المصدر: صوت لبنان
ماري جو سمنة ابي نادر تستعرض عبر صوت لبنان الخطوات الضرورية لمعالجة الأزمة المالية في لبنان
لفتت ماري جو سمنة ابي نادر، الخبيرة بالقانون والامتثال ضمن برنامج “نحنا والاقتصاد” عبر صوت لبنان الى انه في اكتوبر 2024 أُدرج لبنان رسميًا على اللائحة الرمادية التابعة لمجموعة العمل الدولية FATF ، وهي الهيئة المعنية لمكافحة تبييض الاموال وتمويل الارهاب، معتبرة ان هذا الادراج لم يكن مفاجئا، بل جاء نتيجة لتراكمات طويلة وفشل واضح في اتخاذ اجراءات اصلاحية كافية، رغم التحذيرات المتكررة وعمليات التقييم السابقة.
وأضافت: “إدراج لبنان على هذه اللائحة لم يكن حدثًا اداريًا عابرًا، بل فتح الباب أامام سلسلة من التداعيات المالية والاقتصادية التي طفت الى السطح، أبرزها ما يعرف بسياسة تقليص المخاطر، اذ بدأت المصارف الاجنبية بإعادة النظر في علاقاتها مع المؤسسات اللبنانية وتوقفت بعضها عن فتح حسابات جديدة للبنانيين او المقيمين في لبنان، وهو ما زاد من صعوبة العمليات المصرفية والتحويلات الخارجية وخفّض من جاذبية السوق اللبنانية للمستثمرين.
وقالت: ” تقرير FATF جاء ليضع إصبعه على 15 خللاً جوهريًا في النظام اللبناني”، من أبرزها:
-ضعف استقلالية القضاء، والخضوع لتأثيرات سياسية.
-غياب التعاون القضائي الدولي.
– قصور في أداء هيئة التحقيق الخاصة SIC وعدم فاعلية تقاريرها.
– التستّر على المستفيدين الحقيقيين من الاموال.
-ضعف الرقابة على القطاع المالي غير المصرفي وغياب نظام مركزي فوري لكشف اليهاكل المالية المشبوهة.
-تفشي اقتصاد الكاش وانتشار كيانات غير منظّمة، مثل (القرض الحسن)، التي تمارس نشاط الإقراض خارج الأطر القانونية.
ورأت ان هذه الملاحظات ليست فنية فقط، بل تفتح الباب أمام تساؤلات جوهرية حول قدرة لبنان على الحفاظ على ارتباطه بالنظام المالي العالمي، خاصة اذا لم تتم معالجة هذه الثغرات ضمن مهلة زمنية تمنحها FATF وهي عادة بين سنة الى ثلاث سنوات.
وأكدت ان لبنان لم يقف مكتوف اليدين، فقد بادر مصرف لبنان الى إصدار تعميم فرض من خلاله على المصارف تشكيل وحدتين خاصتين بمراقبة العمليات ومكافحة الفساد، كما شُكّلت لجنة امتثال خاصة من خبراء قانونيين ومصرفيين طُلب منها اعداد خارطة طريق تعالج النقاط الواردة في تقرير FATF ،كما واكب ذلك اقرار قانون لرفع السرية المصرفية، كذلك هناك مشروع قانون لإعادة هيكلة القطاع المصرفي يُنتظر مناقشته في مجلس النواب، ما يفتح الباب لبدء اصلاح هيكلي أعمق طال انتظاره.
وأوضحت انه بالرغم من ان كثيرين يظنون ان ادراج لبنان على لائحة FATF الرمادية يعني تلقائياً إدراجه على اللائحة السوداء الاوروبية، فإن الواقع اكثر تعقيدًا، ، كون الاتحاد الاوروبي يعتمد على تقارير FATF كبوصلة، لكنه يجري تقييمه الخاص، واذا تبّين له ان الدولة لم تبادر الى تصحيح المسار قد يصدر قرارًا بإدارجها على لائحته السوداء التي تعني عزلة مالية حقيقية وتصنيف الدولة كغير متعاونة.
وأضافت: “هنا تبرز أهمية الفرق الزمني والتقني بين الادراج على اللائحة الرمادية والإدراج الاوروبي، حيث يمنح لبنان فترة تمتد الى أوئل عام 2026 لإثبات جديته في الاصلاح”.
ولفتت الى انه حتى قبل إدراج لبنان رسميًا على اللائحة الرمادية، كانت بعض المصارف الاجنبية تتخذ اجراءات احترازية من تلقاء نفسها، اما اليوم فأصبحت تلك الإجراءات الزامية ومؤسساتية، وتشمل:
-تأخير التحويلات المالية بسبب تدقيق اضافي شامل.
-زيادة كلفة الحوالات او التوقف عن تنفيذها.
-تراجع رغبة المستثمرين في دخول السوق اللبنانية.
– تشديد تدقيقKYC وDUE DILIGENCE حتى على العمليات البسيطة.
-رقابة ضريبية مشددة على المعاملات من قبل الجهات الاوروبية.
وتابعت: “هكذا تحول لبنان الى حالة مالية قيد المراقبة الدولية، وكل تعامل مالي صادر او وارد أصبح عرضة للفحص والتدقيق الدقيق من قبل المصارف الوسيطة الدولية”.
وقالت:” في ظل هذه المعطيات ازداد الاعتماد على اقتصاد الكاش، وهو ما خلق حلقة مفرغة، كما تراجعت الثقة بالنظام المصرفي، وزاد اللجوء الى التعامل بالكاش، وكلما تفشى الكاش تراجعت فعالية اجراءات الامتثال، وعزز ذلك عزلة لبنان المالية، حتى انKYC أصبحت بلا معنى فعلي، عندما يتم التصريح بمداخيل وحسابات لا تعكس حركة الاموال الفعلية المتداولة نقدًا، وبات حجم التداول النقدي في لبنان يتجاوز المنطق الاقتصادي قياسًا الى الناتج المحلي الإجمالي ما يصعب تتبع الأموال ويعيق مكافحة التهرب الضريبي وتمويل الأنشطة غير الشرعية.
ولفتت الى ان المطلوب اليوم للخروج من الأزمة ليس فقط اصلاحات قانونية بل إعادة بناء الثقة، ومن دون خطة متكاملة سيبقى لبنان في حالة دوران داخل أزمة مزمنة.
وعددت أبرز خطوات الخروج من الأزمة، وهي:
-تعزيز الدفع الالكتروني على حساب النقد.
-تفعيل الشفافية الكاملة في مصادر الاموال.
-محاربة الاقتصاد الموازي وغير المرخص (القرض الحسن).
-تطبيق صارم لأجراءات KYC وDUE DILIGENCE
وأكدت ان (القرض الحسن) لم يُذكر في اي تقرير دولي بل ان ما ذُكر هو الشركات غير المرخصة، بالتالي يجب أخذ القرار الجذري بإقفاله، موضحة ان من يعطي الرخصة بانشاء مصرف او اغلاقه، هو مصرف لبنان، اي ان قضية (القرض الحسن) هي سياسية، وهي ضد مشيئة مصرف لبنان.
وختمت حديثها بالقول:” لبنان تضرر كثيرا منذ 2019 لغاية اليوم، انما المرحلة المقبلة جيدّة، فالجو العام إيجابي على الرغم من كل ما يجري في المنطقة”.