محلية
الأثنين ٢١ تشرين الأول ٢٠١٩ - 16:39

المصدر: وكالة الأنباء المركزية

3 سنوات من عمر تسوية تنازع منذ 4 أيام

قد تكون مجرد صدفة زمنية أن تندلع الثورة الشعبية الأضخم في لبنان ضد أركان التسوية الرئاسية الشهيرة، قبل أيام من ذكرى ولادتها الثالثة. في نهاية مهلة الـ 72 ساعة التي أعطاها رئيس الحكومة سعد الحريري لشركائه في هذا الاتفاق الذي أنهى الفراغ الرئاسي، ينتظر البعض أن يعلن الرئيس الحريري استقالته مطلقا الرصاصة الأخيرة على هذه التسوية، فيما يتوقع آخرون أن يركن مجددا إلى الواقعية السياسية المعهودة، فيعومها مجددا. لكن الأكيد أن في ميزان الربح والخسارة، لم تكن العلاقة بين التيارين سوية، أو على الأقل متكافئة، وإن كانت الموضوعية تقتضي الاعتراف لهما في نجاحهما في استثمار زخمها في الميدان الأهم: الانتخابات النيابية الأخيرة.

وفي السياق، تذكر مصادر سياسية مراقبة عبر “المركزية” أن أهم الأهداف التي سجلها أفرقاء التسوية، لا سيما منهم الثنائي الحريري- باسيل يكمن بالتأكيد في نجاحهما في توسيع كتلتيهما النيابيتين في الاستحقاق النيابي الأخير، لا لشيء إلا لأنهما أحسنا استخدام ورقة تسويتهما الرئاسية في نسج التحالفات الانتخابية في أهم المعاقل التي يسجلان فيها حضورا لافتا، علما أن قراءة متأنية بين سطور القانون الانتخابي الجديد تفيد بأن تقسيم الدوائر يعطي أرجحية مهمة لأصوات الناخبين السنة، كما هي الحال في بيروت الأولى (الأشرفية- الرميل- الصيفي- المدور) ودائرة الشمال الثالثة ذات الغالبية المسيحية الكاسحة (زغرتا- بشري- الكورة والبترون)، فيما قضاء الكورة يسجل حضورا سنيا لافتا أحسن الحريري تجييره لصالح التيار البرتقالي، فكان أن كسب الوزير جبران باسيل لقب “سعادة النائب”، بعد طول انتظار وأن بات للتيار البرتقالي نائب في قضاء الكورة، جورج عطالله.

وكما في الميدان الانتخابي، كذلك في ساحة مجلس الوزراء. ذلك أن الحكومتين اللتين شكلهما الحريري منذ انطلاق العهد العوني قبل نحو ثلاث سنوات، كانتا الشاهد الأكبر على المكاسب التي سجلها ركنا التسوية في مرمى كل الأطراف الآخرين، علما أن التسوية التي ينامان على “حريرها” ما كانت لتبصر النور لو أنها لم تتلق جرعة دعم من هؤلاء، لا سيما منهم القوات اللبنانية، بطبيعة الحال، بدليل أن رئيس الجمهورية ومعه باسيل والحريري قفزوا بعيدا فوق اعتراض القوات والمردة والاشتراكي والثنائي الشيعي ليمرروا خطة الكهرباء، التي وضعها وزيرا الطاقة العونيان سيزار أبي خليل وندى بستاني، في نيسان الفائت.

ومن هذا المنطلق، تبدأ بحسب المصادر عملية إحصاء الخسائر التي مني بها أطراف التسوية، مشيرة إلى أنها تبدأ في الشارع السني “الأزرق” الذي ما عاد يطبع مع خيارات الحريري الرئاسية والسياسية، بدليل أن استحقاق 2018 النيابي سجل تراجعا لافتا في عدد نواب المستقبل، وهو ما تؤشر إليه بوضوح النتائج التي حققها الرئيس نجيب ميقاتي، على سبيل المثال في عاصمة الشمال التي لطالما اعتبرت معقلا أزرق بامتياز. صورة أكدتها، بحسب المصادر، نسبة المشاركة الضعيفة جدا في الانتخابات الفرعية في طرابلس، والتي نجح الحريري في كسبها من منطلق تحالف واسع مع أركان المدينة أمن لنائبة “المستقبل” ديما جمالي عودة سلسة إلى مقعدها في مجلس النواب.

وفي معرض تعداد الهزات التي أصيبت بها التسوية أيضا، تذكر المصادر أن المخاض الحكومي الطويل شهد واحدة من أهم الهزات بين التيارين، تضاف إلى الخلافات الموضعية الكثيرة بينهما. فالذاكرة السياسية ستحفظ طويلا معركة المعايير التي خاضها باسيل في وجه الحريري، إضافة إلى تلك التي تمحورت حول “الاستماتة” البرتقالية للحصول على الثلث المعطل في حكومة “إلى العمل”، والذي عاد واستخدم في أعقاب أزمة قبرشمون الشهيرة، فتعطل مجلس الوزراء على مدى 40 يوما، واضعا الحريري في مواجهة الشريك الأول، الذي كان عاد إلى حلفاء الأمس على حين غرة.

جرى كل هذا في وقت كان الحريري، وفق المصادر السياسية نفسها، يمنى بخسائر كبيرة في علاقاته مع حلفائه التقليديين السياديين لا سيما منهم معراب والمختارة، من دون أن يعني ذلك “كسر الجرة” تماما معهم، بدليل أن القوات اللبنانية خاضت معركة كبيرة لصون حقها في التعيينات الادارية، شأنها في ذلك شأن سائر الأطراف الحاضرين في الحكم والحكومة، وهو جرح عض عليه جعجع طويلا قبل أن يتخذ قرار “قلب الطاولة الحكومية”، مطلقا رصاصة أخيرة في صدر اتفاق معراب. خطوة لم يقدم عليها رئيس الحزب التقدمي النائب السابق وليد جنبلاط، مفضلا مسك العصا من وسطها، من دون يفوت على نفسه ممارسة القنص المركز في اتجاه باسيل, وبذلك قد يكون زعيم المختارة، ذو الدهاء السياسي المعروف، أعطى إشارة جديدة إلى حاجة الجميع إلى التسوية… حتى اللحظة على الأقل.