محلية
السبت ١٨ أيلول ٢٠٢١ - 07:39

المصدر: المركزية

العلاقات اللبنانية ـ العربية التحدي الأول للحكومة… صفر اتصالات وزيارات عربية

الإثنين المقبل هو الموعد المبدئي لمنح الحكومة الجديدة المفتاح لإدارة عجلاتها في مهمّة الانقاذ الصعبة التي تنتظرها. وكما يبدو جلياً من الخريطة النيابية فإنّ الحكومة ستعبر الى الحكم، على ثقة نيابية موصوفة تلامس الـ100 صوت، في مقابل معارضة خجولة في حدود الـ20 صوتا نيابيا تتوزّع بين حاجب للثقة او ممتنع عن التصويت. والمرجّح ان يندرج في هذا الصفّ نواب تكتل الجمهورية القوية الى جانب بعض النواب المستقلّين الذين يعتبرون حكومة نجيب ميقاتي امتداداً للحكومات السابقة التي كانت سبباً في انتفاضة الغاضبين في 17 تشرين الاول 2019.

وفتح رئيس مجلس النواب نبيه بري الخط السريع للثقة أمام حكومة «معا للإنقاذ»، من خلال تحديده يوم الاثنين المقبل موعدا لمناقشة بيانها الوزاري من قبل مجلس النواب، تمهيدا للتصويت على الثقة بها، شبه المضمونة.
وتعقد الجلسة في المقر المؤقت للمجلس في قصر الأونيسكو صباح ومساء ذلك اليوم لضمان إتمام المناقشة والثقة في جلسة واحدة.

وعقب الحصول على الثقة، تدخل الحكومة اختبار تنفيذ الوعود، وبعد الإصلاحات المالية والهيكلة تغدو الانتخابات النيابية، وهي الاستحقاق الأهم في برنامج عمل الحكومة الميقاتية، دون شك، لكن العلاقات اللبنانية ـ العربية تبقى التحدي الأول لهذه الحكومة، وفق ما صدر عن رئيسها فور إذاعة مراسيم التأليف.

وما بدا بعد أسبوع من صدور مراسيم التأليف انه ما من اتصال من دولة عربية أو سفارة عربية تحمل عنوان التهنئة بالحكومة، وما من زيارة أو زائر عربي لرئيس الحكومة أو لرئيس الجمهورية في هذا الإطار، لا بل ان بعض السفراء العرب غادروا بيروت قبل تشكيل الحكومة وبعدها، وأوضحت المصادر لـ «الأنباء» الكويتية ان هناك سفراء عرب انتهت فترة عملهم في لبنان، ولم تستبدلهم حكوماتهم، تجنبا لتقديم أوراق الاعتماد للمرجعيات اللبنانية القائمة.

ورأت هذه المصادر ان تجاهل مجلس الوزراء اللبناني، في جلسته الأولى، أول من أمس قوافل النفط الإيراني المنقولة بالصهاريج، وعبر المعابر غير الشرعية، تحت عين السلطة ورعاية حزب الله، أرخى بظلال من الشك على سيادية الدولة اللبنانية، بمعزل عما جاءت به هذه الصهاريج، أو أخذته في طريق العودة، كما يزعم المشككون.

وسيكون على حكومة «معا للإنقاذ» مواجهة ارتدادات التحقيقات الجارية في انفجار مرفأ بيروت، مع إصدار المحقق العدلي مذكرة إحضار بحق رئيس الحكومة السابق حسان دياب، ومذكرة توقيف غيابية بحق الوزير السابق يوسف فنيانوس، ما يوحي بأن النواب المحسوبين على الرئيس بري مهددون بالمصير ذاته بعد انتهاء الدورة النيابية قريبا، حيث يغدون بلا حصانة، ما قد ينعكس، بل سينعكس، سلبا على انتظام عمل الحكومة، والدليل ما حصل بين الوزراء المحسوبين على الرئيس عون والوزراء المحسوبين على الرئيس بري، في إحدى جلسات لجنة صياغة البيان الوزاري، حول صلاحية المحقق العدلي وصلاحية المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء والنواب.
وضمن التحديات التي ستواجهها حكومة ميقاتي بحسب “الأنباء الكويتية”، التعيينات في المراتب العليا والتي يفترض ان تسبقها إقالات تشمل عددا من كبار الموظفين، من ذوي الأهلية لبلوغ المركز الدستوري الأول، وفي طليعتهم حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، الأمر الذي دونه عقبات، يمكن ان تفجر الحكومة من الداخل.
المصادر المتابعة تضع ضمن مصاعب الحكومة الميقاتية التدهور الملحوظ في العلاقات الأميركية ـ الفرنسية، بعد المفاجأة غير السارة لباريس بإلغاء أستراليا عقود بناء غواصات في فرنسا، كما تقول المصادر الفرنسية، ودون توضيح الأسباب، وما إذا للتفاهم الفرنسي ـ الإيراني، في لبنان والعراق، علاقة بالخطوة الأسترالية.

