مايز عبيد

السبت ٢٢ تشرين الأول ٢٠٢٢ - 19:27

المصدر: المدن

الكوليرا بعكار: انتشار سريع ومستشفى ميداني لعلاج المصابين

كم تشبه هذه الأوقات مثيلاتها في زمن الكورونا؛ عندما كان الناس لا يعترفون في البداية بوجوده ويعتبرونه نوعًا من المؤامرة أو الكذبة، إلى أن دخل الفيروس إلى كل بيت ولم يستثن أحدًا. ما إن تنفّست عكار الصعداء وأزال أهلها الكمامات عن وجوههم، حتى باغتتهم بكتيريا جديدة قديمة. انتقال غير سلس من الكورونا إلى الكوليرا بغياب حمد حسن مخترع عبارة “لا داعي للهلع”؛ لأنه أمام هكذا وضع وهكذا معطيات من حق  الناس هنا في عكار أن تهلع.

تسلل الهلع
وباء الكوليرا ما زال محصوراً بشكل أساسي في بلدات ببنين، المحمرة وقبة شمرا، التي تسجّل الأعداد الأكبر للإصابات. لكن بعد أيام على ظهور الوباء في لبنان، وكانت أولى الحالات من عكار من أحد مخيمات بلدة المحمرة، يمكن القول إن الهلع بدأ يتسلل إلى عقول الناس. فالمياه ملوثة والكهرباء مقطوعة منذ أشهر، والنفايات تملأ الشوارع والأزقّة والأحياء، والقطاع الصحي منهار، وقدرة المواطنين على تأمين المعقّمات والمنظفات للوقاية أو الأدوية للعلاج في أدنى مستوياتها.

المستشفى الحكومي امتلأ
في عكار مستشفى حكومي واحد يصارع الكوليرا ببعض المساعدات والأدوات الطبية التي تأتيه عبر المنظمات الدولية العاملة في الحقل الصحي، وقد خففت الأخيرة من مساعداتها بشكل ملحوظ في السنوات الثلاث الأخيرة. مشهدٌ مرعب في الأروقة وداخل قسم الطوارئ. سيارات إسعاف تدخل محمّلة بمصابين وسيارات خاصة بأهالي المصابين وسيارات أخرى تخرج لتعيد بعض المصابين إلى منازلهم بعدما تلقّوا العلاجات الضرورية وأظهرت حالاتهم أن لا حاجة لدخول المستشفى. وبين هذا المصاب وذاك، مصابٌ آخر لا قدرة استيعابية للمستشفى على إدخاله عنايتها، فيتم إرساله إلى أحد المستشفيين الحكوميين في المنية أو طرابلس.

مشهدٌ مرعبٌ آخر من بلدة ببنين حيث التلوث ظاهر على مياه الري الذي يغطي العديد من أحياء البلدة، وقد اختلطت مياهه مع كل أشكال النفايات والقاذورات، وتسقى منه المزروعات ويتم استعماله في المنازل، إلى جانب نبع الفوار الملوث هو الآخر.

مستشفى خاص يستعد
في زيارته الأولى قبل أيام وعد وزير الصحة فراس الأبيض الأهالي بأن ينضم مستشفى خاص إلى جانب الحكومي لمواجهة الكوليرا؛ وبالفعل فقد بدأ مستشفى خلف الحبتور استقبال الحالات، وهناك قسم خاص تم تجهيزه لهذه الغاية بالتنسيق بين إدارة المستشفى ووزير الصحة.

يرى رئيس مجلس إدارة مستشفى خلف الحبتور الدكتور ربيع الصمد أن الكوليرا مرض ليس بسهل وهذه البكتيريا يمكن أن تنتشر بسرعة وهنا لا بد من الوعي والانتباه والحرص واستعمال المعقمات والمنظفات لتجنب الإصابة”.

ويضيف: “نحن في مستشفى الحبتور وإحساسًا منا بضرورة الوقوف إلى جانب أهلنا في هذه الظروف الصعبة، جهّزنا وبعد التنسيق مع وزير الصحة، قسمًا مخصصًا لمرضى الكوليرا (كبار السن والأطفال) وقريبًا سيكون لدينا الفحص السريع للكوليرا الذي يوضح نتيجة فحص المريض وما إذا كانت إيجابية أم سلبية بغضون ساعة”.

البلديات وجولات الأبيض
في جولته السابقة طلب وزير الصحة من بلديات عكار المساعدة أقله في تأمين مادة الكلور للصهاريج التي تبيع المياه ومراقبتها، كما وعد بأن الكهرباء ستأتي لتشغيل مضخات المياه وأن منظمة الأمم ستؤمن المياه للمخيمات. يرى رئيس بلدية “ببنين – العبدة” الدكتور كفاح الكسّار ألا حرج على البلديات في المسألة وتحميلها مسؤوليات هي من صلب عمل وزارات الطاقة والمياه والداخلية والصحة وغيرها من الوزارات أمر فيه ظلم كبير. فالبلديات اليوم في حالة عجز منذ مدة وأموالها تتأخر لسنوات، وبلدية مثل ببنين بحاجة كل يوم إلى 7000 دولار لجمع النفايات يصرف لها 20 ألف دولار في السنة”. ويوزع الكسّار المسؤوليات على مثلث الإهمال، كما يسميه، وأضلعه هي الدولة ووزارة الداخلية ووزارة الطاقة والمياه. ويستغرب في هذا الشأن عدم قيام وزارة الداخلية والبلديات منذ سنوات بإجراء إحصائيات جديدة عن تعداد سكان البلدات تراعي التطور والازدياد الحاصل ليتم صرف العائدات للبلديات على أساسها”.

في جولته الثانية التي فرضتها مفاعيل الكوليرا والتي قام بها الوزير الأبيض اليوم السبت في 22 تشرين الأول إلى عكار من ضمن جولة شمالية، استمع الوزير إلى شكوى المرضى في المستشفى الحكومي حيث وعد بإنشاء مستشفى ميداني في ببنين وأن وزارة الصحة ستغطي كافة المرضى حتى لو كان عندهم تأمين وأن مستشفى سير ستدخل على خط المواجهة يوم الإثنين والمفوضية ستغطي السوريين كما أن وزير المالية وعدنا بصرف المساعدات ولقاح الكوليرا سيصل وسيكون للعاملين في خط المواجهة في البداية”.

أدرك الوزير في جولته الثانية أن الأوضاع بدأت تخرج عن السيطرة وهذا ما دفعه لإعلان إنشاء مستشفى ميداني في ببنين في الأيام المقبلة، وهذه الأيام المقبلة ستكون حبلى بالكثير من المخاطر على مستوى تفشي الوباء لاسيما وأن المعالجة التي تحصل هي للنتيجة وليست للسبب والمسبب؛ ولذلك لن ستكون الأيام المقبلة على عكار كارثية وبحاجة للعناية الإلهية.

المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها