منوعات
الخميس ١٨ نيسان ٢٠١٩ - 08:06

المصدر: اليوم الثالث

إضافة اللغة القبطية إلى لوحة مفاتيح “غوغل”

سعى شركة “غوغل” دائمًا إلى إضافة لغات جديدة إلى تطبيق لوحة المفاتيح التابع لها Gboard، حيث أضافت الشركة في منتصف آذار/ مارس في العام الجاري 60 لغة جديدة، ومن ضمن اللغات التي أضافتها غوغل اللغة القبطية، وهي تستخدم حاليًا في الصلوات الليتورجية القبطية ويتم تدريسها في المؤسسات التعليمية واللاهوتية القبطية كالكلية الإكليريكية، ولا يتم تداولها اليوم سواء على المستوى الرسمي أو الشعبي، حتى بين المواطنين المصريين المسيحيين.

تاريخيًا، تعتبر اللغة القبطية آخر مرحلة من مراحل تطور اللغة المصرية القديمة، بحسب مطبوعة أصدرتها منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة “اليونيسكو” عام 1979 وأعيد نشرها 2014 وحملت اسم “التسامح في كلمات”، المطبوعة ذكرت أيضًا أن اللغة المصرية القديمة إحدى اللغات السامية في أصلها الهيروغليفي، على عكس اللغة القبطية التي اعتمدت على الأبجدية الإغريقية فيما بعد, وأصبحت حروفها مزيج بين بعض حروف اللغة المصرية الديموطيقية (أو الشعبية) والحروف اليونانية القديمة.

تاريخ اللغة القبطية: هكذا أضعفها الحكام

كما أسلفنا تعتبر اللغة القبطية الحلقة الأخيرة من حلقات تطور اللغة المصرية القديمة، التي استطاعت أن تصمد في وجه الاحتلال البطلمي (323 ق.م – 30 ق.م)، الذي جعل اللغة اليونانية هي اللغة الرسمية لمصر، حيث بقيت القبطية لغة الشعب، حتى في ظل تبعية مصر للأمبراطورية الرومانية وسيادة اللغة اليونانية طوال أكثر من 670 عاما خلال الفترة ما بين 30 ق.م – 641 م، ودخول العرب مصر.

 ثّلت اللغة القبطية عائقا أمام الحكام العرب للتفاهم مع سكان مصر الأصليين الذين حرصوا على تعليم أولادهم اللغة المصرية في المدارس والدواوين، لذلك أصدر والي مصر عبدالله بن عبدالملك، مرسوم تعريب الدواوين عام 706م، لتكون لغة الدواوين الرسمية في المراسلات، وفي عام 849 م أصدر الخليفة المتوكل منشوراً يدعو فيه أن يتعلم اليهود والنصارى اللغة العربية، ولكن الشعب المصري استمر في التحدث باللغة القبطية فيما بينهم وفي حياتهم اليومية.

 وفي القرن الـحادي عشر الميلادي، أمر الحاكم بأمر الله بمنع استخدام اللغة القبطية في الطرق والمنازل، ومع حلول القرن الـثاني عشر الميلادي أصبح الشعب المصري يعرف اللغة العربية والقبطية على السواء، حيث بدأت اللغة العربية في الانتشار لتحل تدريجياً مكان القبطية، وهنا قام البابا غبريال الثاني بن تريك، البطريرك الـسبعون من بطاركة الكنيسة المصرية بإصدار أوامره بقراءة الأناجيل والعظات الكنسيّة وغيرها من القراءات باللغة العربية بعد قراءتها بالقبطية، لكي يفهم شعب الكنيسة تلك الصلوات والمواعظ، ما أسهم في بقاء اللغة القبطية مستمرة وإن كانت حبيسة داخل جدران الكنيسة، وفي كثير من البيوت المسيحية فقط.

رواتب شهرية للقساوسة للذين يتقنون اللغة القبطية

في القرن الحادي عشر حين رأى الأقباط أن استعمال لغتهم بدأ في الاضمحلال، شرعوا في كتابتها وتدوينها في بطون المجلدات، وألفوا لها معاجم وقواعد نحو، وأطلقوا على النوع الأول من المؤلفات اسم “السلم”، وعلى الثاني “التقدمة”. ومع حلول القرنين الـثالث عشر والرابع عشر الميلاديين تراجعت اللغة القبطية أمام اللغة العربية كثيرًا، خصوصا في الوجه البحري، بينما حافظ أهل الصعيد (جنوب مصر) على استخدامهم اللغة القبطية حتى القرن الـخامس عشر.

واستعارًا منه لخطر اندثار اللغة القبطية كرابط مهم وكوعاء للإرث الحضاري والكنسي المسيحي, اهتم البابا كيرلس الرابع (1853 م- 1862 م) والذي يسمى تاريخيا ب “أبي الإصلاح” بدعم اللغة القبطية حيث كان يقوم بصرف رواتب شهرية للقساوسة الذين يتقنون خدمة القداس باللغة القبطية؛ تشجيعاً منه لهم على دراستها.

