دولية
السبت ٣٠ تشرين الثاني ٢٠٢٤ - 21:05

المصدر: اندبندنت عربية

اجتماع وزراء مجموعة السبع… معضلة القيادة الغربية المتأزمة

ملخص

أكدت تسريبات أن قبول إسرائيل دوراً لفرنسا في ضمان اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان كان في مقابل تراجع باريس عن التزام قرار “الجنائية الدولية” ضد نتنياهو وغالانت.

استضافت إيطاليا منذ أيام اجتماعاً وزارياً لدول السبع الكبار الغربية، وأجندة الاجتماع وناتجها تعكس أزمة القيادة الغربية للأوضاع الدولية الراهنة وعبء التحديات الضخمة التي تقع على عاتق هذه الدول، بفعل تناقض مكونات سياساتها وأهدافها وتداعيات هذا على مستقبل العالم.

وواضح من كثير من المصادر الغربية الإعلامية أن الدولة المستضيفة إيطاليا سعت إلى تضمين قائمة الموضوعات التي بحثتها هذه الاجتماعات مسألة الموقف من قرار المحكمة الجنائية الدولية باستدعاء رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه المقال يوآف غالانت، كما تضمنت ما وصفته إيطاليا بضرورة وجود موقف غربي موحد تجاه روسيا.

لماذا يشكل قرار المحكمة الجنائية الدولية في شأن نتنياهو معضلة غربية كبرى؟

كانت التصريحات الصادرة عن الدولة المستضيفة إيطاليا انتقلت من خانة الإعراب عن تأكيد التزام روما قرارات المحكمة إلى تذبذب ثم حفظ ماء وجه بأنها ستضع الأمر أمام القمة، وكان عدد من الدول الأعضاء بخاصة فرنسا وألمانيا واليابان وكندا عبروا عن مواقف واضحة بالتزام ما أصدرته المحكمة، بينما أصدرت الولايات المتحدة التهديدات الحادة بأقصى درجات العقوبات والهجوم ضد هذه المحكمة التي لم تشارك في معاهدتها وانسحبت من التوقيع عليها ومن التزاماتها.

ومعنى ما سبق أن المواقف السابقة على انعقاد هذه الاجتماعات تستقيم ومواقف كل الدول الأعضاء، فكل الدول الغربية ومعها اليابان أعضاء هذه المجموعة وباستثناء الولايات المتحدة هي التي قادت وشاركت بقوة في تأسيس المحكمة الجنائية الدولية والدول الست كندا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا واليابان صدقت والتزمت منذ توقيع ميثاق روما لإنشاء المحكمة ودخولها حيز النفاذ بالترويج للانضمام والدعم لفكرتها ومهامها. وهذه الدول بخاصة ألمانيا وبريطانيا وفرنسا وكندا تسهم بالحصة الكبرى في موازنة المحكمة، أي تتبنى أعباءها بدرجة كبيرة، وهو موقف لم تتخذه واشنطن التي تحفظت ثم امتنعت عن الانضمام وفضحت موقفها عندما طلبت أثناء المفاوضات استثناء جنودها ومسؤوليها عن المحاسبة في حالتي العراق وأفغانستان، ثم انسحبت بعد تعذر هذا، ومعها دول أخرى كروسيا والصين وإسرائيل، وتركت المسافة مع المحكمة لتحبذ قراراتها وتدعمها كما حدث في الحالات الأفريقية وكما هللت لقرارها في شأن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ثم لتأتي وتنتقد بشدة الموقف من الجرائم الإسرائيلية التي هي أكثر وضوحاً ومسجلة بتفاصيل غير مسبوقة لأي حال أخرى في العصور الحديثة.

لماذا تتراجع إذاً إيطاليا وتبحث عن إطار لإعادة مناقشة الأمر؟ فهل تستجيب بذلك لضغوط واشنطن أم تستغيث بمواقف الشركاء الآخرين باستثناء أميركا للحصول على دعم في أي من الاتجاهين؟ البيان الصادر عن الاجتماعات تجنب الإشارة إلى قرار المحكمة الجنائية الدولية. وعد بعض المراقبين أن الإشارة الضمنية إلى التزام المجموعة القانون الدولي تعود إلى موضوع قرار المحكمة.

ومن ناحية أخرى تأكدت التسريبات بأن قبول إسرائيل دوراً لفرنسا في ضمان اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان كان في مقابل تراجع باريس عن التزام هذا القرار، وبخاصة أن إسرائيل عدت أن القاضي الفرنسي الذي شارك في إصدار هذا القرار ما كان سيفعل إلا بضوء أخضر من الرئيس إيمانويل ماكرون، وتأكد هذا بتصريحات وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو أخيراً بأن ثمة حصانة لبعض القادة تعفيهم من المساءلة، ثم بحديث مباشر أن المقصود هو نتنياهو. ويسير مع هذا الموقف الفرنسي حديث آخر لوزير خارجية إيطاليا – الدولة مقر اتفاق روما المنشئ للمحكمة – بأن هناك شكوكاً قانونية في شأن مذكرة الاعتقال الخاصة بنتنياهو على السلطة القضائية حسمها.

وسنعود تالياً للمسألة في إطار أكثر شمولاً يتسق مع ما طرحناه من أن غزة تضع المحكمة الجنائية الدولية على المحك، وأن مصيرها وصدقيتها رهن بكيفية تعاملها مع القطاع.

الأزمة الأوكرانية واختبار مستقبل التماسك الغربي

من الواضح أن شبح الانتخابات الأميركية وفوز دونالد ترمب هو أكبر تحدٍّ مقبل لمستقبل التماسك الغربي، فقد عانى هذا التماسك وحلفاء واشنطن شخص ترمب في ولايته الأولى ولم يخف هذا كثيراً منهم، بخاصة أن أسلوبه وطريقته في طرح رؤيته حول تحمل هؤلاء الحلفاء كلفة حمايتهم شابها كثير من الصلف والجلافة، ولكن المشكلة أن الولاية الثانية تأتي في ظل أكبر تحدٍّ شهده العالم الغربي منذ الحرب العالمية الثانية، ومعروف أنه كان هناك قدر متباين من التردد الأوروبي في السير خلف واشنطن عند اتباعها نهج التصعيد ضد روسيا، ولكن سرعان ما حسم بدرجات مختلفة وسار القطيع مرة أخرى خلف قائده، بل تحول بعضهم إلى حال قلق متزايد من أوهام توسع روسية، مغفلين أنهم كان يمكن لهم احتواء هذه الحال الروسية لو تم فقط الإعلان عن عدم التجاوب مع عدم انضمام أوكرانيا إلى حلف الأطلسي.

والمفارقة أن أوروبا وربما كندا واليابان هي التي تشعر بالتوجس الآن إزاء توجهات ترمب، والحقيقة أن المشكلة ليست فقط تسوية الصراع الأوكراني، إنما مزيد من انكشاف تعرية الحلفاء الغربيين عن المشاركة في قرار الحرب والسلم، وربما نتذكر ملفات أخرى كأفغانستان عندما حشدت واشنطن الحلفاء خلفها ثم قرر ترمب التفاوض والانسحاب من دون أي تشاور معهم، وأدى احتجاجهم والمؤسسات الأميركية إلى تأجيل القرار، ولكن عندما اتحدت إرادة الرئيس جو بايدن مع مؤسساته جر خلفه هؤلاء الحلفاء بلا تنسيق ولا احترام لهم، وأكد لهم مرة أخرى أنهم مجرد قطع شطرنج في يده يحركهم بالصورة والتوقيت اللذين يريدهما، مما يعني أن احتجاجهم السابق الذكر كان وزنه مرتبطاً بمواقف مؤسسات صنع القرار الأميركية آنذاك.

هنا ربما نستذكر مراحل عبرت فيها قيادات فرنسية كالرئيسين الراحلين شارل ديغول وجاك شيراك عن مواقف متباينة، وهو أيضاً ما حدث من قيادة أنغيلا ميركل الألمانية في بعض المحطات والمواقف، وأبرزها الغزو الأميركي للعراق الذي أعطى آنذاك انطباعات متسرعة حول قرب تبلور الاتحاد الأوروبي كقطب دولي وهو ما تبخر تماماً في الأعوام الأخيرة، ولكن الشاهد أن أوروبا التي كان ينبغي أن تكون أكثر استقلالية وقوة بعد أعوام من نمو الاتحاد الأوروبي أصبحت بفضل قياداتها في الأعوام الأخيرة بخاصة ألمانيا وفرنسا أكثر شحوباً وأقل استقلالية وقبلت بدور الحليف التابع وليس الشريك ولو حتى الأصغر.

ومن هنا مفهوم أن تسعى إيطاليا وأطراف غربية أخرى إلى محاولة استباق مجيء ترمب لكي تبدي مواقف أكثر حسماً تجاه مسألة أوكرانيا، وهي محاولة مصيرها الفشل ومحدودة الأهمية لمحدودية تأثير حكومة بايدن على الإدارة المقبلة، إلا إذا نظرنا إلى خطوات التصعيد الأميركية والغربية الراهنة ضد روسيا بوصفها محاولة لإرباك خطط الإدارة الجديدة وإحراجها وتعقيد الموقف، فهي مغامرة غير مضمونة بدورها.

وفي النهاية صدر البيان الختامي لهذه الاجتماعات بموقف قوي به قدر من التماسك إزاء التزامات الحلفاء في المسألة الأوكرانية، ولكن مرة أخرى السوابق التاريخية في إدارة واشنطن للتحالف الغربي لا تكفي لهذه الضمانات.

تناقض مكونات الرؤية الفكرية للتحالف الغربي

في التقدير أنه ليس من دليل على معضلة القيادة الغربية بأكثر من الموضوعين السابقين اللذين رأينا التركيز عليهما، وهما قرار المحكمة الجنائية الدولية والموقف من الحرب الروسية – الأوكرانية، وهما في الغالب أهم ما ركزت عليه هذه الاجتماعات، ووضع الأمرين معاً كاشف لأزمة ومعضلة مؤسسة قمة السبع، بوصفها القيادة الغربية الليبرالية في المنظومة الدولية، فهي تصطدم بأن الإطار الفكري الذي تبنى من خلاله رفضها الحرب الروسية في أوكرانيا، ويتمثل في المنظومة الدولية الراهنة ومؤسساتها والقانون الدولي بشقيه التقليدي والإنساني الجديد – الذي تعد المحكمة الجنائية الدولية قمته – كل هذا يتناقض مع ورطتها في كيفية التعامل مع قرار المحكمة في شأن إسرائيل، وهي تعرف أن القرار الذي هللت له في شأن بوتين من المحكمة نفسها سيصبح بلا معنى ولا جدوى، فالأدلة على ارتكاب إسرائيل جرائم حرب في غزة تفوق في مجموعها وتفاصيلها كل الأدلة ضد الرئيس الروسي.

وتعرف معظم هذه الحكومات الغربية أن دعم إسرائيل الذي تورطت فيه قد يجلب عليها محاسبات قانونية داخلية يرجح أن تتحرك في أي وقت اعتماداً على قرار المحكمة الجنائية الدولية، سواء تراجعت هذه الحكومات أو لم تتراجع عن التزام قرار المحكمة، وكل هذا سيشكل سوابق تثير كثيراً من القلق حول مستقبل المحكمة وصدقية الخطاب السياسي الغربي كله، ومعها محاولة قمة السبع طرح نفسها بأن قيادتها تتجاوز العالم الغربي إلى العالم كله. كما يثير هذا تساؤلاً حول هشاشة الدور الفرنسي الدولي التي قايضت باريس فيه بقضية مبدئية أمام شعار مشاركة واشنطن رعاية الاتفاق اللبناني، إذ كان الاتفاق سينفذ في جميع الأحوال.