دولية
السبت ٢١ أيلول ٢٠١٩ - 16:41

المصدر: صوت لبنان

مسار آستانا.. هل باتت تركيا الحلقة الأضعف؟

في كتابه الأخير عن تجربته الدبلوماسية يروي نائب وزير الخارجية الأميركي وليام بيرنز الذي عمل سفيراً لبلاده في موسكو عن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في أحد الإجتماعات عندما وجَّه بوتين كلامه لبيرنز بعد انتقادات واشنطن لتوجهات موسكو في السياسة الخارجية “ليست مشكلتنا إذا كانت يدانا ضعيفتين، لكن نستخدمهما بشكل قوي بينما يداكما قويتان، لكنكم تستخدمونهما بشكل ضعيف”. فموسكو التي عادت وكررت نموذج العاصمة الشيشانية غروزني في خان شيخون السورية تصرفت وهي على قناعة أن إعتراض واشنطن لن يتعدى مستوى الإدانة أو اللجوء إلى مجلس الأمن، حيث تتساوى من جديد يد موسكو الضعيفة التي ترفعها منذ 2011 ضد أي قرار يُدين نظام الأسد أو أعمال الإبادة الجوية التي يمارسها طيرانها ضد مناطق المعارضة باليد الأميركية القوية لكنها مكبلة بقرار الانكفاء الأميركي عن نزاعات الشرق الأوسط، والذي انعكس ترددا في إتخاذ قرارات حاسمة في الأزمة السورية، الأمر الذي استغلته روسيا من أجل فرض شروطها على جميع اللاعبين، ما أدى إلى حصر الصراع على سوريا بين ثلاثي آستانا وإخراج العامل العربي والغربي من المعادلة.

عمليا نجح الرئيس الروسي بالرغم مما تعانيه بلاده من ضعف في إمكانياتها الإقتصادية والمالية في فرض معادلته ليس فقط في الحرب السورية بعدما نحج في قلب الموازين العسكرية لصالح نظام الأسد وإيران، بل حوّل إنتصاره إلى معادلة جيوسياسية جديدة فرضت نفسها على التحالفات التقليدية في الشرق الأوسط، باتت أقرب إلى نظام إقليمي جديد، قادر على فرض أجندته ومصالحه على المجتمع الدولي. ففي قمة أنقرة الثلاثية (روسيا، إيران، تركيا) ظهرت أنقرة في الموقع الأضعف بين شركائها، حيث أبدت مرونة واضحة في تعاطيها مع مطالب موسكو وطهران بالرغم من تناقضها مع مصالحها التقليدية في سوريا والمنطقة، ما دفع بعض أطراف المعارضة السورية إلى التوجس من أن تقوم أنقرة بتكرار سيناريو حلب في إدلب بحجة القضاء على التنظيمات الإرهابية، خصوصا أن عدة اجتماعات عقدتها جهات تركية مع المعارضة السورية قبل قمة أنقرة أبلغتهم أنها غير قادرة على تقديم ضمان لحمايتها وأنها تبذل جهدا كبيرا من أجل استمرار وقف إطلاق النار، وهذا ما يَفرض على المعارضة أن تبادر إلى مواجهة الفصائل الإرهابية مثل (النصرة وحارس الدين وجيش العزة) لقطع الطريق على أي عملية عسكرية روسية في إدلب لن تُميز بين فصيل معتدل وآخر متطرف، بما يوحي أن أفضل السيناريوهات التي ستواجهها المعارضة مستقبلا في إدلب هو تطبيق نموذج درعا في مناطق في إدلب، بحيث تفرض التطورات العسكرية المحتملة القبول بدخول الشرطة العسكرية الروسية لمناطقها.

فإمكانية الوصول إلى حلّ في إدلب بات مفصولا عن الوقائع الميدانية والسياسية في مناطق ريف حلب الشمالي وشمال شرق سوريا، حيث تحتاج أنقرة من أجل إعادة جزء من النازحين وهو ما يرغب الرئيس الروسي في تنفيذه من أجل تثبيت العودة الآمنه للنازحين تحت رعاية ثلاثي آستانا بعيدا عن شروط الأمم المتحدة. والذي يعطي دفعة كبيرة لعمل اللجنة الدستورية، ما يعني انطلاق العملية السياسية بالرغم من تحفظ الطرف الإيراني على عملها ومطالبته بأن ينحصر في القيام بمراجعة بعض بنوده وليس القيام بكتابة دستور جديد، حيث يتضح هدف إيران في الإبقاء على الهيكلية الأساسية للنظام دون تغيرات جوهرية وهذا ما تدعمه روسيا والتي أمنت له غطاء الشرعية الدولية من خلال القرار 2254 الذي ينهي كافة مقرارت مؤتمرات جنيف من التداول.

أنقرة الحائرة ما بين التماهي مع شروط موسكو الصعبة وبين المراوغة الأميركية في التوصل إلى حلّ مقبول في مناطق شرق الفرات حيث تتمسك واشنطن بمعادلة تطبيق آلية أمنية مشتركة مع أنقرة ينحصر عملها بدوريات برية وطلعات جوية مشتركة ولا تتضمن سحب السلاح الثقيل من الوحدات الكردية، فيما تطالب انقرة بمنطقة آمنة بعمق 30 كلم وامتداد 410 كلم ما يساعدها على إعادة أعداد كبيرة من اللاجئين وهذا ما رفضته واشنطن وحصرته بعودة أهل المنطقة فقط.

عدم الاستجابة الأميركية للمطالب التركية في شمال شرق سوريا، ساعد طهران وموسكو على انتزاع موافقه تركية على بند التمسك بوحدة الأراضي السورية ورفض المشاريع الانفصالية أو الحكم الذاتي تحت ذريعة مكافحة الإرهاب، حيث أكد المجتمعون في أنقرة على (عزمهم على معارضة الخطط الإنفصالية الرامية لتقويض سيادة ووحدة أراضي سوريا وتهديد الأمن الوطني للدول المجاورة) وهذا يعطي مؤشرات خطيرة حول مستقبل الأراضي السورية التي تخضع لسيطرة المعارضة، بحيث تصبح أنقرة مضطرة إلى التفاوض حول مستقبلها مع موسكو وطهران، مقابل أن موقفهما معها ضد أي توجه من أجل تثبيت حكم ذاتي كردي شرق الفرات.

وعليه فيما تبدو موسكو أكثر إصرارا على فرض تحالف مصالح إقليمي بالرغم من تناقض الانتماءات العقائدية والسياسية لأعضائه والتي يصعب تجاوزها وهي قابلة للانفجار في أي لحظة تحول إقليمي أو دولي اتجاه المنطقة، لكنها تحاول كسب الوقت لتثبيت حضورها في المياه الدافئة فيما تستغل لطهران مسار أستانا في حماية نفوذها الإقليمي، بينما تزداد الضغوط الداخلية والخارجية على الدولة التركية العالقة ما بين الحفاظ على مصالحها الدولية وحماية أمنها القومي والالتاف على ابتزازات شركائها الأعداء.

المصدر : مقالة نقلا عن الحرة للكاتب الصحافي مصطفى فحص