 مصادر سياسية حذّرت، عبر «الجمهورية»، من حَرف الحكومة عن مهمّتها وإشغالها باشتباكات سياسية مفتعلة من بعض الأطراف، ربطا بالاستحقاق الانتخابي، ولغاية شدّ العصب السياسي والطائفي والمذهبي مع اقتراب موعد اجراء الانتخابات النيابية المحدد في أيار المقبل، وهو أمر إن تفاقم، قد لا تسلم الحكومة من شظاياه.

«التيار» و«أمل»: ولعل نقطة الاشتباك الأكثر سخونة، أشار إليها الهجوم الذي بَدا متعمّداً من قبل رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل على رئيس المجلس النيابي نبيه بري، ونسبِ كلام لرئيس المجلس يدرجه في سياق «منظومة» تعطيل ما سمّاه باسيل بـ«العهد القوي». وعكسَ من خلاله، بما لا يقبل أدنى شكّ، بلوغ العلاقة بين التيّار وحركة «أمل» أعلى درجات التوتّر السياسي، بما يجعلها الأكثرعرضة للإشتعال تحت عناوين مختلفة.

وقد بدا جلياً في هذا الجانب أنّ مصادر كتلة التحرير والتنمية قاربت الهجوم بردّ مقتضب وَصّفت فيه باسيل بـ»فاسق يتنبا»، الا انّ ذلك لا يعني ان قطوع ما تسميه مصادر قريبة «الافتراء على رئيس المجلس» قد مرّ وانتهى الأمر، ذلك انّ هذا «الإفتراء» الذي سعى من خلاله باسيل الى تجيير تفشيله لعهد عمّه إلى الآخرين، لن يتوقّف لأنه جزء اساسي من الطبيعية التي تحترف الاشتباكات وافتعال الخصومات والعداوات. وبالتالي، إنّ كلّ عوامل التصعيد موجودة، يؤشر عليها الجمر الذي اشعله هجوم باسيل تحت رماد العلاقة بين «أمل» و”التيار” ويكفي رصد جبهات التواصل الاجتماعي ليتبيّن حجم الكلام الكبير المتبادل بين الطرفين.

الاستدعاءات والحصانات: وفي موازاة ذلك، تبرز النار السياسية والقضائية، التي تَعسّ تحت ملف الادعاءات المرتبطة بملف التحقيقات في ملف انفجار مرفأ بيروت، وخطوة المحقّق العدلي القاضي طارق البيطار بإصدار مذكرة إحضار جديدة بحق رئيس الحكومة السابق حسان دياب، ومذكرة توقيف غيابية بحق الوزير السابق يوسف فنيانوس.

واذا كانت مذكرة توقيف فنيانوس، التي اعتبرها وزير الاشغال السابق ظلماً له، قد تفاعلت في اوساط تيار المردة وحملت رئيس التيار الى اعلان الوقوف مع فنيانوس في هذه المسألة، فإنّها، بحسب معلومات «الجمهورية»، قد تفاعلت بشكل كبير في الأوساط السنيّة السياسية والدينية، وخصوصا على مستوى دار الفتوى، التي تقارب هذه المسألة بريبة كبرى من كسر اصول التعامل مع الرئاسة الثالثة، وتساؤلات حول مغزى الاستهداف السياسي والكيدي لمقام رئاسة الحكومة، الذي ترفضه وتعتبره غير مقبول، وترى فيه تجاوزا للدستور لا يخدم تحقيق العدالة». وهو الامر الذي يؤكد عليه ايضا رؤساء الحكومات السابقين، حيث ذكّرت أوساطهم بموقف لرئيس الحكومة نجيب ميقاتي رفض فيه الانتقائية في الملاحقة، مؤكداً ان العدالة لا تستقيم بمكيالين».

ولم تستبعد مصادر مواكبة لهذا الملف ان تستكمل خطوتا القاضي البيطار بإصدار مذكرة إحضار للرئيس دياب ومذكرة توقيف بحق فنيانوس، بتوجيه طلب إلى مجلس النواب لرفع الحصانات عن النواب علي حسن خليل وغازي زعيتر ونهاد المشنوق تمهيداً للادعاء عليهم والشروع بملاحقتهم بجناية القصد الاحتمالي لجريمة القتل، اضافة إلى جنحة الإهمال والتقصير، لأنهم كانوا على دراية بوجود نيترات الامونيوم، ولم يتخذوا اجراءات تجنّب البلد خطر الانفجار».

واكدت المصادر ان الجواب المجلسي على هذا الطلب، فيما لو تكرّر من القاضي البيطار، لا يرتكز الى عدم صلاحية المجلس العدلي في هذه المسألة بل المجلس الاعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء. وفي هذا السياق، علمت «الجمهورية» من مصادر موثوقة ان ثمة احتمالاً قوياً في أن يبادر الوزراء السابقون المعنيون بطلب رفع الحصانة عنهم، الى تقديم دعوى ارتياب مشروع من طريقة عمل المحقق العدلي، التي لا يخرجها هذا الارتياب عن العامل السياسي والاستنسابي.

هل ستنجز الحكومة؟: هذه التطورات، كما تقول مصادر سياسية لـ«الجمهورية» قد تشكّل عاملاً مشوشاً على عمل الحكومة يخفّف من اندفاعتها نحو العمل ويخفت عزمها على تحقيق انجازات سريعة، علماً انّ إقلاع الحكومة محفوف اصلاً بمطالب شعبية واسعة تحثّها على مقاربة الملفات الحياتية دفعة واحدة، وهو أمر يربك الحكومة ويجعلها تضيع وتحتار من اي باب ستدخل الى العلاج.

وبحسب المصادر، فإن المزاج الشعبي وبرغم الارتياح من تأليف الحكومة، الا انه حذر منها وليس واثقاً من تمكّنها من تجاوز المطبات الماثلة في طريقها، ووضع العلاجات اللازمة للملفات الاقتصادية والمالية والحياتية الشائكة.

يتقاطع هذا الحذر مع حذر مماثل تُبديه بعض المستويات الديبلوماسية، حيث قالت مصادر ديبلوماسية غربية لـ«الجمهورية»: من الجيد تأليف الحكومة في لبنان بعد فترة طويلة من التعطيل، كان المأمول أن تتشكل حكومة تضم اختصاصيّين، بما يجعلها حكومة تكنوقراط فعلية قادرة على تنفيذ مهمّة صعبة، ولكن مع هذه الحكومة التي تشكلت لسنا متأكدين من انها ستتمكن من الاقلاع بمشروع نهضوي للبنان، ومع ذلك نعتبر ان هذه الحكومة امام فترة اختبار جدي، ليس امام اللبنانيين فقط بل امام المجتمع الدولي، وإن لم تثبت أنّها قادرة على تقديم خطوات اصلاحية ملموسة ومحسوسة خلال فترة وجيزة، فمعنى ذلك انها ليست بحجم الآمال المعلّقة عليها.

الى ذلك، وفي موازاة تصميم الحكومة على الإنجاز، يبرز تحذير مرجع مسؤول عبر «الجمهورية» من أي تراخ في العمل الحكومي، لأنّ عجزها عن تحقيق ما وعدت به، سيضعها في مواجهة مع الناس». فيما جزمت مصادر معارضة فشل الحكومة وقالت لـ«الجمهورية»: الحكومة تحمل تفجيرها في داخلها، وبنوعية الوزراء التي تضمهم، وبالتالي هي مجرّد جسم هَشّ، لا يرقى الى حجم الأزمة، وامام هذه الحقيقة فهذه الحكومة لن تصمد طويلا».