محلية
الأثنين ١٨ كانون الثاني ٢٠٢١ - 07:50

المصدر: المدن

الفاتيكان يعمل لقرار أممي يخرج لبنان من صراعات الإقليم

في رسالة الميلاد الخاصة بلبنان من الفاتيكان لهذا العام، خرجت الدبلوماسية الفاتيكانية عن صمتها. فأنبت السياسيين اللبنانيين وأعلنت أنها تعمل لإخراج لبنان من الصراعات الإقليمية.

ينقسم دور دعم الفاتيكان في لبنان إلى شقين: دور اجتماعي ليس محصوراً بالمسيحيين، ودور سياسي يعمل من خلاله الفاتيكان بدبلوماسيته الصامتة ليبقى لبنان بلد الرسالة كما وصفه البابا يوحنا بولس الثاني يوم زار لبنان عام 97.
لبنان والتشاركية
ماذا يعني خروج الدبلوماسية الفاتيكانية عن صمتها في هذا التوقيت السياسي الذي يعيشه لبنان؟

لا بد من العودة قليلا الى السنوات الماضية، وتحديداً إلى اتفاق الطائف. يومها كان الفاتيكان في صلب الدول المقررة إلى جانب الولايات المتحدة الأميركية. وفي الطائف تكريس لتنوع لبنان في دولة مدنية. وفيه أيضا اللامركزية الإدارية التي تحولت اليوم نقاشاً بين القوى السياسية، لكنها ليست سوى بند من بنود الطائف. هكذا أراد الفاتيكان أن تكون الصيغة اللبنانية تشاركية بين الطوائف على أن يشكل لبنان نموذجاً حضارياً.

ويقول المتابعون في كواليس الكنيسة أن عاصمة الكثلكة في العالم لا تريد أن يكون لبنان مسيحيا صغيراً محصوراً من نهر الكلب إلى المدفون. فتقسيم لبنان دويلات وبقاء المسيحيين في دويلة لهم، كان يمكن أن يحصل في مراحل تاريخية قبل الإعلان عن دولة لبنان الكبير، ولم يحصل ذلك. فإرادة المسيحيين هي في البقاء في نظام تشاركي، لكن في منأى من التبعيات الإقليمية التي تجعل الصيغة التشاركية في خطر، لانخراط الطوائف فيها على حساب الدولة.

عام 1991 دعا البابا يوحنا بولس الثاني إلى عقد مجمع خاص من أجل لبنان. واسفر عن ذلك السينودوس وثيقة “الإرشاد الرسولي، رجاء جديد للبنان”. وفيها تم تأكيد على مسلمات أن لبنان بلد متنوع وليس لطائفة معينة، بل لكل اللبنانيين.

انطلاقا من هذه الثوابت ينظر الفاتيكان اليوم إلى لبنان على أنه في خطر. وعليه، لا يرتبط اهتمام بكركي بالوضع اللبناني الداخلي ليس بالدور التقليدي الذي تلعبه البطريركية المارونية فقط، بل هو امتداد لدور أكبر يلعبه الفاتيكان.

وفي رسالة قداسة الحبر الأعظم البابا فرنسيس إلى اللبنانيين في الرابع والعشرين من كانون الأول الماضي، خص اللبنانيين برسالة الميلاد، وهذا ليس تفصيلا. وفي الرسالة قال البابا فرنسيس: “إن محبتي للشعب اللبناني الغالي تحملني على زيارته في أقرب فرصة ممكنة. إضافة إلى الاهتمام الدائم الذي حرك عمل أسلافي وعمل الكرسي الرسولي، تدفعني للتوجه مجدداً إلى المجتمع الدولي. فلنساعد لبنان على البقاء خارج الصراعات والتوترات الاقليمية. فلنساعده على الخروج من الأزمة الحادة وعلى التعافي”.

لم تأت هذه الرسالة يتيمة. وتشير المعلومات إلى حركة دبلوماسية عميقة يلعبها الفاتيكان مع الدول المؤثرة في لبنان. فالفاتيكان الذي يمتلك جسما دبلوماسياً في العالم عبر انتشار السفراء البابويين، يتواصل بشكل مستمر مع الولايات المتحضير لقرار أمميتحدة الاميركية والمملكة العربية السعودية وإيران، حرصا على الوضع اللبناني. ولعل العمق الأوروبي الذي يمتلكه الفاتيكان كونه في قلب أوروبا، جعله يوصي بلبنان ليكون محاطاً من الأوروبيين. والرسالة واحدة: “لا لزوال لبنان بتنوعه وبصيغته التشاركية. وهذا البلد يجب أن يبقى واحة للحريات والثقافات في المنطقة”.

وفي سياق العمل الفاتيكاني النشيط والصامت، تشير المعلومات إلى أن العمل جار على تحضير قرار أممي يقر في مجلس الأمن يحمي لبنان من التمزق في التجاذبات الإقليمية، ويكرسه بلداً محايداً بعيداً عن سياسة المحاور وتأثيراتها عليه.

وإن بدت مذكرة الحياد التي أعدتها بكركي قد وصلت إلى حائط مسدود، فإن طرحها لم يخرج من دوائر العمل في الفاتيكان وعواصم القرار.

ويعلق المطران مظلوم على هذا الكلام قائلا إن الفاتيكان يلعب دوراً قلما يعلن عنه. وهو ناشط جداً كي يمنع المسار الحالي الذي يأخذ لبنان إلى الزوال. والحديث عن زوال لبنان يرتبط بمجموعة احتلالات تهدده. هي احتلالات سياسية أو امنية أو ثقافية.

ليس الفاتيكان مع الاحتلال الإسرائيلي للبنان. وهو يعارض فائض الوجود الإيراني في البلاد. تماما كما عارض الاحتلال أو الوصاية أو الوجود السوري في لبنان. ومهما اختلفت مسمياته لدى اللبنانيين، لم يكن سوى شكل من اشكال الاحتلال الذي رفضه الفاتيكان في حينه.

في العام 97 يوم زار البابا يوحنا بولس الثاني لبنان، وصفه بالرسالة. في العام 2020 أعلن البابا فرنسيس عن سعيه ليعود لبنان الرسالة. الرسالة في نظامه السياسي ودوره الثقافي والحضاري. وفي كواليس الدبلوماسية الفاتيكانية ورشة عمل قد تصل مفاعيلها إلى صرح الموارنة في بكركي.