المصدر: اندبندنت عربية
أطفال غزة يفقدون بصرهم بسبب سوء التغذية
تبدو بشرة الأجساد الهزيلة لأطفال غزة مترهلة بصورة صادمة لدرجة أنهم يشبهون حديثي الولادة وكبار السن في الوقت ذاته.
ويشير الأطباء الذين يعالجون يومياً أعداداً كبيرة من الأطفال الذين يعانون سوء التغذية – والذين يتضورون جوعاً بسبب الحصار الإسرائيلي الكامل على المساعدات الإنسانية – إلى أن بعضهم يعانون سوء التغذية لدرجة أنهم بدأوا يفقدون بصرهم.
في هذا السياق، يقول الدكتور رائد البابا، وهو متخصص في أمراض الجهاز الهضمي والتغذية في مستشفى العودة شمال غزة: “تراوح أعمار معظم الأطفال بين شهر وسنتين”. ويساعد البابا في علاج نحو 100 طفل يتم استقبالهم يومياً في المستشفى، معظمهم بسبب الجوع. ويضيف قائلاً: “يعاني عديد من الأطفال تأخر النمو (التقزم) كما يعانون إسهالاً حاداً وفقر دم. يؤدي هذا الأمر إلى الكساح (ليونة العظام وضعفها) وتقوس الركبتين وحتى عدم القدرة على الحركة. نتيجة لسوء التغذية لا يستطيعون الرؤية بوضوح. أتمنى أن يصل صوتنا إلى العالم بأسره لأن أطفالنا لا يحملون أي ذنب في هذه الحرب”.
وكانت إسرائيل فرضت حظراً كاملاً على دخول المساعدات إلى غزة قبل ثلاثة أشهر، حيث اتهم كبار المسؤولين فيها حركة “حماس” باستخدام المساعدات “لتغذية قوتها العسكرية”، من خلال سرقة السلع واستغلالها لتحقيق منفعة – وهو ما ينفيه المقاتلون.
وأدت هذه الخطوة المدمرة إلى ظروف أشبه بالمجاعة طاولت مليوني شخص يعيشون هناك، وأدخل ما لا يقل عن 9000 طفل لتلقي العلاج من سوء التغذية الحاد منذ بداية العام، بحسب أرقام منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف).
وفي سياق متصل، تقول حكومة غزة التي تديرها “حماس” أن 3500 منهم على شفير الموت. وأول الأمس الأربعاء أعلن رئيس الوزراء الفلسطيني محمد مصطفى أن غزة “منطقة مجاعة”، ودعا منظومة الأمم المتحدة بأكملها إلى تفعيل آلياتها فوراً.
وكان للأزمة تأثير مدمر بصورة خاصة على الرضع والأمهات المرضعات والحوامل. وبحسب مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة (أوتشا)، فإن 92 في المئة من الرضع الذين تراوح أعمارهم ما بين 6 و23 شهراً والأمهات الحوامل والمرضعات لا يحصلون على حاجاتهم الغذائية.
وفي غضون ذلك دانت منظمة العفو الدولية هذا الحصار ووصفته بأنه “إبادة جماعية مستمرة”، واعتبرته جزءاً من “سياسة فرض ظروف معيشية متعمدة على الفلسطينيين في غزة تهدف إلى تدميرهم جسدياً”.
من جهته أعلن برنامج الأغذية العالمي الشهر الماضي عن نفاد جميع مخزوناته الغذائية في غزة، واضطرت جميع المخابز البالغ عددها 25، والتي يدعمها البرنامج إلى إغلاق أبوابها. كما صرح متطوعون محليون لـ”اندبندنت” بأن الإمدادات التي بحوزتهم تكفي لأقل من أسبوع واحد.
في غزة وصفت العائلات الارتفاع الجنوني في أسعار المواد الغذائية التي بلغت في بعض الحالات 10 أضعاف، هذا إن كانت متوافرة أصلاً. وتخطى سعر كيس دقيق فاسد وزنه 25 كيلوغراماً 220 جنيهاً استرلينياً (292 دولاراً) وكيلو الرز 8 جنيهات استرلينية (10.6 دولار) في حين أن اللحوم غير متوافرة إطلاقاً.
ومع انتشار حال من اليأس والإحباط أدى ذلك أيضاً إلى اندلاع أعمال نهب عنيفة، حيث وصف عمال الإغاثة مشهداً لأفراد مسلحين يحاولون الاستيلاء على آخر الفتات المتاح وسط خشية من تفاقم الوضع، حيث أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن نيته في بدء هجوم “مكثف” موسع ضد “حماس” في غزة.
وتزامناً مع ذلك سيطرت القوات الإسرائيلية بالفعل على نحو ثلث القطاع المحاصر الذي يبلغ طوله 42 كيلومتراً، مما أدى إلى تهجير السكان وبناء أبراج مراقبة ومواقع استطلاع على الأراضي التي طهرها الجيش وحددها على أنها “مناطق أمنية”. غير أن الخطة الجديدة – التي تأتي بعد أسابيع من تعثر مفاوضات وقف إطلاق النار مع “حماس” – ستذهب إلى أبعد من ذلك، لتشمل الاستيلاء على أجزاء غير محددة من القطاع ولأجل غير مسمى، فضلاً عن التهجير القسري للمدنيين “حفاظاً على سلامتهم”، والتحكم في إيصال المساعدات.
وحذر وزير المالية الإسرائيلي اليميني المتطرف بتسلئيل سموتريتش أنه عبر هذه الخطة الجديدة “سيتم تدمير غزة بالكامل في غضون بضعة أشهر”.
وأضاف في معرض حديثه في مؤتمر حول المستوطنات في الضفة الغربية المحتلة – التي تعتبر غير قانونية بموجب القانون الدولي – أن سكان غزة سيحشرون في منطقة صغيرة في جنوب غزة. “أما سائر القطاع فسيكون فارغاً”، بحسب ما نقلت عنه صحيفة “تايمز أوف إسرائيل”.
وتابع قائلاً “سيتركز سكان غزة في الجنوب. سيشعرون باليأس التام، إذ سيدركون أنه لا أمل لهم ولا شيء ينتظرهم في غزة، وسيبحثون عن سكن جديد لبدء حياة جديدة في أماكن أخرى”.
وتواصلت “اندبندنت” مع الجيش الإسرائيلي الذي رفض التعليق على المسألة، كما تواصلت مع مكتب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، لكنها لم تحصل على جواب حتى اللحظة، بيد أن العمليات العسكرية الحالية داخل غزة وخطة التوسع أثارت قلق المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، حيث صرح مسؤولون لصحيفة “هآرتس” ذات التوجه اليساري بأن الرهائن الـ59 المتبقين في غزة – والذين يرزحون هم أيضاً تحت الحصار – قد يتم التخلي عنهم ويموتون جوعاً في غضون أيام إذا اتسع نطاق الهجوم على غزة.
أثارت هذه الحالة المزرية قلقاً بالغاً لدى المجتمع الدولي. وفي هذا السياق طلب ستة أعضاء في مجلس الشيوخ الأميركي، بينهم بيرني ساندرز وإليزابيث وارن وبيتر ويلش من هيئة الرقابة التابعة للكونغرس [المقصود “مكتب محاسبة الحكومة”U.S. Government Accountability Office (GAO) وهو وكالة مستقلة وغير حزبية تعمل لمصلحة الكونغرس] التحقيق فيما إذا كانت القيود التي تفرضها إسرائيل وحكومات أجنبية أخرى على إيصال المساعدات الإنسانية تشكل انتهاكاً للقانون الأميركي، وفقاً لرسالة اطلعت عليها وكالة “رويترز”.
وفي غزة، وصفت العائلات كيف تكافح للاستمرار مع الحصول على وجبة واحدة في اليوم.
في هذا الإطار، تقول ناجية أبو الروس، وهي أم تبلغ 33 سنة تهجرت خمس مرات من مدينة رفح جنوبي غزة بأن “الخبز أصبح من الماضي” ويقتصر غذاؤهم اليوم على إطعام أطفالها الرز والملح والماء. وتصف كيف يدخل والدها المصاب بالسكري في غيبوبة متكررة بسبب نقص الطعام، وكيف يطهون على نيران يقومون بإشعالها من البلاستيك والملابس القديمة.
وتضيف “يشعر الأطفال بالدوار كما تفشت الأمراض الجلدية بسبب انتشار الحشرات. لا نريد شيئاً من العالم سوى وقف الإبادة الجماعية. لا نطلب أي شيء آخر”.
مصطفى الدعدر (30 سنة)، وهو عامل إغاثة متطوع يصف الوضع في غزة “بالمرعب بكل ما للكلمة من معنى”. ويقول إن المطبخ الذي يعمل فيه لدعم مبادرات التغذية تعرض لمداهمة من قبل عصابات مسلحة حاولت الاستيلاء على المبنى، وفي النهاية تمكن العاملون من صدهم. وتابع: “ربما قام بعض الأشخاص الجوعى باقتحام المبنى بسبب الجوع الشديد واليأس، بحثاً عن أي طعام لإشباع جوعهم”، مناشداً العالم من أجل تأمين “لقمة واحدة من الطعام لإشباع الجوع ورشفة من الماء النظيف ومأوى آمن”. وأضاف “حتى لو لم تتمكنوا من وقف المجزرة، فلا تتواطأوا في الصمت. رسالتنا للعالم بسيطة: لا نطلب الرفاهية، بل نطلب النجاة. نريد من العالم أن يشعر بنا وأن يستمع لبكاء طفل جائع ويرى دموع أم ثكلى. نحن نريد الحياة وحسب”.
واندلعت الحرب بعدما شن مقاتلون تابعون لحركة “حماس” هجوماً على جنوب إسرائيل في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 أدى إلى مقتل نحو 1200 شخص وأسر نحو 251 رهينة. وتقول إسرائيل أن 59 رهينة ما زالوا في غزة ومنهم 35 يعتقد أنهم فارقوا الحياة.
وأسفر الهجوم الإسرائيلي الذي أعقب ذلك عن مقتل أكثر من 52 ألف شخص في غزة غالبيتهم من النساء والأطفال، وفقاً لمسؤولي الصحة الفلسطينيين.