مجتمع
الأربعاء ٢٤ أيار ٢٠٢٣ - 21:40

المصدر: الحرة

“العبودية الحديثة”.. صراعات “تفاقمها” وقوانين “غير كافية” لمكافحتها

تتفاقم ظواهر العبودية في العالم، والتي تشمل العمالة القسرية والاستغلال الجنسي للأطفال وتزويج القصر، في دول عربية وأجنبية، وفقا لتقرير”مؤشر الرق العالمي” للعام 2023، وهو أمر يطرح تساؤلات عن كيفية الحد منها ومكافحتها.

ويجمع خبراء حقوقيون على أن النزاعات المسلحة والأوضاع المعيشية الصعبة يساهمان بانتشار هذه الظواهر، بالإضافة إلى أن القوانين التي تشرعها الدول والحكومات غير كافية لمعالجتها، وهناك حاجة لتحرك مجتمعي وبرامج تنموية موازية.

وكشف التقرير الذي نشر، الأربعاء، عن “تدهور” الوضع على الصعيد الدولي منذ آخر دراسة أجريت قبل خمس سنوات.

عوامل متعددة

ويرى المحامي والناشط الحقوقي، عبد الرحمن صالح، أنه من حيث النصوص القانونية الموجودة، فإن التشريعات العربية منسجمة تماما مع الاتفاقيات الدولية، وخصوصا تلك المتعلقة بمكافحة الاتجار بالبشر وبتهريب البشر، والاتفاقية الدولية المتعلقة بمنع استغلال الأطفال، واتفاقية العمالة المنزلية، بالإضافة إلى اتفاقيات أخرى.

ويقول صالح في حديثه لموقع “الحرة” إنه “على أرض الواقع، ورغم أن التشريعات تقدم أحكام ردعية قاسية، إلا أن اتساع هذه الظواهر يشير إلى أن هناك عوامل أخرى تساهم في ذلك”.

وأضاف أن “أهم هذه العوامل غياب الوعي الاجتماعي، فالعادات والتقاليد لا تنظر إلى عمالة الأطفال كجريمة، بل تعتقد أن ذلك من باب الرجولة، وأن الطفل يتم تحميله المسؤولية، خصوصا إذا كان الأب غائبا، لإعاشة الأسرة”.

وأكد أنه “من الضروري التفكير بوضع برامج إعاشة ودعم اجتماعي، لتعويض النقص لدى العوائل في حال غياب المعيل”.

العبودية الحديثة

وذكر التقرير الذي جمعت بياناته منظمة “ووك فري” لحقوق الإنسان أن الوضع يتدهور “على وقع النزاعات المسلحة المتزايدة”، ويحدد العبودية الحديثة على أنها تشمل “العمالة القسرية والزواج القسري أو الاستعبادي وعبودية الدَين والاستغلال الجنسي التجاري القسري وتهريب البشر والممارسات الأشبه بالعبودية وبيع واستغلال الأطفال”.

ويقوم المبدأ الأساسي للعبودية على “الإزالة المنهجية لحرية شخص ما”، من حق قبول أو رفض العمل وصولا إلى حرية تحديد الرغبة في الزواج ومتى وممّن.

وتشترك البلدان صاحبة أعلى مستويات من العبودية الحديثة بسمات أبرزها “محدودية الحماية الموفرة للحريات المدنية وحقوق الإنسان”.

وتقع العديد من هذه الدول في مناطق “مضطربة” تشهد نزاعات أو عدم استقرار سياسي أو تضم عددا كبيرا من الأشخاص الذين يعدون “أكثر عرضة للخطر” مثل اللاجئين أو العمال الأجانب.

ويقول صالح إن “الهجرة غير الشرعية أوجدت مجالا خصبا لعصابات الاتجار بالبشر، حيث يقع المهاجرون فريسة لهم، ويتم استغلال النساء والأطفال بأعمال منافية”.

وتابع أن “المسألة لا تقتصر فقط على الردع القانوني (…) ولا بد من تعزيز مجالات أخرى، من أجل توفير مستوى معيشي لائق للأسر الفقيرة والمعدومة، وتوفير فرص العمل وتحسين الوضع الاقتصادي للحد من الهجرة”.

وفي حالة النزاعات المسلحة، الحاصلة في دول عدة الآن، يرى الناشط الحقوقي أنه “يجب الحرص بشكل كبير على وقاية المدنيين من الآثار والتبعات الخطيرة لهذه النزاعات، للحد من ظواهر النزوح والهجرة، والتي قد تعرض الفارين للاستغلال والعبودية”.

وأفاد التقرير أن حوالى 50 مليون شخص “عاشوا أوضاعا تمثل عبودية حديثة” عام 2021، في زيادة عشرة ملايين شخص عن 2016، وهي آخر مرة تم فيها قياس المشكلة.

ويشمل الرقم نحو 28 مليون شخص يعانون من العمالة القسرية و22 مليونا من زواج قسري.

وتعتقد الناشطة الحقوقية، نهاد أبو القمصان، أنه مع زيادة الصراعات في العالم، وخاصة في المنطقة العربية، تنتشر الأزمات الاقتصادية، وهو ما يساهم بارتفاع نسب العبودية.

وقالت في حديثها لموقع “الحرة” إنه بسبب هذه الصراعات “ظهرت أشكال جديدة من العبودية، قد تدخلها الناس طوعا، تحت ضغط الاحتياجات المعيشية والعوز، ومنها العمل القسري والاتجار بالأطفال جنسيا، أو حتى الاتجار بالأعضاء البشرية، حتى لو كان دون اختطاف أي بإرادة الأشخاص”.

وأوضحت أن “كلمة طوعي هنا تأتي بمعنى مغاير، أي أنها تترافق مع الجوع والأزمات الأخرى مثل فقدان الأمان وفقدان العائل، حيث تخلق النزاعات والصراعات ظروفا صعبة تجعل النازحين واللاجئين في حالة عوز شديدة بسبب فقدان بيوتهم وممتلكاتهم وأعمالهم”.

مسؤولية مشتركة

وأشارت أبو القمصان إلى أنه لمعالجة هذه الظواهر “هناك مسؤولية مشتركة على مستوى المجتمع الدولي والأنظمة المحلية”.

وأضافت أنه “على مستوى المجتمع الدولي، هناك حاجة لمراجعة قواعد التعامل مع اللاجئين والنازحين، وتحديدا فيما يتعلق بعمليات تسجيلهم وتقديم الإعانات لهم، لرفع حالة العوز الشديد عنهم، ومنعهم من الوقوع في براثن العبودية الحديثة”.

وتنص اتفاقية عام 1951 الخاصة بوضع اللاجئين، على أن “من حقوق اللاجئ حرية العقيدة والتنقل من مكان إلى آخر، والحق فى الحصول على التعليم، ووثائق السفر، وإتاحة الفرصة للعمل، كما أنها تشدد على أهمية الالتزام تجاه الحكومة المضيفة”.

وتابعت قائلة إنه “على مستوى الحكومات الوطنية، يجب تعزيز برامج الدعم الاقتصادي والاجتماعي، بما يضمن الحد الأدنى من الحياة الكريمة، مثل توفير خدمات الصحة والتعليم، وبالتالي فإن ذلك يساهم بالحد من مظاهر العبودية”.

وأشارت إلى “وجود عبودية لها علاقة بالفقر والظروف الاجتماعية، وليس بالصراعات والنزاعات، وهناك دول مستقرة توجد بها ظواهر الاتجار بالأطفال واستغلالهم جنسيا أو في العمل القسري بأجور زهيدة ولفترات طويلة، ومسؤولية مكافحة ذلك تقع على الحكومات، وهناك غياب واسع للقوانين التي تعاقب على التسرب المدرسي”.

وبينما يعد العمل القسري أكثر شيوعا في البلدان ذات الدخل المنخفض، إلا أنه مرتبط “بعمق” بالطلب من البلدان الأعلى دخلا، بحسب التقرير الذي أشار إلى أن ثلثي حالات العمالة القسرية بأكملها مرتبط بسلاسل الإمداد العالمية.

وذكر التقرير بأن بلدان مجموعة العشرين التي تضم الاتحاد الأوروبي إلى جانب أكبر 19 اقتصادا في العالم تستورد حاليا منتجات بقيمة 468 مليار دولار يُحتمل أنها تُنتج بالاعتماد على عمالة قسرية، مقارنة بمبلغ 354 مليار دولار الوارد في التقرير السابق.

وتبقى الأجهزة الإلكترونية المنتج الأكبر قيمة الذي يحمل هذا الخطر، تليها الملابس وزيت النخيل وألواح الطاقة الشمسية، في مؤشر على الطلب الكبير على منتجات الطاقة المتجددة.

وأفادت المديرة المؤسسة لمجموعة “ووك فري”، غريس فوريست، “تتغلغل العبودية الحديثة في كل جانب من جوانب مجتمعنا. إنها محاكة في ملابسنا وتشغّل أجهزتنا الإلكترونية وتضفي النكهة على طعامنا”.