، وهي التي تحمي الجميع بلا استثناء.
المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها