مجتمع
الأربعاء ٢ تشرين الأول ٢٠٢٤ - 16:36

المصدر: الحرة

مع اشتداد التصعيد والقصف.. رحلات هروب يائسة من جنوبي لبنان

منذ الثالث والعشرين من سبتمبر، كثَّّف الجيش الإسرائيلي قصفه في لبنان، على مواقع قال إنها لجماعة حزب الله، خاصة تلك المتواجدة جنوبي البلاد، قبل أن يعلن عن “توغل بري محدود”، لينطلق اللبنانيون في موجات نزوح ضخمة، هربا من التصعيد.

وكانت إسرائيل قد أعلنت أن إعادة سكان شمالي البلاد، الذين نزحوا جراء تبادل إطلاق النار عبر الحدود مع حزب الله منذ الثامن من أكتوبر الماضي، إلى منازلهم، تعد “أولوية”، معتبرة أن مواجهة حزب الله، المصنف على لوائح الإرهاب في أميركا ودول أخرى، ضروري للقيام بذلك، رغم الدعوات الدولية للتهدئة.

وأدت هذه التطورات إلى نزوح المدنيين من قرى وبلدات بجنوب لبنان، ومن الضاحية الجنوبية للعاصمة بيروت، التي تعد المعقل الرئيسي لقيادات حزب الله.

وكان رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية، نجيب ميقاتي، قد اعتبر، الثلاثاء، أن بلاده تواجه واحدة من “أخطر المحطات” في تاريخها، مع نزوح نحو مليون شخص جراء “الحرب المدمرة” التي تشنها إسرائيل.

وناشد ميقاتي خلال اجتماع مع ممثلين عن الأمم المتحدة في لبنان، الجهات المانحة تعزيز دعمها لإغاثة النازحين.

“نجلب الحرب معنا”

ووفقا لتقريرين لصحيفة “وول ستريت جورنال” ومجلة “فورين بوليسي” الأميركيتين، فإن الكثير من النازحين والمصابين المدنيين، عانوا الكثير من الويلات والمآسي منذ أن كثف الجيش الإسرائيلي قصفه وهجماته قبل نحو 10 أيام.

ففي المأوى المؤقت بمدرسة صبحي صالح في غرب بيروت، كان محمد سلطان ينتظر ابنته بعد أن أمضى 19 ساعة على الطريق، إثر نزوحه من قريته بمنطقة مرجعيون جنوبي لبنان.

وأوضح سلطان أن سكان القرية قرروا الفرار بعد مقتل 4 مدنيين في غارات جوية، لافتا إلى أن ابن عمه كان من بين الضحايا.

وأضاف سلطان (74 عامًا)، في حديثه إلى “وول ستريت جورنال”: “قيل لنا إن ما تبقى منه (ابن عمه) لا يمكن أن يكون أكثر من كيلوغرامين من أجزاء الجسم”.

وفي مدرسة بالقرب من منتجع عاليه الجبلي، على بعد حوالي 20 كيلومترا من بيروت، وزعت مؤسسة “أنيرا” الخيرية ومقرها واشنطن، المراتب (للنوم) وغيرها من الإمدادات.

كانت نهلة سرور تستقر في أحد الفصول الدراسية مع زوجها وابنتيهما و4 أحفاد، لافتة إلى أن ابنها الوحيد محمد لقي حتفه وهو يقاتل مع حزب الله في سوريا عام 2015.

وتقول هي وزوجها إنهما يدعمان الجماعة المسلحة لأنها “حررت بلدتهما عيتا الشعب من الاحتلال الإسرائيلي” عام 2000، وفق الصحيفة الأميركية.

نزحت الأسرة مرارًا بسبب القتال على مدار العام الماضي، حيث كانوا يقيمون في شقة مستأجرة في جنوب لبنان عندما بدأ القصف الإسرائيلي في 23 سبتمبر، مما أدى إلى إصابة حفيدها، كما تقول سرور.

وأضافت أنهم قضوا 20 ساعة في طريقهم إلى شمالي لبنان، حيث أقاموا في 4 مدارس قبل يستقروا في المدرسة الحالية.

من جانبها، قالت ابنة سرور، رنا، عن المجتمعات التي استضافتهم على مدار العام الماضي: “إنهم يعتقدون أننا نجلب الحرب معنا”.

“لبنان لديه ما يكفي من المشكلات”

من جانبها، أكدت سامية عياش، وهي معلمة في الستينيات من عمرها، أنها قضت أكثر من 17 ساعة للعثور على مكان في مدرسة تحولت إلى مأوى لعائلتها بعد فرارهم من الجنوب في 24 سبتمبر.

وكان ذلك هو اليوم الثاني الذي تعرضت فيه قريتهم حاروف للقصف، بعد أن نجت من ذلك طوال العام الماضين، مضيفة “سقط صاروخ في حديقة جارنا لكنه لم ينفجر”.

وأردفت عياش: “ركبت مع زوجي وأودلاي الستة وحفيدتي سيارة واحدة دون أن نجد الوقت الكافي لحزم الضروريات، بما في ذلك الأدوية لزوجي الذي يعاني من مرض السكري وارتفاع ضغط الدم.

وزادت: “كنا نبتهل إلى الله حتى نصل إلى بر الأمان”.

في حرب عام 2006، لجأت أسرة  عياش إلى منزل شقيقها بالضاحية الجنوبية لبيروت، لكن هذه المرة نزح هو أيضًا، خوفًا من أن تستمر إسرائيل في استهداف تلك المنطقة.

وقالت إنه كان من الصعب بالفعل البقاء على قيد الحياة في ظل الأزمة المالية في لبنان، مما يعني أن راتبها ومعاش زوجها التقاعدي من الجيش لن يغطيا نفقاتهم الأساسية.

وختمت بالقول: “لبنان لا يحتاج إلى حرب. لدينا ما يكفي من المشاكل”.

عين الدلب.. ومأساة زهرة

من جانبها، رصدت “فورين بوليسي” في تقريرها معاناة النازحين والمصابين من قرية عين الدلب، بجنوب لبنان، التي كان قد قتل فيها 45 شخصا عقب غارة جوية إسرائيلية، الأحد الماضي، حسب وزارة الصحة اللبنانية.

وأخبر السكان المحليون المجلة  الأميركية أنه “لم يتواجد عناصر جماعة حزب الله” في عين الدلب، التي يتألف أغلب سكانها من المسيحيين والمسلمين السنة، لكنها كانت تستضيف بعض العائلات من النازحين من قرى جنوبية أخرى.

من جانبهم، توافد العشرات من المصابين لتلقي العلاج في مستشفيات مدينة صيدا، حيث أوضحت عبير الحباب، الممرضة التي طلبت عدم ذكر اسم مستشفاها خوفًا من الغارات الجوية، أن العيادات في جميع أنحاء لبنان “تم تدريبها على التعامل مع حالات الإصابات الجماعية في أعقاب هجمات حماس في 7 أكتوبر 2023 ضد إسرائيل”، مدركة أن لبنان قد يُجر إلى الصراع.

وقالت حباب أن حجم الإصابات في الأسبوع الماضي كان كبيرا، مضيفة: “الاجتياح البري سيشل نظام الرعاية الصحية لدينا”.

وفي نفس المستشفى، استمع مراسلو المجلة إلى قصص مصابين جرى وصفها بـ”المروعة”، ومن بينها حكاية الطفلة زهرة عاصي، البالغة من العمر 8 سنوات، التي كانت تلعب في الخارج عندما ضربت الغارة عين الدلب.

وكانت العاصي تلعب مع أطفال آخرين من منطقتها، حيث كانوا يطاردون بعضهم البعض بين الأشجار، وهم يضحكون. ثم سقطت القنبلة قربها، مما أدى إلى إصابتها بجروح بالغة في ساقها، ومقتل والدتها وشقيقيها، بينما لا يزال والدها مفقودًا.

كانت عائلة عاصي، التي تنحدر من قرية تقع جنوب مدينة صور الساحلية، قد فرت من منزلها قبل أسبوع، بحثاً عن ملجأ في عين الدلب، حيث كان لديهم معارف.

وكانوا يقيمون خارج حديقة المبنى السكني لأنهم اعتقدوا أنه سيكون آمناً.

في المستشفى، جلس جدا الطفلة بجانبها، دون أن يمتلكا الشجاعة لإخبارها عن الوفيات في عائلتها.

وقال جدها البالغ من العمر 60 عاماً، علي قانصو: “نستمر في إخبارها بأنهم يتعافون في مستشفى آخر”. واعترف بأنه يشعر بالذنب لأنه كذب على الطفلة، لكنه قال إنها لن تكون قادرة على التعامل مع الأخبار، مستطردا: “يجب أن تتعافى أولاً”.

وأعرب قانصو “غضبه من إسرائيل”، مشيرا إلى أنه “لم يعد هناك أماكن آمنة في لبنان”، مردفا: “يأتون إلى هنا لقتل المدنيين والأطفال”.

وزاد بغضب: “لا أريد الحرب، ولا أريد القتال، لكن إذا حاولوا غزو بلدنا بالكامل، فسأقاتل”، ثم التفت إلى زهرة، مبتسماً برفق لحفيدته.

يذكر أن إسرائيل أكدت أن توغلها البري في لبنان سيكون “محدودا ومركزا”، مشيرة إلى أنها تستهدف عناصر حزب الله والبنى التحتية الخاصة به.