منوعات
السبت ١٣ شباط ٢٠٢١ - 17:18

المصدر: MTV

التعليم العالي شُعلة أمل رغم المصاعب

في خضّم الأزمات المتعدّدة الأوجه التي يمرّ بها لبنان في ذكرى مئويّته الأولى، والتي لم يختبر مثلها قسوةً حتى في أعوام الحرب التي مزّقت أوصاله، تقف جامعة سيّدة اللويزة اليوم، إلى جانب مؤسّسات التعليم العالي غير الربحيّة والتي تنطلق من رسالتها، محاولة بشتّى الطرق الإستمرار، والوقوف إلى جانب طلاّبها وأهلهم، كما إلى جانب آلاف العائلات التي تجد في هذه المؤسّسات مورد رزق لها، دون المساومة على مستواها الأكاديميّ المتميّز الّذي تقدّمه لطلاّبها.
تنطلق دعوة جامعة سيّدة اللويزة التربويّة من تراث رهبانيّ وتقليد تربويّ مميّز طبع الرهبانيّة المارونيّة المريميّة من لحظة تأسيسها عام 1695، إذ انطلق رهبانها من حياة جماعيّة ديريّة إلى إنشاء المدارس وتعليم مبادئ اللغات والعلوم، لا سيّما للطبقة غير الميسورة، ليكون العلم متاحاً للجميع. وجاءت جامعة سيّدة اللويزة لتكمل على مستوى التعليم العالي ما بدأته على مستوى المدراس، معتمدة نظام التعليم الأميركيّ، لتتيح لكلّ طالب إمكانيّة الولوج إلى التعلّم المتميّز، بصرف النظر عن وضعه الإجتماعيّ، ليبقى العلم متاحاً للجميع.
ها نحن اليوم، مرّة جديدة يشتدّ الخناق على الرقاب وحصّة مؤسسات التعليم العالي كبيرة. وما أن بدأت ملامح الأزمة الإقتصاديّة تلوح منذ ثلاث سنوات، قررت جامعة سيدة اللويزة تجميد قيمة الأقساط كخطوةٍ إستباقية، حرصًا منها على أولويّة رسالتها، بأن لا يحرم أي طالب من العلم.
إلى جانب الأزمة الإقتصادية أزمة صحيّة مع جائحة كورونا، إذ جنّدت الجامعة طاقاتها البشريّة والتقنيّة لتواجه واقعًا جديدًا فُرض عليها … فكان التعلّم عن بُعد مع الإبقاء والمحافظة على التميّز في التعليم، تُعتبر هذه التجربة بمثابة تحدي للطلاب والمعلمين، الذين صاروا مضطرين للتعامل مع الصعوبات العاطفيّة، والجسديّة، والإقتصاديّة، التي فرضتها الجائحة، مع التزامهم بدورهم للحد من إنتشار الفيروس. هذا ما دفع  المؤسسة المعتمِدة NECHE توجيه رسالة تهنئة للجسم التعليمي، وقدرة الجامعة على وضع خطة طوارئ للمستقبل. رغم هذه الأزمة المستشرية، بقيت جامعة سيدة اللويزة تتقاضى رسومها وأقساطها بالليرة اللبنانية على تعرفة 1500 ليرة لبنانية، مع تسهيلات بالدفع من خلال تقسيط المبالغ، ليبقى قطاع التعليم العالي في لبنان، حسب ما ورد في البيان الصادر عن رابطة جامعات لبنان،  “متمكنًا ومرناً، للحفاظ على مكانته وقدراته خلال هذه الأوقات العصيبة”. ورغم اتكّال الجامعة شبه الحصريّ على الأقساط، وبغياب الموارد الخارجيّة، ما عدا بعض المساعدات القليلة من الخيّرين أصدقاء الجامعة وخرّيجيها، عمدت الجامعة إلى رفع قيمة المساعدات للطلاب، من مساعدات ماليّة ومنح أكاديميّة، لتلامس عتبة الـ ١١ مليون دولار هذا العام، لتقف بقدر إمكانيّاتها، إلى جانب الطلاّب وأهلهم في هذه المرحلة العصيبة.
ولكنهذا الواقع يضع جامعة سيّدة اللويزة، كما سائر مؤسّسات التعليم العالي غير الربحيّة، أمام تحدّيات جمّة ومخاطر، لا سيّما من ناحية صعوبة التطوير وتغذية الأبحاث، لإعطاء الأولويّة في المرحلة الراهنة لمساعدة الطلاّب. ورغم صعوبة المرحلة، لم تتوانَ الجامعة عن تطوير مناهجها والعمل للحصول على الإعتمادات المنهجيّة بعد نيلها الإعتماد المؤسسي عام 2018 التي انسحبت مفاعيله مباشرة على الطلاب، وصار بطاقة عبور لهمإلى أرقى مؤسسات التعليم العالي العالمي، لإكمال دراساتهم العليا، كما شرّعت لهم أبواب سوق العمل، لثقة المؤسّسات الموظِّفة بسمعة جامعة سيّدة اللويزة وميزة الاختبار الأكاديميّ والتدريبيّ الّذي تقدّمه لطلاّبها، كما لتميّز الخريّجين بالمهارات العمليّة والقياديّة التي يكتسبونها مع الشقّ النظريّ على مقاعد الدراسة قبل تخرّجهم. وكان آخر إنجازاتها هذا العامالإعتراف بشهادة الهندسة المعمارية من قبل نقابة المهندسين المعماريين في فرنسا لممارسة المهنة.كما حاز برنامج بكالوريوس العلوم المالية والمصرفية في كلية إدارة الأعمال والإقتصاد على إعتماد جمعيّة المحاسبين القانونيين المعتمدين (ACCA) وهو من البرامج القليلة في الشرق الأوسط والوحيد في لبنان الحاصل على هذا الإعتماد، بالإضافة إلى إعتمادات منهجية أخرى قيد التحصيل.
إن المرحلة القادمة لا تبشّر بحلول قريبة، والتحدّيات لا تزال كبيرة، ولا يمكننا إنكار أن القيمة الشرائية التي ضربت كافة شرائح المجتمع اللبنانيّ كان لها الأثر الفتّاك على مؤسّسات التعليم العاليّ، فلا يمكن لجامعة أن تستمرّ دون التطوير، ودون القدرة على استقطاب أعضاء جسم تعليميّ مميّز، وتطوير المناهج واستكمال الإعتمادات المنهجيّة، وهذا كلّه مكلف للغاية. سوف نستمر في البحث عن تقديم الأفضل، وسوف نقف بقدر إمكانيّاتنا الى جانب طلاّبنا وأهلهم، دون أن نغفل مسؤوليتنا تجاه الجسم التعليميّ والإداريّ الذي يضحّون بالكثير في سبيل الإستمرار بالتعليم عن بعد، وقد رأوا رواتبهم تفقد قيمتها، دون أن يفقدوا الرغبة في إعطاء الأفضل لطلاّبهم.
سوف يبقى الطالب محور إهتمام الجامعة، لتقديم أفضل مستوى تعليم، لجميع الفئات المجتمعيّة، الى أن نرسي على شاطئ الأمان  ونجتاز هذه المحنة بإذن الله، فنساعد طلابّنا على بناء مستقبلهم، علّهم هم يعيدون بناء مجتمع متعاضد، يقوم على العدالة والمساواة، واحترام حقوق الإنسان، ويكون لشابّاتنا وشبّاننا واحة فرح، ونموّ، وتحقيق الأحلام.