تكنولوجيا
الثلاثاء ٢٨ كانون الثاني ٢٠٢٥ - 13:25

المصدر: النهار

نموذج جديد يفسر كيفية تشفير الذكريات المكانية والحوادثية في الدماغ

ابتكر باحثون من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT) نموذجاً حاسوبياً جديداً يفسّر كيفية استخدام خلايا الدماغ المسؤولة عن التنقّل المكانيّ لتخزين الذكريات المتعلقة بالأحداث أو ما يعرف بالذكريات الحوادثية. يشير هذا النموذج إلى أن هذه الخلايا، التي تعرف بـ”خلايا المكان”، تعمل كركيزة يمكن استخدامها لربط الذكريات كسلسلة متصلة، حتى في غياب المكوّن المكانيّ.

خلايا المكان والذكريات الحوادثية

قبل نحو خمسين عاماً، اكتشف علماء الأعصاب خلايا في الحُصين (hippocampus) مسؤولة عن تخزين ذكريات الأماكن المحددة. ومع ذلك، تبيّن لاحقاً أن لهذه الخلايا دوراً حاسمًا في تخزين الذكريات الحوادثية أيضاً، مثل أحداث حياتنا اليومية.

ورغم فهم آلية عمل خلايا المكان في تخزين الذكريات المكانية، ظل من غير الواضح كيف تقوم هذه الخلايا بتخزين الذكريات الحوادثية. لكنه وفقاً للنموذج الجديد، الذي طوره الباحثون، فإن خلايا المكان بالتعاون مع خلايا الشبكة (grid cells) الموجودة في القشرة الشمية الداخلية، تشكل بنية أساسية لتخزين الذكريات الحوادثية.

تقول البروفيسورة إيلا فييتي Ila Fiete، الأستاذة في علوم الدماغ والإدراك، والعضوة في معهد ماكغفرن لأبحاث الدماغ:
“هذا النموذج هو خطوة أولى لفهم طبيعة الذاكرة الحوادثية. إنه أساس يمكن البناء عليه لفهم أعمق للذاكرة البشرية”.

آلية عمل النموذج
في هذا النموذج، تقوم خلايا الشبكة بتحديد مواقع أو “آبار” منتظمة التوزيع في داخل الدماغ. لا تحمل هذه الآبار محتوى الذاكرة بحدّ ذاته، بل تعمل كمؤشرات لموقع الذكريات المخزنة في الشبكات العصبية بين الحُصين والقشرة الحسيّة.
عندما يتم استدعاء الذكرى لاحقاً، تقود تفاعلات خلايا الشبكة والحُصين الدماغ إلى “البئر” المناسبة، حيث يُعاد بناء محتوى الذكرى بالتفاصيل المخزنة في القشرة الحسية.
تشير فييتي إلى أن الحُصين يعمل كمؤشر أو كـ”شبكة مرجعية” يمكن من خلالها إعادة بناء الذكريات المخزنة في القشرة الحسيّة الكبيرة.

التتابع الزمني للذكريات
أحد الجوانب المميزة للنموذج هو قدرته على ربط الذكريات الحوادثية المتسلسلة، مما يتيح استعادتها بالترتيب الصحيح. كل “بئر” في الشبكة تخزن معلومات تؤدي إلى تفعيل البئر التالية، مما يسهل استرجاع تسلسل الأحداث وفق ما حدث.

الظواهر المرتبطة بالذاكرة
يفسر النموذج ظواهر متعددة في علم الأعصاب، منها:
1. النسيان التدريجي: على عكس نماذج الشبكات العصبية التقليدية التي تفشل في تخزين ذكريات جديدة عند امتلاء السعة، يظهر هذا النموذج أن الدماغ ينسى التفاصيل القديمة تدريجيًا بينما يحتفظ بالأحداث الجديدة.
2. قصر الذاكرة المكانية في “قصور الذاكرة”: يوضح النموذج كيف يمكن استغلال الذكريات المكانية كبنية أساسية لتخزين كميات كبيرة من المعلومات عبر تقنية “قصور الذاكرة”.

يخطط الباحثون لتوسيع هذا النموذج لاستكشاف كيفية تحويل الذكريات الحوادثية إلى ذاكرة “دلالية” (الحقائق التي يتم فصلها عن سياقها الأصلي)، بالإضافة إلى استكشاف إمكانية دمج هذا النموذج مع تقنيات التعلم الآلي لتحسين الأنظمة الحاسوبية المستوحاة من الدماغ.