محلية
الثلاثاء ٨ تموز ٢٠٢٥ - 15:49

المصدر: المدن

أُجراء الجامعة اللبنانية بلا تعويضات: العيش بكرامة صار حلماً

لم يترك أجراء وإداريو الجامعة اللبنانية المتقاعدون جهّة معنيّة الّا وتواصلوا معها لعرض قضيتهم المحقّة، ولم يتلقوا سوى الوعود.
من أجراء وإداريين في الجامعة اللبنانية يتمتّعون بكامل حقوقهم، إلى متقاعدين قست عليهم أزمة 2019 التي عصفت بلبنان، فتحولت قضيتهم إلى مأساة يومية يحاولون الخروج منها بأقلّ الخسائر.

لكن صرخاتهم الدائمة وتحركاتهم المستمرة لم تلق الصدى المطلوب عند الجهات المعنية، على الرّغم من تعاطف الجميع معهم.

لم تترك هذه الفئة المغلوب على أمرها بابًا إلّا وطرقته، عارضةً قضيتها المحقّة، وشارحةً الحلول السريعة التي يمكن أن تحسّن أوضاعهم اليومية، في انتظار حلٍّ نهائيٍّ عادل، بعد 45 سنة من الخدمة في الجامعة اللبنانية بوفاءٍ وانتماء.

كانت أزمة عام 2019 قاسية على جميع موظفي القطاع العام، إذ خسروا ما يزيد عن 80% من قيمة تعويضاتهم. لكنّ هؤلاء الأُجَراء يختلفون سلبًا عن رفاقهم في القطاع العام، إذ إنهم، إلى جانب خسارة قيمة تعويضات نهاية الخدمة، لا ينالون أيّ مساعدات كالتي يحصل عليها غيرهم، ما يزيد من صعوبة تدبير شؤونهم الحياتية اليومية، ويجعل عيشهم بكرامة واستقرار ماديّ أكثر تعقيدًا.

أموال التعويض “طارت”
في نهاية التسعينيات، أُقرّ قانون الدخول إلى الملاك الإداري في الجامعة اللبنانية، فاختارت قلّة قليلة البقاء أُجراءً لأنهم لم يرغبوا في الانتساب إلى تعاونية موظفي الدولة، إذ كانت تقديمات الضمان الاجتماعي في الاستشفاء أفضل، ومعاملاته أسرع وأسهل.

ويشرح رئيس لجنة المتابعة للأجراء والإداريين المتقاعدين في الجامعة اللبنانية، سامي ياسين، أنّ رواتب الأجراء آنذاك كانت أفضل من رواتب موظفي الملاك: “كنّا ننال درجة كل سنتين، أي ما يعادل 10% من أساس الراتب، ووضعنا أموالنا في الضمان الاجتماعي لنقبض بعد التقاعد مبلغًا محترمًا يغنينا عن العوز، ونعيش برخاء وكرامة من دون الحاجة إلى أحد، لكن عندما تفاقمت الأزمة الاقتصادية عام 2019، انقلبت الموازين، وتحول التقاعد الذي رجاه هؤلاء إلى مأساة يومية”.

يتابع ياسين: “طارت أموالنا التي جمعناها طوال سنوات خدمتنا مع الأزمة، وقبضنا التعويض على أساس سعر صرف 1500 ليرة لبنانية، أي بخسارة بلغت 90% من القيمة الفعلية لتعويضنا.”
تتدهور أوضاع الأجراء من سيّئ إلى أسوأ مع كل يوم يتأخّر فيه الحلّ، والأكثرية باتت عاجزة عن تحمّل الانتظار، في ظلّ تردّد الجهات المعنية في الدولة عن إنصافهم: “نحن من أكثر ضحايا الأزمة تضرّرًا؛ فموظفو الملاك مثلًا يتقاضون معاشًا تقاعدياً، ويحصلون على مساعدات وبدلات بنزين وإنتاجية، فيما يدفع لنا الصندوق التعاضدي في الجامعة اللبنانية مليون ليرة فقط كل ثلاثة أشهر”، يقول ياسين، ويضيف: “الأجراء محرومون من المنح المدرسية وطبابة الأسنان والنظر، في حين أن غالبية موظفي القطاع العام يتقاضون ما بين 14 و16 شهرًا في السنة، فضلًا عن بدلات أتعاب ومنح مدرسية، وتعويض قد يصل إلى مليار و200 مليون ليرة”.

تجاوب كلامي مع وقف التنفيذ
لم يترك أُجراء وإداريو الجامعة اللبنانية المتقاعدون جهة معنية إلّا وتواصلوا معها لعرض قضيتهم المحقّة، من رئيس الجامعة اللبنانية إلى رئيس الضمان الاجتماعي، مرورًا برئيس الاتحاد العمالي العام، ووصولًا إلى عدد من النواب والوزراء. ورغم أن التعاطي معهم كان دائمًا إيجابيًا، إلّا أن التجاوب الكلامي لم يُترجم إلى أفعال. فبقيت الوعود حبرًا على ورق، وظلت الحلول تتنقّل من لجنة إلى أخرى من دون نتيجة تُذكر.

وجاءت الطعنة الكبرى في نيسان 2024، مع صدور المذكرة رقم 754، التي فرضت على المضمون دفع رسم اشتراك شهري بقيمة مليون و620 ألف ليرة. وقد استندت هذه المذكرة إلى المرسوم رقم 3164، الذي حدّد الحد الأدنى للأجور بـ18 مليون ليرة، وهو مرسوم طُبّق في القطاع الخاص دون القطاع العام، الذي لا يزال الحد الأدنى للأجور فيه 675 ألف ليرة. أي أن الضمان الاجتماعي لا يزال يسدّد تعويضاته على أساس سعر صرف 1500 ليرة، بينما يُحصّل اشتراكاته على أساس سعر صرف 90,000 ليرة.

وفي تطوّر لاحق، أعلن المدير العام للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، محمد كركي، عن زيادة التعويضات العائلية التي يتقاضاها الأجراء عن الزوج أو الزوجة والأولاد، بعد تعديل الحد الأقصى للكسب الخاضع للحسومات في فرع التعويضات العائلية. وقد تمّت مضاعفة هذه التعويضات لتُحدّد القيمة الشهرية القصوى بمبلغ أربعة ملايين و500 ألف ليرة بدلًا من مليونين و250 ألف ليرة.
لكن سامي ياسين، رئيس لجنة المتابعة، يرى في هذه المذكرة تمهيدًا لرفع رسم الاشتراك الشهري، ما يعيد المتقاعدين إلى المربّع الأوّل، متسائلًا عن جدوى الحديث المتكرر عن “الكرامة والاستقرار” إذا لم يُترجم إلى خطوات ملموسة.

ممطالة ووعود 
سبق أن قدّم النائب فيصل كرامي اقتراح قانون لتسوية عادلة لتعويضات نهاية الخدمة، وجرى درسه في لجنتي الصحة والشؤون الاجتماعية. لكن النص الأصلي تعرّض لتعديلات جوهرية، وأُزيلت منه التفاصيل الدقيقة، خصوصًا ما يتعلّق بالأجراء، ما جعل بنوده عامة وغير ملزِمة.
ويؤكد كرامي أنه بصدد تقديم اقتراح قانون جديد لتعديل نظام التقاعد، الذي يحتوي شوائب عديدة سقطت سهوًا، لكنها تصبّ في مصلحة أصحاب العمل على حساب حقوق العمال، معتبرًا أن القانون بصيغته الحالية يُعدّ “خطوة تاريخية سلبية”.

وتشير أوساط الأُجراء إلى أن الاتحاد العمالي العام، الذي يُفترض أن يكون رأس الحربة في التحركات المطلبية، يبدو عاجزًا بفعل علاقته الوطيدة بالسلطة، فيرفع الصوت حينًا ويصمت أحيانًا. وتضيف أن التجاوب معهم بقي كلاميًا، بينما تعرقل الجهات المعنية التنفيذ، متذرعةً بشروط البنك الدولي، وبأن الأموال المطلوبة غير متوفرة.
في المحصلة، لا يزال اقتراح القانون يتنقّل من لجنة إلى أخرى في انتظار وصوله إلى الهيئة العامة. ومع ذلك، توجد اقتراحات حلول سريعة قد تُخفّف من معاناة فئة حقوقها مهدورة ولا يتجاوز عدد أفرادها 200 أجير.

يمكن للجامعة اللبنانية أن تطلب من وزارة المالية، بموجب كتاب رسمي، اعتمادًا إضافيًا في موازنة 2025 بقيمة 200 مليار ليرة، تُخصص كتسوية مؤقتة أو كمساعدة اجتماعية طارئة تُصرف عبر الصندوق التعاضدي للموظفين. كما يمكن لوزيرة التربية أن ترفع اقتراحًا إلى مجلس الوزراء للحصول على اعتماد إضافي لصالح الأجراء والإداريين الذين تقاعدوا خلال الأزمة.

صرخة الأُجراء وصلت إلى جميع الجهات، ولا تزال تنتظر أن تتحوّل الوعود إلى أفعال. فهم أصحاب حق، وكل ما يطلبونه هو استرجاع أموالهم ليعيشوا بكرامة، ومن دون عوز.