الثلاثاء ١١ آب ٢٠٢٠ - 12:10

المصدر: اللواء

Boots on the Ground مجدداً…

سقطت حكومة حسان دياب وجرفت معها العهد الكرتوني الذي استولدها بكلّ رموزه وتحالفاته وباطنيته وعناوينه، المنتشرة على طول محور الممانعة من حارة حريك الى طهران، والمنفصلة عن اللبنانيين وطريقة حياتهم. يسجل للعهد الحالي منذ انتخاب العماد ميشال عون رئيساً هذا التسارع المذهل في الإنهيار السياسي والإقتصادي الذي بلغته هذه الجمهورية، وسقوط أجهزة الدولة في فساد عائلي وميليشياوي، الى جانب إنهيار مفهوم الإنتماء الوطني وشرف ممارسة الشأن العام لصالح إنهيار أخلاقي يدافع عنه أركان السلطة بكلّ وقاحة أمام المجتمع المحلي والدولي.
إسقاط الحكومة هو الخطوة الأولى على طريق إسقاط السلطة ووقف الإنهيار المريع للدولة. والجريمة التي ارتُكبت بحق عاصمة لبنان ووجدان المواطنين وأرزاقهم ومستقبلهم هي نتيجة  حتميّة لمسار التنازل عن السيادة، الذي ألقى بثقله على كلّ مظاهر الحوكمة  تسيّباً وفساداً وزبائنية في الإدارة والتعيينات والقضاء. المشهد الوطني الذي قدّمه اللبنانيون الذين سارعوا لنجدة الأحياء المنكوبة وبلسمة الجراح والبحث عن المفقودين وتقديم المنازل لإيواء العائلات وترميم ما يمكن ترميمه، تجاوز كلّ عناوين الإصطفاف والتفرقة التي عاشت عليها الطبقة السياسية وأمعنت في استخدامها، وأظهر أن قيّم التضامن المجتمعي هي أساس الخدمة العامة وليس البيروقراطية المستندة الى زبائنيّة متوحشة.
سقوط الحكومة الأخلاقي الذي عبّرت عنه مسيرتها تقدّم على سقوطها الدستوري. أسقطها إستهتارها المتمادي بمطالب الساحات الثائرة، وأسقطتها فوقيتها الفارغة خلال زيارة لودريان لبيروت، وأسقطها الرئيس إيمانويل ماكرون الذي شكّك بشفافيتها وشهّر بفسادها وأعلن إنفصالها عن شعبها وعن حكومات العالم الحرّ. وقد سدّد لها مؤتمر المانحين الضربة القاضية عندما أعلن ممثلو 30 دولة عربية وأوروبية والولايات المتّحدة عدم ثقتهم بها لإدارة المساعدات الإنسانية، ليطرح من خلال ذلك مسألة الثقة بها لإدارة التحقيق في المتفجرة الزلزال التي دمّرت العاصمة حيث تشتبك الإختراقات الأمنية والسياسية وتفوح من كلّ تفصيل روائح الفساد وإستباحة الأمن الوطني.
ماذا بعد سقوط الحكومة؟
إنّ حجم الخسائر المادية والإقتصادية هو أكبر بكثير من قدرة العهد وحلفائه على النهوض وهو يعني أنّ كلّ مقولات الذهاب شرقاً التي أسّس لها حزب الله كبدائل عن صندوق النقد الدولي ومؤتمر سيدر قد أصبحت في مهب الريح. وقد تكون مساهمة الصين الرمزية، صاحبة ثاني أكبر إقتصاد في العالم،بمبلغ  مليون دولار فقط في مؤتمر المانحين دليلاً قاطعاً على عدم تبنّي الصين لمشروع التوجّه شرقاً وسقوطاً سياسياً للمشروع الممانع برمّته.
ليس من قَبيل الصدفة أن تترافق نداءات الثوار التي تجاوزت كلّ المحرّمات مع تبلوّر مفاجيء لجنوح سياسي لبناني يستعيد المواجهة مع المشروع الإيراني بشكل واضح وإن بنمطٍ مختلف، ويطالب صراحةً بسقوط الحكومة ويلوّح بالخروج من البرلمان. إعلان النوايا العربي والدولي المواكب والمبادر للتحرّك المحلي والذي دعا لإنقاذ لبنان، تجاوز التعبير عنه التقديمات العينيّة والمادية لينهي مرحلة (No Boots on the ground) فتطأ أقدام  الفرق المتخصّصة في مجال البحث والإنقاذ وفي مجال إقتفاء آثار موقع الإنفجار، تجول بين الأنفاق وتجمع العيّنات، ولتصبح مسألة تدويل التحقيق واقعاً يفرض نفسه بقوة الدليل الجنائي، وبما يوحي بوضع حدٍّ للإستباحة الإقليمية للبنان التي رعتها القوى الكبرى على مدى أكثر من ثلاثة عقود. إزاء كل ذلك تهاوت الحكومة، بمكوّناتها المنتميّة لزمن أمني بائد، والتي كان إسقاطها من المحظورات، لتدفن مع ركام أرصفة المرفأ وأهراءات بيروت.
وليس من قَبيل الصدفة أن تسقط الحكومة قُبيل وصول دايفيد هيل الى بيروت، مما يعني أنّ سرديات الحكومة التي صنعها حزب الله والنقاش العقيم حول خطتها الإقتصادية والإصلاحية قد طواه إنفجار بيروت وأخرج هذه الحكومة من جدول الأعمال. زيارة هيل تتزامن مع إجتماع مجلس الأمن بدعوة من المجموعة العربية لمناقشة تفجير مرفأ بيروت وتسبق الإجتماع المخصّص للنظر بالتجديد لقوات اليونيفيل الذي يتجه نحو التعديل الجذري وربما سحب القوات من لبنان. حضور هيل الى بيروت سبقته ثرثرة كثيرة حول تسليم لبناني بترسيم الحدود البحرية وفقاً لخط  «هوف»  كإعلان حسن نوايا لتخفيف الضغط عن حزب الله، ولكن ما توحي به التسريبات الإعلامية أنّ الوضع اللبناني سيُناقش برمّته، بدءاً من مسألة  إنتاج سلطة شفافة ذات مصداقية وحتى إنقاذ الوضع الإقتصادي بالتوازي مع ترسيم الحدود ودائماً بالإنطلاق من مطالب اللبنانيين بالتغيير.
تفجير مرفأ بيروت المروّع يبدو أنّه يسدل الستار على مرحلة مظلمة من تاريخ لبنان، ويؤسّس لتغيير جذري في مستقبل النفوذ في المنطقة. اللبنانيون العازمون على التغيير اتّخذوا قرارهم وجسامة التغيير توحي بارتفاع نسبة المخاطرة، وقد تكون المواجهة المباشرة وعودة (Boots on the Ground) إحدى الخيارات الواقعية.

المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها