المصدر: النهار
الشيخ الصايغ في رسالة الى الموحدين الدروز: نحذر من أي استفزاز يؤدي إلى فتنة
وقال فيها: “إننا اليوم في محنة لا تنتهي إلا إذا عدنا جميعا إلى العقل والضمير، وإلى الله! فله السؤال – ما نسأل – لا عن ثقة بحسن أفعالنا، وسوالف إحساننا، وإنما عن ثقة بكرمه الفائض، وطمعا برحمته الواسعة. فهو سبحانه حافظ الأسرار، ومسبل الأستار، وواهب الأعمار، ومنقذ الأبرار. وهو عز سلطانه لنا، وإن لم نكن لأنفسنا، فهو أولى بنا منا. فليس من المهم مدى سوء ما نواجه، بل الأهم هو أن نواجه كل الصعاب وكل الآلام دون التفريط في تماسكنا وثباتنا على مبادئنا”.
وأضاف: “أن مشيئة المولى عز وجل نافذة، وأن أي فرد مهما كان دوره، ومهما بلغ إسهامه، هو أداة لإرادة الله، وليس هو صانع هذه الإرادة. فنحن وإن نملك خياراتنا، لكن من منا يملك مقاديره؟ وبعد،إن مرجعية أي خيار هو العقل، وليس أجلى للعقل من الهدى، وليس أقرب إلى الهدى من الصواب، وليس أضمن للصواب من الحق، وليس أجدر بالحق إلا الذين انطوت في نفوسهم القيم التوحيدية.ما هو معلوم، أيها الإخوة، أن الوضع القائم في البلاد ليس ما كنا نريده أو نتمناه. ولكن كلي ثقة بأن طائفة الموحدين الدروز، التي ساهمت على مر التاريخ بمواردها الإنسانية والثقافية في صوغ حضارة لبنان، لن تتخلى عن دورها ومكانتها في الإجماع الوطني العام، والإجماع العربي العام. وكلي ثقة بوطنية أبنائها، وجدارتهم – مهما اشتدت الظروف وقست – في حمل القيم المعروفية، والتي نهج عليها السلف الصالح. وبهذا كانت منجاتهم. وفي التاريخ عبرة لأولي الألباب”.
وتابع: “إنطلاقا من الواقع الذي تشهده البلاد والجبل على وخصوصا، وحرصا منا على ألا تحيد خياراتنا عن نهج ما سلف من الأعيان، فإننا نجدد التمسك بخياراتنا تحت مظلة القيم لأن مقادير الأمم بأخلاقها: أولها، إن الدفاع عن الأرض حق وواجب مقدس، وإذا كان تمسكنا بهذا الحق – إنطلاقا من قيمنا – فإنه من غير الجائز أن نستنكره على الآخرين. ولنعلم أن لبنان شارك في نشأته مجتمعات متعددة ومتنوعة، وكلها أعطت وزودت، وكلها أضافت وزادت، وكلها أغنت وأثرت، فإذ به صيغة شراكة إنسانية حقيقية وكاملة. وعليه فإن أي اعتداء يطال أي مجتمع من مجتمعاته هو اعتداء على الوطن كله. وإن واجبنا الدفاع عنه كل بموقعه وأدواته. وثانيها، إن من عاداتنا حسن الضيافة وإكرام الضيف. فالحذر الحذر من أي استفزاز يتحول بالإثارة إلى فتنة، ويتحول بالفتنة إلى قطيعة، ويتحول بالقطيعة إلى حصار للذات”.
ومضى قائلا: “وهنا ندائي إلى المسؤولين أن يتقوا الله، وأن يتصرفوا بقدر كبير من بعد النظر في إدارة الأزمة، فهذه مسؤوليتهم. وعلينا أن ندرك جميعا أن الدولة ومؤسساتها هي الملجأ والحامي والضمانة لتجاوز هذه الظروف العصيبة. وثالثها، أؤكد على ما قلته سابقا: إن بني معروف تجمعهم وحدة المسار والمصير. فالذي بالإرادة البشرية اجتماعه فقواها تمسكه، والذي يؤلفه زمان يفرقه زمان، ولكن بني معروف عصب واحد، لم يتصنعه السلف ولم يتكلفه الخلف، بل هو أصيل في جوهرهم، لا تفنيه حدود ولا تحده سياسات كانت أو تكون. ومن هذا المنطلق نرفض بالمطلق أي تشويه لتاريخ ودور الموحدين الدروز، الذين جبلوا على التمسك بأرضهم وحافظوا عليها وصانوا كرامتهم وأصالتهم. ورابعها، إن طائفة الموحدين الدروز منذ القدم دعاة سلام، ومهما عظمت التضحيات فإن أبناءها ينشدون السلام والعدالة بحق لجميع الشعوب، الذين نتشارك معهم القيم الإنسانية. فما أحوجنا ونحن نواجه أكبر مخاوفنا أن نغير آلية تفكيرنا في ما يحدث لنا، وأن نعي أن مصدر غضبنا وحزننا يكمن في أفكارنا، وأن كل واحد منا مسؤول على طريقة تعاطيه مع كل ما يصيبه”.
ختم: “ندائي لكم أيها الإخوة أن تكونوا فوق الظن بكم، فذاك أعلى لقدركم، وأرفع لناظركم، وأشيع للسمعة الحسنة عنكم.والله ولي التوفيق والسلام”.