المصدر: النهار
كيف يغير الذّكاء الاصطناعي التّوليدي مشهد الابتكار المؤسّسي؟
تناول المقال التطورات السريعة في الذكاء الاصطناعي التوليدي وكيفية تأثيره على الابتكار في المؤسسات، حيث أصبح الانتقال من الفكرة إلى الإنتاج يتم بسرعة غير مسبوقة. أكّد سري إلابرولو من Amazon Web Services على أهمية المرونة والتجريب المستمر لتبني هذه التقنية وتعظيم الاستفادة منها.
مقالة نشرتها صحيفة “وول ستريت جورنال” سلطت الضوء على الارتفاع الملحوظ في الاهتمام بالذكاء الاصطناعي التوليدي، وذلك بالتزامن مع ظهور العديد من التقنيات الحديثة في هذا المجال. المقالة تضمنت مقابلة مع سري إلابرولو، رئيس مركز الابتكار للذكاء الاصطناعي التوليدي في Amazon Web Services، حيث تناول التطورات السريعة في هذا القطاع وكيفية استفادة الشركات والمؤسسات منها.
وفقاً لإلابرولو، شهد الذكاء الاصطناعي التوليدي اهتمامًاً كبيراًً في أواخر عام 2022 عندما بدأ العالم يدرك إمكاناته التحويلية، سواء على مستوى المستهلكين أو الشركات. رغم ذلك، لم تكن معظم المؤسسات في تلك الفترة مستعدة للاستفادة من هذه التقنية وتكييفها لتلبية احتياجاتها. وقد شهد عام 2023 انطلاقة العديد من المبادرات التجريبية حيث استكشفت الشركات إمكانيات التقنية، ثم بدأت المرحلة التالية وهي الانتقال إلى الإنتاج الكامل. هذا التطور ساهم كثيراً في تسريع استخدام الذكاء الاصطناعي، ليمتد إلى تحسين الكفاءة وخلق تجارب جديدة للعملاء.
وفي سياق الحديث عن الفروقات الرئيسية التي جعلت هذا التطور التقني مختلفاًً عن غيره، أشارت “وول ستريت جورنال” إلى أن الذكاء الاصطناعي التوليدي يشهد تطوراًً سريعاًً مع نضوج التكنولوجيا وتوفر مجموعة متنوعة من النماذج والخدمات الجديدة. وهذا الأمر يجعل من الممكن للمؤسسات الانتقال من مرحلة الفكرة إلى الإنتاج الكامل في غضون بضعة أشهر، وهو أمر نادر في تاريخ التقنيات السابقة. وكمثال على هذا التحول السريع، ذكر إلابرولو قصة شركة DoorDash، التي طوّرت حلاًً يعتمد على الذكاء الاصطناعي التوليدي للتعامل مع مئات الآلاف من المكالمات اليومية. وأكّد أن هذا الحل أدى إلى تحسين تجربة العملاء بفضل سرعة التحول من الفكرة إلى التنفيذ خلال شهرين فقط.
أما بخصوص كيفية الاستفادة المثلى من الذكاء الاصطناعي التوليدي، فأوضح إلابرولو في مقابلته مع الصحيفة أن الانتظار لم يعد الخيار الأفضل في ظل التحرك السريع للتكنولوجيا. بدلاً من ذلك، ينصح المؤسسات ببدء التجربة الفورية، خاصة من خلال دمج حالات استخدام موجودة بالفعل وتحسينها باستخدام الذكاء الاصطناعي. يُساعد هذا النهج الشركات على تحقيق نتائج سريعة مثل توفير التكاليف وزيادة الكفاءة، ما يشجعها على الانتقال تدريجياً إلى مبادرات أكثر تعقيداً.
تسلط المقالة الضوء على العوامل التي تجعل المؤسسات قادرة على مواكبة التغيير السريع. ووفقاً لإلابرولو، تُعد “المرونة” العنصر الأساسي في هذا السياق. فالتكنولوجيا تتغير بسرعة في العديد من الجوانب، بدءاًَ من نماذج الأساس إلى الأنماط المعمارية، لذلك من المهم أن تبقى المؤسسات مرنة وغير مقيدة بنموذج أو هيكلية معينة لضمان قدرتها على التطور بسرعة ومواكبة التحديثات المستقبلية.
تطرقت المقالة أيضاً إلى مثال عملي على أهمية المرونة، من خلال تجربة شركة Thomson Reuters، التي طورت مجموعة من تطبيقات الذكاء الاصطناعي التوليدي القائمة على الويب لمساعدة موظفيها على الابتكار بأمان وسرعة. بفضل هذه المرونة، تمكنت الشركة من نشر التطبيقات في غضون ساعات بدلاً من أيام، ما يبرز أهمية التكيف واختيار النماذج المناسبة في الوقت المناسب.
وفي ما يتعلق بالكيفية التي يمكن بها للمؤسسات الحصول على أقصى استفادة من الذكاء الاصطناعي التوليدي، أكد إلابرولو أن نجاح الذكاء الاصطناعي لم يعد مقتصرًاً على علماء البيانات والمهندسين فقط، بل يعتمد اعتماداً كبيراً على الجمع بين الرؤية التجارية والمدخلات التقنية لتمكين الحلول التكنولوجية من خدمة الأهداف الاستراتيجية للمؤسسة. وشددت المقالة على أهمية تمكين القوى العاملة وتثقيفها، ما يُعزز من إمكانيات الابتكار ويُسهم في بناء الثقة داخل المؤسسات.
وعن الاختيار بين نماذج الذكاء الاصطناعي المتاحة، أشار إلابرولو إلى أنه “لا يوجد نموذج واحد يُعتبر الأفضل على الإطلاق”. بل أوضح أن “المزج بين النماذج أصبح ممارسة شائعة وفعالة”، حيث يمكن للعملاء الاستفادة من نماذج عدة في حل واحد، وذلك بناءًً على التحديات التي يواجهونها.
وأشارت وول ستريت جورنال أيضًاً إلى تزايد الاهتمام بتخصيص نماذج الذكاء الاصطناعي من قبل العديد من المؤسسات. ووفقاً لإلابرولو، أصبح من الواضح أن استخدام النماذج الأصغر وضبطها ببيانات خاصة يمكن أن يحقق استجابات أكثر دقة وملاءمة للاحتياجات. وقد تم تسليط الضوء على مثال SK Telecom في كوريا الجنوبية، التي تمكّنت من تحسين نموذج ذكاء اصطناعي للإجابة عن الأسئلة التقنية الخاصة بقطاع الاتصالات، ما أدى إلى تحسين كبير في أداء الاستجابة.
وفي إطار النقاش حول تحولات توقعات صناع القرار بشأن الذكاء الاصطناعي التوليدي، أكدت وول ستريت جورنال أن الشركات بدأت تتفهم أكثر ما هو ممكن عمليًاً في المدى القريب من استخدام الذكاء الاصطناعي، كما أصبحت أكثر واقعية في تقييم الإمكانات الحالية والمستقبلية.
وعن المستقبل، توقع إلابرولو أن الذكاء الاصطناعي التوليدي سيشهد تبنياًً أكبر لوكلاء الذكاء الاصطناعي (agents) الذين يمكنهم تنظيم سير العمل، بالإضافة إلى ظهور استخدامات متعددة الوسائط تتجاوز النص إلى مزج الصور والفيديو والصوت لإنتاج مخرجات متعددة الأشكال. وأكّد في النهاية ضرورة دمج متطلبات الأمان والامتثال التنظيمي والذكاء الاصطناعي المسؤول في مراحل التصميم الأولية لأي حل لضمان استدامة استخدامه بطرق آمنة وفعالة.
تُقدّم لنا هذه المقابلة المنشورة في “وول ستريت جورنال” لمحة عن التحدّيات والفرص الكبيرة التي يجلبها الذكاء الاصطناعي التوليدي في مختلف الصناعات، وتُذكّرنا بأهمية المرونة والإقدام على التجريب والابتكار لتحقيق أقصى قيمة من هذه التقنية التحويلية.