إقليمية
الأحد ٢٤ أيلول ٢٠٢٣ - 17:55

المصدر: الحرة

فاتورة بالمليارات جراء الزلزال.. وآمال الانتعاش معلقة على إعمار “المغرب العميق”

بعد أن بدأ بالخروج من صدمة الزلزال الذي ضرب البلاد، يبحث المغرب عن التعافي الكامل من هذه الكارثة، عن طريق مسار طويل قد يستغرق 5 سنوات.

ويتوقع أن يتسبب الزلزال المدمر في المغرب بانعكاسات سلبية على اقتصاد البلاد خلال المرحلة المقبلة، كما هو الحال مع أي كارثة طبيعة يتعرض لها بلد ما.

وقال الخبير الاقتصادي المغربي، محمد الشرقي، إن مثل هذه الكوارث الطبيعية تتسبب في “خسائر مباشرة وأخرى غير مباشرة”.

وفي حديثه لموقع قناة “الحرة”، أوضح الشرقي أن “الخسائر المباشرة تتمثل في دمار البنية التحتية من منازل ومدارس وطرق، فيما تكون الخسائر غير المباشرة متعلقة بالنشاط التجاري، ومدى تأثر بعض القطاعات مثل السياحة.

وفي الثامن من سبتمبر الجاري، ضرب زلزال بقوة 6,8 درجة على مقياس ريختر إقليم الحوز جنوب مراكش، مخلفا نحو 3 آلاف قتيل، بحسب الأرقام الرسمية.

وبحسب هيئة المسح الجيولوجي الأميركية، فإن حجم الأضرار الاقتصادية الناجمة عن الزلزال قد تصل إلى 8 بالمئة من الناتج المحلي للمغرب، مما يعني حوالي 10.7 مليارات دولار، قياسا على بيانات عام 2022 الصادرة عن البنك الدولي.

من جانبه، قدّر الباحث المتخصص في العلاقات الدولية والاقتصاد السياسي، أبو بكر الديب، إجمالي الخسائر الاقتصادية المباشرة وغير المباشرة بـ 150 مليار دولار.

وقال الديب لموقع “الحرة”، إن “الخسائر لحقت بالبنية التحتية والأساسية، والمرافق، وقطاعات اقتصادية، كالاستثمار والسياحة” في خامس أكبر اقتصاد أفريقي.

تضرر 60 ألف منزل

ودمر الزلزال، وهو الأكثر إزهاقا للأرواح في المغرب منذ عام 1960، عددا من التجمعات السكنية الصغيرة المبنية من الطوب الطيني التقليدي والحجارة والخشب، وهي إحدى السمات المميزة لقرى جبال الأطلس التي ينطق قاطنوها اللغة الأمازيغية.

وألحق الزلزال أضرارا بنحو 2930 قرية يسكنها 2.8 مليون نسمة في جبال الأطلس الكبير، حسبما ذكر الوزير المنتدب المكلف بالميزانية في المغرب.

وقال الوزير المغربي، فوزي لقجع، أمام البرلمان، الجمعة، إن “ما لا يقل عن 59674 منزلا تضرر جراء الزلزال، وإن 32 بالمئة من هذه المنازل انهارت بالكامل”.

وأضاف أن الحكومة ستقدم 2500 درهم (244 دولارا) شهريا على مدى عام لمساعدة الأسر المتضررة من الزلزال، بالإضافة إلى 140 ألف درهم (13.6 ألف دولار) لتعويض الأسر التي انهارت منازلها بالكامل، و80 ألف درهم (حوالى 7780 دولار) للأسر التي تضررت منازلها جزئيا.

ومع ذلك، قال الشرقي إن التقديرات تشير لخسائر بالمليارات، لكن “من الصعب” تحديد رقم معين على اعتبار أن “الحكومة لا تزال تحصي الخسائر”.

وقبل الكارثة، انكمش الاقتصاد المغربي بسبب مجموعة من العوامل، من بينها الجفاف ووباء كورونا، ثم التضخم العالمي في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا، وفقا للبنك الدولي.

وذكر البنك الدولي في مايو، أن نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للمغرب، “انخفض إلى ما يقدر بـ 1.2 بالمئة بين عامي 2021 و2022 ، من 7.9 بالمئة”.

وقال الشرقي: “الكارثة مفاجئة وكبيرة جدا، وجاءت في ظرف غير مناسب أساسا للمغرب حيث الأسعار مرتفعة بسبب تأثير الحرب في أوكرانيا والجفاف الذي أثر على الزراعة، مما أثر بدوره على الناتج المحلي”.

وتابع: “لحسن الحظ فإن السياحة أنقذت الاقتصاد (المغربي) في (عام) 2023” وذلك قبل الزلزال.

وتمثل السياحة 7 بالمئة من النشاط الاقتصادي للمغرب، وتوظف أكثر من نصف مليون شخص، وفقا لشركة البيانات “موردور إنتليغنس”.

وفي عام 2019، ساهمت السياحة بمبلغ 81.4 مليار درهم (7.8 مليار دولار) في الناتج المحلي الإجمالي للمغرب، بحسب بيانات الشركة ذاتها.

“رسالة طمأنة”

وبالنسبة للاقتصاد المغربي، فإن تبعات الزلزال “ستؤثر على الموازنة وليس على النمو”، وفقا للشرقي، الذي أوضح أن “النمو مرتبط بقطاعات أخرى لم تتضرر من الزلزال، بما في ذلك السياحة”.

وأضاف: “أهم وجهة سياحية مغربية هي مراكش، ولم تتضرر جراء الزلزال بشكل كبير”، منوها بتأثير الإبقاء على اجتماعات صندوق النقد الدولي في “المدينة الحمراء”.

واعتبر أن ذلك “يرسل رسالة طمأنة مهمة للسياح الدوليين، بأن المدنية آمنة ولم تتضرر جراء الزلزال”.

والإثنين، أكد البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، عزمهما على عقد اجتماعاتهما السنوية في مراكش، أكتوبر المقبل، كما هو مخطط لهن على الرغم من الزلزال المدمر الذي ضرب المناطق القريبة.

والأربعاء، قال الديوان الملكي المغربي إن الدولة “تعتزم إنفاق 120 مليار درهم (11.7 مليار دولار) على مدى السنوات الخمس المقبلة، في إطار برنامج لإعادة الإعمار عقب الزلزال”.

وأوضح الديوان الملكي في بيان عقب اجتماع العاهل المغربي الملك محمد السادس مع مسؤولين بالحكومة والجيش، أن البرنامج “يستهدف 4.2 مليون شخص في المناطق الست الأكثر تضررا”، وهي مراكش والحوز وتارودانت وشيشاوة وأزيلال وورزازات.

لكن الديب يعتقد أن فاتورة إعادة الإعمار ستكون “أكثر من ذلك بكثير”، مشددا على أهمية “مد يد العون والمساعدة للمغرب” من قبل المجتمع الدولي.

وقال الباحث الاقتصادي: “الزلزال تسبب في انهيار العديد من المباني العامة والخاصة والتاريخية في البلاد، فضلا عن تعليق الإنتاج الصناعي في العديد من المصانع، وتضرر البنية التحتية، مما يرفع فاتورة إعادة الإعمار”.

وجاء في بيان الديوان الملكي، أن البرنامج يضم مشروعات تهدف إلى “إعادة بناء المساكن، وتأهيل البنيات التحتية المتضررة… وتعزيز التنمية الاجتماعية والاقتصادية في المناطق المستهدفة”، وكذلك الانفتاح على المناطق المتضررة.

“فرصة”

وقال الشرقي إن الحكومة ستنفق 2.5 مليار دولار سنويا من مصادر مختلفة بهدف إعادة الإعمار، مشيرا إلى أن “المصادر تأتي من الموازنة العامة والتبرعات المحلية والخارجية، بالإضافة إلى صندوق الحسن الثاني للتنمية الاجتماعية والاقتصادية”.

وصندوق الحسن الثاني للتنمية الاجتماعية والاقتصادية في المغرب، هو مؤسسة تابعة للدولة يقدم مساعدات لبرامج السكن والبنية التحتية، سواء بمساهمات مالية مباشرة أو على شكل قروض.

وبحسب رويترز، فإن حساب التضامن الذي سبق أن فتحته الحكومة المغربية بعد الزلزال، حظي بتبرعات بلغت 700 مليون دولار.

ويتوقع الشرقي أن تستغرق “عملية التعافي الكامل” من الزلزال، “5 سنوات”، بما في ذلك عملية إعادة الإعمار في القرى النائية التي تضررت بشدة، وهي من أفقر المناطق في المغرب.

وأضاف أن “المرحلة الأولى في عام 2024 ستكون الأصعب؛ لأن الإنفاق لم يكن مبرمجا في الموازنة التي يتوقع أن تطرح على البرلمان في أكتوبر”.

ومع ذلك، فإن الزلزال قد يمثل “فرصة” لتلك القرى الجبلية الفقيرة التي “لم تحظ بنصيب من التنمية والبنية التحتية”، حسبما قال الشرقي.

واختتم الرجل حديثه بالقول، إن تلك المناطق التي يطلق عليها “المغرب العميق”، ستحصل بـ”فرصة لضخ 12 مليار دولار لإعادة تأهيلها وبنائها بالكامل، من منازل وطرق ومؤسسات ومرافق”.

وأشار إلى أن ذلك “قد يسهم في تنشيط السياحة الريفية، ويجلب على المدى المتوسط استثمارات تنعش الاقتصاد”.