كارين اليان ضاهر

الجمعة ١٨ تشرين الأول ٢٠٢٤ - 10:42

المصدر: Independent عربية

في مراكز الإيواء في لبنان أمراض ظهرت وأخرى متوقعة… ما سبل المواجهة؟

القمل والجرب والكوليرا من أول الأمراض التي ظهرت بسبب ظروف الحرب والنزوح. كيف يستعد لبنان لمواجهة أخطار الأوبئة والأمراض حتى لا تتكرر تجربة غزة؟

في ظروف الحروب والأزمات يعتبر انتشار الأمراض والأوبئة أمراً متوقعاً نتيجة تراجع مستويات الخدمات الصحية والاكتظاظ وقلة النظافة. وبنتيجة ظروف الحرب والقصف المتواصل، وُضِع النازحون في ظروف معيشية وصحية صعبة مما جعلهم أكثر عرضة للإصابة بأمراض وأوبئة يمكن أن تحقق انتشاراً واسعاً بينهم. وبالنظر إلى تجربة الحرب في غزة بعد مرور عام على بدايتها، من المتوقع أن يؤدي تدهور الحالة الصحية وتردي الخدمات وقلة النظافة وعدم توافر المياه النظيفة والغذاء إلى انتشار أمراض معدية عدة، خصوصاً في ظل الاكتظاظ الحاصل وعدم توافر العلاجات اللازمة في مراكز الإيواء التي تجمع قرابة مليونين ونصف المليون نازح. وبعدما حذرت منظمة الصحة العالمية من خطر تفشي الأمراض في لبنان بسبب ظروف التكدس في مراكز الإيواء، ها هي تطلق تحذيراً جديداً من خطر تفشي وباء الكوليرا في البلاد بين النازحين، بعد تسجيل إصابة أولى ببكتيريا الكوليرا في شمال لبنان، مشيرة إلى أن خطر تفشي الكوليرا “مرتفع جداً” في ظل الظروف الحالية. وفي حال عدم اتخاذ الإجراءات اللازمة والتدخل بصورة فاعلة، تشكل مراكز الإيواء بؤراً لانتشار الأمراض والأوبئة، مما يهدد بتكرار تجربة قطاع غزة، حيث سُجل ارتفاع في معدلات الإصابة بأمراض عدة، منها شلل الأطفال الذي عاود الظهور بعد أن كان من الممكن القضاء عليه من سنوات. لذلك، هناك إجراءات وقائية عدة يجب أن تُتخذ في سبيل التصدي لهذا الواقع، خصوصاً مع ظهور أول التحديات الصحية وارتفاع معدلات الإصابة بالجرب والقمل والسيبان في مراكز الإيواء.

أمراض بدأت تسجل بين النازحين

صحيح أن النزوح كان متوقعاً، وكانت الحكومة قد وضعت خطط طوارئ منذ أشهر عدة استعداداً لما يمكن أن يحصل في حال توسعت رقعة الحرب. لكن ما لم يكن في الحسبان هو أن يحصل نزوح بهذا الحجم والسرعة. وهو ما تؤكده مستشارة وزير الصحة العامة، نادين هلال، قائلة إن “وزارة الصحة العامة وكل الجهات المسؤولة لم تتوقع هذا العدد الكبير من النازحين دفعة واحدة. وفي مثل هذه الحالات، من الطبيعي أن يزيد خطر انتشار الأمراض المعدية، وعلى رأسها التسمم الغذائي والكوليرا، الذي يُعتبر لبنان أصلاً عرضة لانتشاره كوباء بعدما سُجلت حالات في العام الماضي في مجتمعات معينة، وتم التعامل معها. وبالفعل، سُجلت الآن أول حالة كوليرا. ويُعد الكوليرا من الأمراض التي يزيد احتمال انتشارها في ظروف مماثلة، عندما تكون البيئة غير مهيأة لتجنبها بسبب عدم توافر المياه النظيفة، وشروط النظافة الشخصية. وفي مقابل كثرة المساعدات في إطار المبادرات الفردية، ليس هناك تدقيق ولا معرفة بطرق الحفظ السليم للغذاء، مما يجعله عرضة للتلف وتعرض من يتناوله للتسمم الغذائي. لذلك من المتوقع أن تزيد مثل هذه الأمراض بمعدلات مرتفعة، وتنتشر تلك المعدية بنسبة عالية في ظروف الاكتظاظ”.

بالفعل، بدأ القطاع الصحي بمواجهة تحديات كبرى مع انتشار أمراض جلدية معينة تفشت سريعاً بمعدلات عالية في ظل ظروف النزوح، وعلى رأسها القمل والسيبان والجرب، فارتفعت معدلات الإصابة بها إلى حد كبير في مراكز عدة للإيواء. فالحالات كثيرة، وهي تنتقل بالعدوى بنسبة عالية. لذلك تم توزيع أدوية في المراكز للحد من الانتشار ولمعالجة المرضى في ظل هذا الاكتظاظ والظروف الصعبة التي يعيش فيها النازحون حيث لا تتوافر وسائل الحفاظ على النظافة الشخصية لتجنب مثل هذه الأمراض.
من جهة أخرى، يعاني كثير من النازحين أمراضاً مزمنة، وفي مثل الظروف التي يعيشون فيها من المتوقع ألا تكون هذه الأمراض التي يعانونها تحت السيطرة. في مواجهة ذلك، وضعت وزارة الصحة العامة مسؤولاً يتولى الرعاية الصحية وطبيباً وممرضاً، لتقديم الخدمات الصحية اللازمة للنازحين المرضى في مراكز الإيواء بما يشبه العيادة النقالة. كما تتوافر للنازحين كل الأدوية واللقاحات اللازمة مجاناً. علماً أنه في السابق، كانت مراكز الرعاية الصحية الأولية تؤمن هذه الخدمات لقاء بدل مادي رمزي.