وأيضًا قام بوضع مناهج لها لتدريسها في المدارس القبطية التي أنشأها، وقد خلعت الكنيسة القبطية عليه لقب “أبو الإصلاح” لما قام به من انجازات كبيرة خاصةً في مجال التعليم، في فترة زمنية قصيرة، منها انشاء أول مدرسة لتعليم البنات في مصر، واستقدام ثاني مطبعة في تاريخ البلاد بعد المطبعة الأميرية (الحكومية).

حاضر اللغة القبطية

على رغم عدم استخدام اللغة القبطية كلغة تخاطب بين المصريين إلا أن الكثير من الكلمات والتعبيرات المختلفة التي يستخدمونها في لغتهم العامية هي كلمات قبطية أصيلة وليست عربية. وإليكم بعض الأمثلة: “ولا، ياد، واد” ومعناها صبي أو ولد، “اباي” علامة دهشة واستنكار، “إتاي” أي وادي، و”إردب” وهو مكيال للموازين الزراعية، “افسيخي” ومعناها سمك، “أمَّر العيش” بمعنى سَخَن العيش، و”أوباش” تعني ناس حقيرة، “أوطة” بمعنى ثمرة عامةً أو ثمرة الطماطم، و”بح” كلمة‏ ‏قبطية تعنى لا يوجد، “بتاو” وتعني‏ ‏خبزا‏ ‏بدون‏ ‏خميرة، “بخ” تعني شيطان، فوطة وهي “منشفة الوجه” وغيرها من مئات الكلمات القبطية التي ما زالت تعيش في ثنايا المعاملات اليومية للمصريين.

 والغريب والمدهش أنه بعد مرور مئات السنين على استبدال اللغة القبطية بالعربية إلا أنه ما زالت هناك قرية مصرية تعد الوحيدة التي ما زالت تتحدث اللغة القبطية حتى الآن، وهي قرية “الزينية- بحري” بمحافظة الأقصر، حيث لا يزالون يتحدثون باللغة القبطية في حياتهم اليومية.

ردود فعل على خطوة “غوغل”

منذ اتخذ “غوغل” وضع الأبجدية القبطية ضمن اللغات المستخدمة لديه، بدأ بعض المواطنين في المطالبة بإحياء اللغة القبطية، وطالبوا باستثمار تلك الخطوة، وتضافر كل الجهود المخلصة للنهوض بها من عثرتها، حيث تصنف اللغة القبطية على أنها من اللغات المهددة بالانقراض وفق تقرير مشروع اللغات المهددة بالانقراض التابع لليونسكو.

فقد غرد “شريف منصور” على موقع التواصل الاجتماعي تويتر مطالباً وزارة الثقافة المصرية بعمل مهرجان سنوي فلكلوري لإعادة إحياء اللغة القبطية ضمن مشروع أشمل لإحياء الموروث الحضاري المصري الخالص بعيداً من موجات التغريب والتعريب، وتسليط الضوء والاحتفاء بالمواطنين المصريين الذين يتقنون اللغة القبطية.

 أما “طاهر قاسم” فطرح سؤالاً في هذا الشأن إلى وزارة التربية والتعليم عن دور الوزارة فى إحياء اللغة القبطية خصوصا من الناحية العلمية وتعجب لماذا لم يتم وضع مادة بالمدارس لتدريس اللغة للطلبة؟

القس “جوارجيوس القمص فيلبس”، كاهن بكاتدرائية الشهيد العظيم مار جرجس في مدينة العاشر من رمضان، يجيب على سؤال خاص بكيفية بقاء اللغة القبطية رغم كل محاولات إماتتها، بأن إلغاء اللغة القبطية يعني طمس كامل للهوية القبطية، وأن الكنيسة تحافظ عليها من خلال “الألحان القبطية”، حيث تعتبر اللغة القبطية لغة موسيقية بامتياز نظرًا لوجود عدد كبير من “الحروف المتحركة” التي تسهل تلحين كلماتها، وضرب مثلاً بعبارة “مجدًا وإكرامًا” وهي بالقبطية “أووه نيم أوطايوت”ـ فاللغة القبطية أساسية في ألحان الكنيسة ولا يمكن الاستغناء عنها.

وقد رتبت الكنيسة في كتب صلواتها وألحانها الليتورجية القبطية أن تضع “ثلاثة أنهار” لشرح اللغة، أحدها باللغة القبطية, والثاني الترجمة العربية, والثالث “قبطي معرب” أي قبطي مكتوب بحروف عربية. وتابع “جوارجيوس” إن إضافة “غوغل” للغة القبطية دليل على أن هناك اهتمام لتعلم اللغة القبطية وأن كثيرين “يبحثون” عنها على محرك البحث الشهير، وهذا يدعو للفخر كما أنه يضع على عاتقنا مسؤولية تلبية طلبات المهتمين بتعلم ومعرفة المزيد عن اللغة القبطية.