المصدر: اللواء
هل نحن أمام إتّفاق قاهرة جديد؟
اللبنانيون، مواطنون ومجلس وزراء ومجلس نيابي، الذين غيّبوا عن الورقة الأميركية التي حملها الموفد الرئاسي توم باراك إلى لبنان يغيبون مرة أخرى عن ورقة الردود التي صاغتها اللجنة الثلاثية ـــــــ وهي إطار غير دستوري ـــــــــ وسُلِّمت إلى الموفد الأميركي أمس في القصر الرئاسي خلال اجتماعه برئيس الجمهورية جوزاف عون.
يعيدنا التكتم حول مضمون الورقة الأميركية والرد اللبناني عليها إلى اتّفاق القاهرة الذي ورد في البند «15» منه «يبقى هذا الإتّفاق سرياً للغاية، ولا يجوز الإطلاع عليه إلا من قِبل القيادات فقط»، هذا بالإضافة أن من تولى التفاوض بإسم لبنان في حينه ووقّع الإتّفاق في 3 تشرين الثاني /نوفمبر 1969 كان قائد الجيش العماد إميل بستاني وذلك خلافاً للمادة 52 من الدستور ــــــــ قبل تعديلها بموجب وثيقة الوفاق الوطني ــــــــــــ التي «تحصر التفاوض في عقد المعاهدات وإبرامها برئيس الجمهورية الذي يُطلع مجلس النواب عليها حيت تمكّنه من ذلك مصلحة البلاد وسلامة الدولة» .
لقد تناولت أكثر من وسيلة إعلامية مضمون الورقة اللبنانية لجهة اقتصارها على توصيف ما قام به الجيش اللبناني في منطقة جنوب الليطاني والمطالبة بدور أميركي في انسحاب إسرائيل من النقاط التي تحتلها وفي إعادة الإعمار، دون التطرق إلى مسألة نزع سلاح حزب الله والمخيمات الفلسطينية في شمال الليطاني وسائر المناطق اللبنانية. ومن المؤكد أنّ التصعيد الإسرائيلي الذي شهدته مناطق عديدة من الجنوب والبقاع ليل أول من أمس والذي اصطلح على تسميته سياسياً بالأخذ والرد مع السفير باراك حول ورقة الردود اللبنانية، لم يكن سوى في إطار الرد على الورقة اللبنانية ونموذجاً لما يمكن أن تذهب إليه الأمور. وفي هذا السياق، تبقى التعديلات المجهولة التي أُدخلت على الورقة التي سمح به «مقص الرقابة» لحزب الله كما التداعيات السياسية والأمنية المرتقبة عليها جزءاً من مسار تفاوضي مجهول الأفق فرضته معادلة سياسية خلافاً للدستور، وإلا فكيف يُفهم ما قاله رئيس الحكومة نواف سلام بعد اجتماعه بالموفد الأميركي أن الورقة اللبنانية هي رد على الورقة الأميركية وليس أكثر وهي غير ملزمة، لأن أي إطار تنفيذي يجب أن يصدر عن مجلس الوزراء؟؟
لقد حفل المؤتمر الصحفي للسيد باراك بعد لقاء رئيس الجمهورية بالعديد من الرسائل التي تسمح بها مهمته كموفد رئاسي مكلف بنقل الرسائل والحصول على إجابات لبنانية يعود بها الى الرئيس دونالد ترامب. فإلى جانب ما تقتضيه اللياقة الدبلوماسية لجهة توصيف الرد اللبناني بالرد المسؤول للغاية، واعتماد الدبلوماسية لحل الأمور، أجاب باراك على المواضيع التي أثارتها ورقة الردود اللبنانية والتي حاول من صاغها اعتبارها شروطاً ملزمة تسبق نزع السلاح بالتأكيد على مساهمة الرئيس الأمريكي في بناء السلم والإزدهار بلبنان.
لقد نجح باراك في رسم إطار يجسّد الخيارات المتاحة أمام لبنان والإشارة بشكل دقيق وهادئ إلى تداعيات كلّ منها لا سيما المخاطر المترتبة عليها. ففيما يمكن اعتباره رداً على المراهنين على تراجع أميركي أو محاولة أميركية لتدوير الزوايا مع طهران والربط بين ما نتائج الحرب الإسرائيلية الأميركية على إيران ومستقبل حزب الله في لبنان، كان باراك واضحاً في تأكيد الفصل بين لبنان وإيران وعدم إمكانية إسقاط ما حصل في إيران على تطبيق إتّفاق وقف إطلاق النار.
وفي معرض الرد على بعض الطامحين لدور أميركي يعفي الدولة اللبنانية من مسؤولياتها حيال اعتماد تغييرات جذرية لاستعادة سيادتها الوطنية، عبّر الموفد الأميركي عما تأمله واشنطن بالقول:«لا يوجد أي شخص سيتدخل لسحب سلاح حزب الله…. نريد من لبنان التعامل مع حزب الله وليس نحن» ….. لا نملي على لبنان ما يجب عمله بخصوص حزب الله، الحزب مسألة لبنانية بحتة عليكم حلها بأنفسكم، وعلى لبنان أن يتعامل مع حزب الله وليس الولايات المتحدة، متسائلاً هل تعتقدون أن بريطانيا أو أمريكا أو فرنسا ستأتي لحل حزب سياسي كبير في لبنان؟
لقد انطوت مواقف الموفد الأميركي على ما يمكن اعتباره تحذيراً من عدم ربط لبنان بالمتغيرات وضرورة الإلتحاق بالمنطقة. وفي إطار استعراض التغيير الكبير الذي حصل في سوريا أكد باراك «أن الوقت قد حان فالمنطقة تتحرك وكل شيء حولنا يتغير وترامب يقف وراء لبنان»، مضيفاً «نحن لا نتدخل بأكبر أحزابكم السياسية، إن أردتم التغير عليكم ان تغيروا أنفسكم، ….أنّ لبنان سيخسر الكثير إذا تخلف عن التغيير».
ربما لن يتوصل عموم اللبنانين لمعرفة مضمون الورقة اللبنانية، ولكن المخاطر تكمن في ما ستقرأه الإدارة الأميركية في الردود التي حملها باراك الى واشنطن. لقد صاغ المجتمعون في القاهرة في العام 1969 اتفاقية لحماية سلاح إقليمي تحت عنوان «إعادة تنظيم الوجود الفلسطيني في لبنان» أدت إلى أنفجارات لا زال لبنان يعيض تداعياتها، فهل ذهب صائغو ورقة الردود إلى استنساخ «إتّفاق قاهرة جديد» عبر جملة من الإجراءات للإبقاء على سلاح حزب الله تحت مسميّات الاستراتيجية الدفاعية وضرورات سيادة لبنان وسلامته؟
المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها