المصدر: صوت لبنان
الراعي في خميس الأسرار: يتزايد ألمنا مع شعبنا الجائع والمحروم من المال والخبز والغذاء والدواء
وجه البطريرك الماروني الكردينال مار بشاره بطرس الرَّاعي رسالة إلى الكهنة وعلى رأسهم الأساقفة، بمناسبة خميس الاسرار بعنوان: “إصنعوا هذا لذكري” (لو 22: 19)، جاء فيها:
“إلى إخوتي الأساقفة والكهنة الأحبّاء في لبنان والنطاق البطريركيّ وبلدان الإنتشار، يسعدني أن أهنّئكم بعيد تأسيس كهنوتنا، إذ وُلدنا فيه مع سرّ الإفخارستيّا في ذاك عشاء الربّ الفصحيّ، المعروف بخميس الأسرار الذي سبق آلامه وموته لفداء الجنس البشريّ وخلاص العالم. أحيّيكم وأنتم تحتفلون بهذه الذكرى في يوم الخميس المملوء أسرارًا، الواقع فيه أوّل نيسان من السنة الجارية، وتجتمعون في أبرشيّاتكم، حيث تشكّلون، أيّها الكهنة الأحبّاء، في كلّ واحدة جسمًا كهنوتيًّا واحدًا، رأسه المنظور أسقفكم، ومعًا تجدّدون المواعيد الكهنوتيّة للمسيح الرأس غير المنظور”.
أضاف: “لقد كنّا في خاطر الربّ يسوع عندما قال: “اصنعوا هذا لذكري” (لوقا 22: 19)، حالًا بعد كلمات التقديس القربانيّ: “خذوا كلوا منه كلّكم هذا هو جسدي يُبذل من أجلكم! وخذوا اشربوا منها كلّكم، هذه كأس دمي يُراق لمغفرة الخطايا” (متى 26: 26-28). منذ رسامتنا الكهنوتيّة، نحن في رباط فريد واستثنائيّ مع الإفخارستيّا. إنّنا نوعًا ما “من الإفخارستيا” و”للإفخارستيا”، وبشكل خاص “مسؤولون عن الإفخارستيّا”: كلّ كاهن في جماعته، وكلّ أسقف بحكم عنايته بكلّ الجماعات الموكولة إليه. ولذلك نحن مؤتمنون على ليتورجيا الإفخارستيا “من أجل الآخرين” الذين ينتظرون منّا شهادة خاصّة لتكريمنا وحبّنا لهذا السرّ، لكي يتمكّنوا هم أيضًا من تقدمة ذبائحهم الروحيّة. وهكذا ندرك أنّ في هذه الليتورجيا الإلهيّة يواصل المسيح، بواسطة الكنيسة وفيها ومعها، عمل فدائنا بموته وقيامته. وعليه نقول أنّ من يقيم الإحتفال يالإفخارستيا هو جسد المسيح السرّي، أي المسيح الرأس وسائر الأعضاء المشاركين في كهنوته من خلال كهنوت الخدمة بالدرجة المقدّسة، والكهنوت العام بسرّ المعموديّة، فيتمّ نقل ثمار الفداء “حتى مجيئه” (1كور 10: 26) (مختصر التعليم المسيحي 218-220)”.
وتابع: “الإفخارستيا-ذبيحة الفداء، وذبيحة العهد الجديد. هي إيّاها التي قدّمها يسوع ليلة آلامه وموته، نقدّمها نحن اليوم. وهي الذبيحة الوحيدة التي نحن مؤتمنون على تقديمها كلّ يوم لفداء كلّ إنسان وإعادته إلى الله مع العالم كلّه. هذه هي “جدّة وأبديّة عهد” الله مع الإنسان، وعهد الإنسان مع الله. فكلّ واحد منّا، باحتفاله كخادم لهذه الذبيحة، هو الخادم الأصيل لإتمام فعل الذبيحة بقوّة السلطان الذي قبله بالرسامة. وبهذا الفعل يعيد من جديد الكائنات إلى الله.
أمّا كلّ الذين يشاركون في الإفخارستيّا، من دون أن يحقّقوا فعل الذبيحة، فإنّهم يقدّمون معه، بحكم كهنوتهم العام المقبول بالمعموديّة، ذبائحهم الروحيّة الخاصّة، المتمثّلة بالخبز والخمر مذ تقديمهما على المذبح. هذا الأمر يجد تعبيره في تقدمة القرابين بتطواف يمكّن المؤمنين من الإشتراك الروحيّ في هذه التقدمة”.
وقال الراعي: “بقوله “إصنعوا هذا لذكري حتى مجيئي” أسّس ربّنا يسوع المسيح سرّي القربان والكهنوت عندما “بلغت ذروتَها محبّتُه للذين في العالم” (يو 12: 1). أسّس سرّ القربان من أجل إستمراريّةٍ حقيقيّةٍ وفعليّةٍ وأسراريّةٍ لذبيحته الدمويّة ولوليمة جسده ودمه تحت شكلي الخبز والخمر. وأسّس سرّ الكهنوت لكي يحقّق الكهنة فعل الذبيحة والوليمة، ويبذلوا ذواتهم مثله في سبيل الأخوة. وقد تلقّف يوحنّا الرسول هذه الأمثولة فكتب: “نحن عرفنا المحبّة بأنّ يسوع بذل نفسه في سبيلنا. فعلينا نحن أيضًا أن نبذل نفوسنا في سبيل أخوتنا”(1 يو 3: 16). وعلّم الآباء القديسون أن الكاهن “كاهن وذبيحة”.
وختم: “في هذه الظروف الصعبة التي فرضها وباء كورونا، والأزمات الإقتصاديّة والنقديّة والمعيشيّة، يتزايد ألمكم وألمنا مع شعبنا الجائع والمحروم من المال والخبز والغذاء والدواء. ونعلم أيضًا قلقكم حيال هذا الوضع، وأنتم أصحاب واجبات تجاه عائلاتكم. إنّني أحيّي إخوتي السادة المطارنة الذين يتدبّرون بطريقتهم الخاصّة تأمين الرواتب، ولو قليلة لكهنتهم، بعد إقفال الكنائس بالإضافة إلى فقر شعبنا. وبفضل التعاون القائم بين الكرسيّ البطريركيّ والأبرشيّات والرهبانيّات والمؤسّسات المارونيّة، والمنظّمات الخيريّة كرابطة كاريتاس-لبنان ومثيلاتها، بالإضافة إلى أبرشيّات الإنتشار والأهالي المنتشرين، نعمل على تنسيق خدمة المحبّة الإجتماعيّة على كامل الأراضي اللبنانيّة بواسطة مؤسّسة “الكرمة”، والمساهمة في تبديد قلقهم.
نصلّي معًا كي يعضدنا الله في صمودنا حتى تهدأ جميع العواصف والرياح التي تتقاذف سفينة الكنيسة والوطن. فسرّ خلاصنا لم يتوقّف عند موت المسيح الفادي في ذاك يوم الجمعة العظيمة، بل بلغ إلى مجد قيامته في ذاك الأحد الساطع نورًا. “فلولا قيامة المسيح لكنّا أشقى البشر” (راجع 1 كور 15: 19). المسيح قام! حقًّا قام!”