وتابعت مستشارة وزير الصحة اللبنانية أنه “بالنسبة إلى الحالات المرضية، هناك متابعة تامة للمرضى، ومنهم مرضى الكلى الذين يستمرون بالخضوع إلى جلسات غسل الكلى مع متابعة في المستشفى. كذلك بالنسبة إلى مرضى السرطان، فيتابعون جلسات العلاج الكيماوي الخاصة بهم في المستشفى بصورة طبيعية. كما قمنا بخطوات استباقية ونقلنا 500 مريض إلى مناطق تؤمَّن لهم فيها الخدمات التي يحتاجون إليها، وساعدنا أكثر من 1000 مريض، وتواصلنا مع المستشفيات لمتابعتهم كرعاية أو استشفاء. هذا، وبالنسبة إلى من كان يدفع نسبة 20 في المئة من فاتورة المستشفى في المستشفيات الرسمية، و50 في المئة في المستشفيات الخاصة، تواصلنا مع المستشفيات الحكومية لتكون التغطية على حساب وزارة الصحة العامة سواء في ما يتعلق بالعناية الفائقة أو الولادات أو في الحالات الطارئة عامة، وليس في الحالات الباردة”.

في الوقاية من الكوليرا

تعتبر الوقاية من الكوليرا من الأولويات في مثل هذه الظروف، خصوصاً بعد تسجيل إصابات سابقة في مجتمعات معينة، وبسبب اعتبار لبنان من الدول المعرضة لهذا الخطر، خصوصاً في مثل هذه الظروف، بحسب منظمة الصحة العالمية. وفي مراكز الإيواء، قد يزيد الخطر أكثر بعد. من هنا أهمية تأمين كل الظروف التي تساعد على الحد من احتمال ظهور المرض وانتشاره، من مياه نظيفة، وسلامة غذاء في أماكن النزوح. لذلك، تشير المستشارة هلال إلى أن “الوزارة حرصت على توزيع اللقاحات في مواجهة وباء الكوليرا قبل اشتداد الأزمة بمعدل 300 ألف جرعة في الأماكن الأكثر عرضة لانتشاره، علماً أنه لدى توزيع اللقاحات في مجتمعات معينة، يمكن تأمين الحماية المجتمعية بما يسمح بتجنب انتقال المرض إلى أماكن أخرى، خصوصاً بوجود عوامل بيئية مساعدة على انتشار الوباء. والتحدي الأكبر للدولة في مواجهة الكوليرا هو صعوبة تأمين اللقاح بسبب الانقطاع العالمي. وعندما أمَّنه لبنان في مرحلة سابقة، حصل ذلك في سرعة قياسية بعد التقدم بطلب. حتى إن التوصيات عُدلت من جرعتين إلى جرعة واحدة بسبب الشح في اللقاحات على مستوى العالم”.

وبصورة عامة تم تكثيف كل حملات التلقيح للوقاية من الأمراض المعدية في القطاع العام في مراكز الرعاية الصحية الأولية، مع التركيز على الفئات الأكثر عرضة للخطر حرصاً على حصولها على اللقاحات اللازمة مثل دور العجزة.
وهناك مساعٍ لتأمين لقاح الإنفلونزا بكميات كبرى لتأمين الحماية في مراكز الإيواء. لكن عامل الوقت يعتبر في غاية الأهمية في مجال مكافحة الإنفلونزا عبر توفير اللقاح بأسرع ما يمكن حتى يوزَّع في الوقت المناسب لدى تأمينه. فهذه اللقاحات تُعتبر أساسية للوقاية من أمراض يُتوقع أن تنتشر بكثرة مع حلول موسمها، خصوصاً في ظروف الاكتظاظ في مراكز الإيواء، خصوصاً أن الكلفة المترتبة عن انتشار هذه الأمراض أعلى بكثير من تلك المطلوبة للوقاية منها. ويبقى توفير هذه اللقاحات تحدياً أساسياً لأن المشكلة ليست دائماً مادية.
وتشير هلال إلى أن “للوزارة برنامج تلقيح ناشطاً منذ سنوات عدة بدعم من الاتحاد الأوروبي”، مؤكدة “أهمية الاستفادة من هذه الفرضة لتلقيح الأطفال الذين تأخرت لقاحاتهم بسبب الأزمة. فيمكن تعزيز حملات التلقيح ونشر الوعي حول أهميته في مراكز الإيواء، للتعويض عن التأخير. وينطبق ذلك على شلل الأطفال. فتعزيز حملات التلقيح للوقاية منه له أهمية قصوى لتجنب ظهوره من جديد كما حصل في غزة، بعد أن كان من الممكن القضاء عليه من عقود”.

المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها