المصدر: اندبندنت عربية
قرارات مجلس الأمن وتغيير المعادلة في لبنان
ملخص
شهد لبنان سلسلة من الصراعات أدت إلى إصدار مجلس الأمن أكثر من 76 قراراً دولياً، أبرزها القرار 425 عام 1978، الذي دعا إلى انسحاب إسرائيل من الجنوب اللبناني وتأسيس قوة “يونيفيل”.
دفعت الصراعات وغياب الاستقرار في لبنان مجلس الأمن الدولي إلى إصدار أكثر من 76 قراراً دولياً، دعت في معظمها إلى انسحاب الجيوش الأجنبية من الأراضي اللبنانية وبسط سلطة الدولة على كامل أراضي البلاد، ووقف العنف وحماية المدنيين واحترام السيادة، وحصر سلاح الميليشيات بيد الدولة، وذلك في إشارات واضحة لكل من الجيوش الفلسطينية والإسرائيلية والسورية و”حزب الله” المرتبط بإيران، خلال فترات متفاوتة من العقود الخمسة الماضية.
ويعد القرار الدولي 425 الصادر عام 1978 عقب اجتياح إسرائيل لبنان واحتلالها أجزاء من الجنوب اللبناني في ما عرف حينها بعملية الليطاني، من أهم قرارات مجلس الأمن في شأن الصراع اللبناني – الإسرائيلي، إذ يقضي بضرورة انسحابها من الأراضي اللبنانية. وأنشأ مجلس الأمن في العام نفسه وبموجب القرار 426 المتعلق بآلية تنفيذ القرار 425 قوة دولية (يونيفيل) في جنوب لبنان لتشرف على الانسحاب الإسرائيلي، وتساعد الحكومة اللبنانية في بسط سلطتها في المنطقة. وجددت مهمة “يونيفيل” باستمرار كل ثلاثة أو ستة أشهر، وكان التجديد الأخير من خلال قرار مجلس الأمن رقم 1655 لعام 2005.
وفي عام 1998 صوتت الحكومة المصغرة في إسرائيل على القبول بالقرار 425 إذا وافقت الحكومة اللبنانية على ضمان أمن الحدود الشمالية لإسرائيل، وانسحبت عام 2000. حينها أكد مجلس الأمن امتثال إسرائيل الكامل للقرار الدولي بانسحابها من الجنوب اللبناني.
القرارات الثلاثة
وبعد انسحاب إسرائيل من لبنان برزت الاضطرابات الداخلية على خلفية الوجود السوري في لبنان، مما دفع مجلس الأمن الدولي إلى إصدار قرارات أممية حفاظاً على الأمن والسلم الدوليين، وبقدر ما اعتبر القرار 425 عموداً للقرارات المتعلقة بالصراع مع إسرائيل، بات القرار 1559 عموداً لقيام الدولة وحفظ سيادتها واستقرارها.
ويتبنى القرار الدولي 1559 الذي أقره مجلس الأمن في الثاني من سبتمبر (أيلول) 2004، “دعوة لبنان إلى بسط سيادته على كل أراضيه، ودعوة القوات الأجنبية (وهنا كانت تعني سوريا)، إلى الانسحاب من لبنان، وتفكيك ونزع سلاح الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية الموجودة على الأراضي اللبنانية، وحصر السلاح بيد الدولة اللبنانية، وانسحاب القوات الأجنبية من لبنان، وإجراء انتخابات حرة نزيهة وفق القواعد الدستورية اللبنانية القائمة من دون تدخل أجنبي”.
وفي محاولة دولية لدعم سيادة لبنان على حدوده، أقر مجلس الأمن الدولي القرار 1680 في الـ17 من مايو (أيار) 2006، الذي طالب سوريا بشدة بالاستجابة لطلب لبنان ترسيم الحدود وإقامة علاقات دبلوماسية، بهدف تأكيد سيادة لبنان وسلامته الإقليمية واستقلاله السياسي. وهو يعد نوعاً من “إحراز تقدم آخر مهم نحو التنفيذ التام لكل أحكام القرار 1559″، إذ يطالب القرار 1680 “ببسط سلطة حكومة لبنان على كل أراضيه والاحترام الدقيق لسيادة البلاد ووحدتها واستقلالها وإجراء انتخابات رئاسية حرة ونزيهة، وفقاً لأحكام الدستور اللبناني، ومن دون أي تدخل أو نفوذ أجنبي”، في إشارة إلى القلق المتزايد نتيجة حدوث عمليات نقل أسلحة إلى الأراضي اللبنانية لمصلحة الميليشيات المسلحة، وفي بعده السياسي حسم هوية مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، إذا كانت سورية أو لبنانية لقطع الطريق على استمرار استغلال “حزب الله” وضعها الشائك لتبرير نشاطه العسكري تحت عنوان تحريرها من إسرائيل.
ويطالب لبنان بانسحاب إسرائيل من مزارع شبعا على أنها أراض لبنانية، في حين تعدها الأمم المتحدة أراضي سورية محتلة منذ عام 1967، وأي عملية عسكرية تجري فيها هي تعد للخط الأزرق وانتهاك للقرارات الدولية.
أما القرار الدولي 1701، فجرى اعتماده في الـ11 من أغسطس (آب) 2006، ودعا إلى التطبيق الكامل لبنود اتفاق الطائف والقرارين 1559 و1680 بما فيها تجريد كل الجماعات اللبنانية من سلاحها وعدم وجود قوات أجنبية إلا بموافقة الحكومة، وكان هدفه “حل النزاع اللبناني – الإسرائيلي”، إذ طالب “بالوقف الكامل للأعمال العدائية، أي تسحب إسرائيل كل قواتها من لبنان بالتوازي مع انتشار الجنود اللبنانيين ويونيفيل في كل أنحاء الجنوب”. وبذلك هدف هذا القرار إلى “حل طويل الأمد يعتمد على نزع سلاح كل الجماعات المسلحة في لبنان، في إشارة واضحة إلى ’حزب الله‘، على ألا يتم وجود أي قوى أجنبية في لبنان من دون موافقة حكومته، إضافة إلى تأكيد الاحترام الكامل للخط الأزرق”.
انقلاب على الـ1559
منذ بدء المعارك بين “حزب الله” وإسرائيل برز النقاش حول تطبيق القرارين 1559 و1701 كأحد المحاور الأساسية، لإعادة الهدوء إلى جنوب لبنان، إلا أن انقساماً آخر برز في هذا السياق، إذ يسعى رئيس مجلس النواب نبيه بري وحلفاؤه أبرزهم النائب السابق وليد جنبلاط لفصل القرار 1559 الذي يطالب بسحب سلاح “حزب الله” عن القرار 1701، في حين تصر المعارضة وفي مقدمهم رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع وحلفاؤه على التمسك بترابط وتزامن تنفيذ جميع القرارات الدولية.
وكثيراً ما حاول “حزب الله” الانقلاب على القرار 1559 وبرز ذلك من خلال رسالة غير رسمية لفرنسا عام 2022، للمطالبة بفقرة تتضمن شطب القرار 1559 ضمن نص تجديد ولاية “يونيفيل”، لكن الاقتراح حينها اصطدم باعتراض بريطاني – أميركي، وتكرر الأمر عام 2023 حين اقترحت الحكومة عبر وزير الخارجية نصاً لقرار التمديد يشطب الفقرة التي تشير إلى مرجعية القرارين 1559 و1680، الذي لم يحظ بتوافق دولي.
الغياب الرسمي
وفي السياق أشار رئيس مؤسسة “جوستيسيا” والعميد في الجامعة الدولية للأعمال في ستراسبورغ المحامي الدكتور بول مرقص، إلى أن القرارات الثلاثة تشدد بقوة على حاجة لبنان إلى تطبيق نظام مستقل سيادي يراعي مبادئ الاستقلالية والحكم الذاتي، لافتاً إلى أن القرار 1701، الذي صدر عام 2006، كان في مصلحة لبنان وكان يجب على “حزب الله” والحكومة أن يكونوا أكثر حرصاً على تطبيقه، كاشفاً عن أن الحكومة ناشدت المجتمع الدولي لإصدار هذا القرار لكن سرعان ما أهملته بعد توقف إطلاق النار.
ولفت إلى أن ممثلي السلطة في لبنان يصرون الآن على تطبيق القرار بينما يسعى “حزب الله” إلى ربط وقف إطلاق النار في جنوب لبنان بالتوصل إلى اتفاق حول قطاع غزة، مما يعكس تناقضاً واضحاً في المواقف، منتقداً غياب القرار الرسمي الواضح حول آلية تطبيق القرار 1701. واعتبر أن الحكومة لم تتخذ خطوات فعالة للتعامل مع ملف الحرب وفقاً للمادة 65 من الدستور التي أناطت بها السلطة الإجرائية.