المصدر: الدستور
خسوف الهلال الإيراني
لا يختلف اثنان على أن إيران فقدت الكثير مما حققته خلال العقود الثلاث الماضية، فمع سقوط النظام السوري فقدت التواصل البري مع رأس حربتها في المنطقة حزب الله، وبذلك تكون خسرت الورقة الأهم في المنطقة، والتي استثمرت فيها الكثير من التسليح والتمويل.
ما تعرض له الحزب خلال الحرب مع إسرائيل، ورغم حالة الضعف التي بات يعاني منها بعد تصفية قيادات الصف الأول والثاني كان من الممكن لإيران تداركها عبر عملية إعادة هيكلة شاملة وإحلال منظومة تسليحية جديدة، لولا انهيار النظام السوري، الذي أدى سقوطه إلى فقدان قاعدة لوجستية مهمة، وانقطاع أي تواصل جغرافي بين إيران وحزب الله، الذي بات محاصراً بشكل كلي، وبالتالي خسرت إيران أهم قاعدة عسكرية في لبنان وأهم قاعدة لوجستية في سوريا.
أما بخصوص العراق واليمن، فإذا ما نظرنا للمشهد العراقي، فهناك حالة قلق شديد من توجيه ضربات قوية للحشد الشعبي، ولعل الرسائل التي وجّهتها الولايات المتحدة لمنع تدخله في سوريا كفيلة برفع منسوب هذا القلق، فالمطلوب اليوم إما الرضوخ والقبول بسياسة الاحتواء ضمن الدولة العراقية وإما توقع ضربات نوعية ينتهي معها خطر الحشد والجماعات الموالية لإيران.
وعلى صعيد اليمن، فالجغرافيا لوحدها كفيلة بتقليص أي دور لهم في المنطقة، ناهيك عن أن المجتمع الدولي لن يقبل بأي حال من الأحوال استمرار تهديدهم لممرات الملاحة الدولية، فضلاً عن انكشافهم تماماً بعد حالة الضعف التي تمر فيها إيران، وحزب الله، وخسارة سوريا.
هذه المعطيات، يضاف إليها معطيات عسكرية تتعلق بالمجال السوري الذي بات مفتوحاً تماماً أمام الطيران الإسرائيلي، وخسارة طهران لمنظوماتها الدفاعية، وحالة التراجع الروسي لكون موسكو اليوم منشغلة بحربها في أوكرانيا، وسعيها لعقد صفقة من الإدارة الأمريكية الجديدة، وحذر الصين من الحرب التجارية التي ستقودها واشنطن ضد بكين.
فقدان طهران لأذرعها الإقليمية يعني بالضرورة حشرها في الزاوية، بلا أية أوراق إقليمية تساوم عليها، وهنا مربط الفرس، فنظام ولاية الفقيه منذ قيامه وهو يهرب من أزماته الداخلية عبر سردية المقاومة وتصدير الثورة، أما في هذه المرحلة فعليه مواجهة خطرين رئيسيين الأول يتمثل في الغضب الشعبي الناتج عن الإحباط والأوضاع الاقتصادية المتردية، والثاني نزق الحرس الثوري الذي تعرض لضربات عنيفة، مما قد يؤدي إلى أطماع بالحكم، بشكل تتصدع معه أهم ركيزة داعمة للمرشد الأعلى.
المشهد الداخلي في إيران لن يكون بعيداً عن واشنطن وإسرائيل، فكلاهما ستعملان على خنق النظام ودعم أي تحرك داخلي، بشرط أن يكون قادراً على زعزعة ركائز النظام، ومن ثم السماح لجهة ما بالانقضاض عليه، وفي كلا الحالتين نجح مثل هذا السيناريو أم لا، فالنتيجة واحدة وهي ضعف النظام وانكفائه على الداخل.
ورغم ذلك، إلا أن إيران قد تلجأ لسياسة انتحارية، تتمثل في دعم مكونات سورية من النظام السابق، خاصة وأن قيادات الصف الأول جميعها ما زالت طليقة، ولا أحد يعرف تماماً مدى قبولها للأمر الواقع، بحيث تقوم طهران بخلط الأوراق وإدخال المنطقة إلى حالة من الفوضى الكاملة، وتحويل الحرب إلى حرب مليشيات وجماعات متشددة، وهذه السياسة الانتحارية رغم أنها ممكنة إلا أنها قد تؤدي إلى حرب مباشرة أمريكية إسرائيلية على إيران، علاوة على الدور التركي الذي لن يقبل بأي حال من الأحوال التنازل عما حققه في سوريا.
بالمحصلة، تمر المنطقة بمرحلة عصيبة ستعيد تشكيل توازناتها الإقليمية. وعلى الرغم من صعوبة التنبؤ بالنتائج، يبقى المؤكد أن الدور الإيراني لن يعود إلى سابق عهده، بل قد يواجه النظام في طهران ضربات تعيد صياغته بالكامل. ومع ذلك، تظل السيناريوهات مفتوحة، في انتظار تطورات قد تحمل مفاجآت كبرى.
المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها