لوسي بارسخيان

السبت ١٩ آب ٢٠٢٣ - 20:32

المصدر: المدن

السلاح المتفلت بقاعاً:أخ يقتل أخاه واستهداف دائم للجيش

يكاد لا يمر يوم في منطقة البقاع من دون وقوع إشكالات تتطور الى نزاعات مسلحة، أو حتى الى إشتباكات بالنار مع الأجهزة الأمنية. إلا أن جديد هذا السلاح المتفلت، هو تكرار اللجوء اليه على خط الخلافات العائلية، وفي إنفعالات، قد تكون بنت ساعتها، ولكنها تترك أثراً كبيراً في تفكك المجتمع. هذا المجتمع الذي يقترب يومياً من سيادة شريعة الغاب.
إذا تكررت في الآونة الأخيرة سابقة التصفية الشخصية لحسابات مالية أو عقارية أو إجتماعية، بين أشقاء أو أقرباء وأصدقاء، بحيث بات السلاح المتفلت وسيلة لإستعادة الحقوق المهدورة، وسط شلل يسيطر على الدوائر الرسمية، من إدارية، ومالية، وحتى قضائية وأمنية.

في خلال أسبوع واحد، سجّلت ليل أمس جريمة عائلية ثانية في منطقة البقاع. طرفاها شقيقان من بلدة مجدل عنجر، ساد بينهما خلاف قديم على ملكية عقارات. وعلى رغم لجوئهما الى المنازعة القضائية، بقي كل منهما يقف على حد السلاح تجاه الآخر.

اقتتال شقيقين
لم ينفع تدخل وجهاء البلدة في حل هذا الخلاف المستحكم بين الشقيقين على طريقة “بوس اللحى”. وما إن علم أحد الأشقاء بتردد شقيقه الذي كان قد غادر البلدة على منزلهما العائلي، حتى باغته في المكان ليرديه قتيلاً في حديقته المجاورة. فرد الجاني الصاع صاعين لشقيقه المجني عليه، بعد أن كان الضحية قد أطلق النار على زوجة شقيقه الجاني قبل فترة. لتتابع فصول هذه الإشتباكات بين الشقيقين بمزيد من الإحتكام الى السلاح المتفلت، من خلال إلقاء قنبلة على منزل الشقيق الجاني في ساعة متأخرة من ليل أمس.

تأتي هذه الحادثة بعد أيام فقط على حادثة مقتل محمد إبرهيم مهدي، برصاصة اطلقت من سلاح عديله، رئيس بلدية مجدل عنجر أحمد المذوح، والذي لا يزال متوار عن الأنظار ولم يسلم نفسه الى القضاء، على رغم صدور بيان عن عائلته يؤكد الإحتكام الى القضاء وكلمته.

وقد أضيفت هذه الحوادث العائلية الى سواها من الجرائم التي كرّت سبحتها في الأسابيع الأخيرة بمنطقة البقاع.

مواجهة مع الشرعيّة
في محلة القادرية ببلدة حوش الحريمي كان خلاف على ملكية شاحنة إسمنت، قد تطور الى مواجهة عنيفة بين الجيش اللبناني وسارقي الشاحنة، حاول من خلالها هؤلاء أن يفرضوا منطق شريعة الغاب من خلال إحتفاظهم بمسروقاتهم، فإنتهت المواجهات بمقتل شخصين نتيجة لإحتكام الشارع الى سلاحه المتفلت حتى في مواجهة السلطة الشرعية.

وقبلها أيضاً إختار أحدهم ، أن يصفّي حساباته مع سيدة كانت تربطه بها صداقة، فقتلها في وضح النهار في باحة فرن وقهوة تعج بالناس، ثم توج جريمته بقتل نفسه في مشهد دراماتيكي مستهجن أيضاً جراء تفشي ظاهرة السلاح المتفلت.

إلا ان هذه الجرائم التي إتخذت من بلدات بقاعية مسرحاً لها، ليست سوى نموذج عن حوادث مشابهة وقعت في مناطق أخرى، غايتها تصفية الحسابات ومحاولة إنتزاع الحقوق باليد، أما نتيجتها مزيد من إنحلال لسلطة الدولة وهيبتها الرادعة للجريمة.

تظهر الحوادث المتكررة في المقابل القناعة التي كوّنها كثيرون حول عدم جدوى اللجوء الى الدولة في حل نزاعاتهم ومشاكهم. وهذا ما يعزز مجدداً، وخصوصاً في البقاع، المنطق العشائري الذي لا عدالة فيه وخصوصاً للضحايا. ما حصل في بلدة قب الياس قبل فترة، من خلال طي صفحة جريمة وقعت فيها قبل سنوات بطريقة عشائرية، إجتمع على مباركتها أعيان البقاع ووجهائه وحتى نواب ورجال دين، خير دليل على ما توفره ظروف إنحلال الدولة من أرضية لسيادة منطق الإفلات من العقاب. علماً أن هذا المنطق إتخذ أشكالاً مختلفة بالتوازي مع الأزمة التي يعيشها لبنان. وقد ترجمت أحيانا في حالات فرار هوليوودية لسجناء، نجوا من محاكمات عادلة، كان يعوّل عليها بعض الضحايا وعائلاتهم لإستعادة حقوقهم ولو المعنوية.

العدالة المغيّبة
هرب سجين قبل فترة قصيرة، تورط بقتل زميل له في العمل كشف تلاعبه بحسابات المؤسسة التي يعملان بها، وفقاً لإعترافاته، فتحت جرح عائلة المغدور، التي كانت تنتظر عدالة على الأرض لإبنها، ولكنها باتت الآن لا تأمل سوى بعدالة السماء.

يبدو منطق العدل إذا في حالة تراجع أمام منطق القوة وسيادتها المفروضة بالسلاح غير الشرعي، في وقت يفقد الإفلات من العقاب روادع الجريمة.

مع الإشارة الى أنه على رغم الجهود التي تبذل في الدوائر القضائية، والتي تعتمد بمعظمها على مبادرات أفراد في الجسم القضائي، يصرون على أداء واجباتهم بأصعب الظروف، فإن تراكم الملفات بوجه القضاء، نتيجة لهذه الظروف، بحيث باتت بعض الملفات تُطوى بالنسيان أحياناً، يشكّل بالنسبة للبعض ذريعة كافية لمحاولة حل قضاياهم بعيداً عن قوس المحاكم، وصولا إلى إستسهال إنتزاع الحقوق باليد وحتى ولو كان ذلك بقوة سلاح، فلتانه يهدد كل فرد في المجتمع.

المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها