محلية
الأربعاء ٤ كانون الأول ٢٠١٩ - 07:14

المصدر: النهار

رسالة مفتوحة من رئيس الكتائب النائب سامي الجميّل إلى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون

رسالة مفتوحة من رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميّل إلى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون

حضرة رئيس الجمهورية،
أتوجّه إليكم بهذه الرسالة في ظروف مصيرية عصيبة من تاريخنا. فنحن على متن سفينةٍ تغرق، واللبنانيون يعيشون معاناة يومية في ظل تعطّل مؤسّساتهم الدستورية وعدم تحديدكم – حتى الساعة – موعداً للاستشارات النيابية الملزمة لتسمية رئيس للحكومة المقبلة.
وفي الحقيقة، لقد كنت مقتنعاً –حتى قبل انتخابكم – أنّ مواجهة “منظومة المحاصصة والتجارة السياسية” التي تديرها الطبقة السياسية الممسكة بالقرار، لا يمكن أن تتمّ إلا من خلال معارضةٍ حازمةٍ انخرطتُ فيها بدون تنازلات. ولذلك اتخذنا قرار الاستقالة من حكومة الرئيس تمام سلام ورفضنا التسوية التي أوصلتكم إلى سدّة رئاسة الجمهورية.

حضرة الرئيس،
هل تذكرون تحذيراتي المتكرّرة؟ هل تذكرون كيف كان أركان التسوية يصفون تصريحاتي بالغوغائية؟
في الشكل، اعتبرت الأحزاب التي شكلت رأس حربة وصولكم الى رئاسة الجمهورية أن الانتخابات النيابية الأخيرة منحت منظومتها السياسية “شرعيةً جديدةً”، وأن الناخبين منحوها غطاءً سياسياً غير قابل للشك.
أما في الواقع، فإن الناخبين لم يمنحوا هذه المنظومة الانتهازية “شرعيةً جديدةً”، بل “فرصةً أخيرة” لتغيير الإداء، والسير في الإصلاح، والعمل بما يخدم المصلحة العامة.
ولكن مع الأسف، لم يتمّ اغتنام هذه الفرصة!
فبعد ثلاث سنوات من عدم مبالاة “أحزاب التسوية” بالكارثة القائمة، لم تستعد السفينة مسارها الصحيح؛ بل على العكس من ذلك، فقد ساهمت المنظومة الحاكمة في تفاقم الوضع، وتسريع الانهيار.

حضرة الرئيس،
قد يكون عهدكم حقق – عن غير قصد – إنجازاَ عظيماَ نراه جميعاَ من خلال انتفاضة اللبنانيين التي اتسمت بوحدتها، وحزمها، وعدالتها، وإبداعها، وسلميتها، وحكمتها.
ثار المواطنون بقوةٍ وإصرارٍ ضدّ المنظومة التي تدمر بلادهم، وتودي باللبنانيين إلى كارثةٍ اجتماعية واقتصاديةٍ وإلى البطالة والفقر.
وفيما دفعت سياسات المنظومة المحتضرة بلبنان إلى تصدّر قائمة التصنيفات العالمية لسوء الإدارة والحوكمة، إن لم يكن أسوأ من ذلك، كسبت انتفاضة الشعب برقيّها احترام العالم أجمع.
إن التأخير في الدعوة إلى الاستشارات النيابية الملزمة، وعدم تكليف رئيس للحكومة قبل ضمان أنّ يلبّي التأليف مصالح منظومة الأحزاب التي سبق أن أثبتت عدم فاعليتها وسوء إدارتها، لا يعدّ تجاوزاً للدستور فحسب، وإنما هو يسهم في زيادة التعطيل، وفي استمرار نظام المحاصصة الذي يدينه الجميع والذي قادنا إلى الهاوية.

حضرة الرئيس،
لقد أثبتت حكومتا العهد السابقتان عدم قدرتهما على إدارة شؤون البلاد وتجنيب لبنان الأزمة الحالية، بل على العكس تماماً وبإقرار الأحزاب المشاركة في هاتين الحكومتين، فإنهما كانتا معطلتين بفعل التجاذبات والمصالح الضيقة وسوء الحوكمة. ولذلك، فإن تشكيل الحكومة الجديدة وفقاً للمنطق الذي ساد في الحكومتين السابقتين مخالف كلياً للمنطق وستكون له نتائج كارثية.
فما يطلبه المواطنون، وهم على حق في ما يطلبونه، هو تسمية رئيس للحكومة وفقاً للقواعد الدستورية المرعية، يليه تشكيل حكومة تتألّف حصراً من اختصاصيين مستقلّين عن الأحزاب، كلّ الأحزاب، وأن يكون همّ هذه الحكومة الأول والأخير إنقاذ لبنان.
وعندما يتم الإشارة الى أخصائيين مستقلين فهذا يعني الابتعاد عن منطق المحاصصة والأسماء المستعارة وتسمية كل حزب من أحزاب المنظومة عدد من الوزراء ظاهرهم أخصائيين وواقعهم ممثلي أحزاب المنظومة.
والواقع أنّ التأخير، وما يواكبه من مفاوضات تدور في الخفاء، أفرغا الاستشارات النيابية من هدفها، فهي عندما ستنطلق سيكون كلّ شيء قد تقرّر مسبقاً خلافاَ للمسار الدستوري. فهل يعقل أن تتحول دعوة النواب إلى الاستشارات النيابية الملزمة عندما تتم، دعوة لهم الى المشاركة في مسرحية بائسةٍ للمصادقة على النتائج التي تكون المفاوضات الدائرة حالياً قد توصلت اليها؟

حضرة الرئيس،
أوَلم تلاحظوا أنّ المفاوضات التي تجري الآن تخظاها الزمن والتطورات؟
لقد رسمت الانتفاضة خطاً فاصلاً بين الرؤية الحديثة التي يطالب بها المواطنون ويتطلعون اليها من جهة، والمناورات والتسويات التي شكلت أسلوب العمل الوحيد الذي اعتمدته المنظومة الحالية من جهةٍ أخرى.
إن التذرع ، بحجة أنه ينبغي للحكومة العتيدة أن تحظى بثقة المواطنين وبثقة أركان التسوية في مجلس النواب، لعدم إجراء هذه الاستشارات بعد، وعدم الاستجابة لمطالب الشعب وعدم التقيّد بأحكام الدستور، تشكل اعترافاً صريحاً وخطيراً بأنّ مصالح مجلس النواب تختلف عن مصالح الشعب وعن المصلحة العامة؟
فهل يعقل، في ظل مثل هذه “الحجة”، وفي ظل الإقرار ب”اختلاف المصالح” بين مجلس النواب والشعب، ألاّ تتم الدعوة الى انتخاباتٍ جديدة مبكرة؟
لا شكّ أنكم تعلمون أنّنا قد سبق وتقدّمنا باقتراح قانون لتقصير مدة ولاية مجلس النواب وإجراء انتخابات مبكرة في تاريخ أقصاه 6 أيار 2020.

حضرة الرئيس،
لقد وقع الطلاق اليوم ما بين رؤيتين للبنان، ولا يسعني إلا أن أبدي أسفي للإصرار على وضع الرؤية القديمة المحتضرة على جهاز التنفّس الاصطناعي.
الوقت يداهمنا، وبلدنا ينهار أمام أعيننا، والمواطنون يتجرّعون مرارة المعاناة. ولا بدّ من تأليف حكومةٍ من اختصاصيين مستقلّين قادرين على إرساء حوكمة رشيدةٍ، وعلى مكافحة الفساد ومواجهة الأزمة واعادة لبنان الى الخريطة العربية والدولية. كما يجب الاسراع في الدعوة الى انتخابات نيابية مبكرة تسمح باعادة انبثاق السلطة وفقا لارادة اللبنانيين.

حضرة الرئيس،
الخيار أمامكم: إمّا أن تلتزموا، ولو متأخّرين، بخدمة الرؤية الجديدة للبنان التي قرّر اللبنانيون بناءها اليوم، أو أن تتركوا مصالح المنظومة المتحكمة باللبنانيين تودي بعهدكم وبلبنان إلى غياهب التاريخ.
النائب سامي الجميل
رئيس حزب الكتائب اللبنانية