
المصدر: Kataeb.org
المطران عوده: لنحافظ على رباط المحبة والسلام بيننا ليكون عملنا نورا قياميا في ظلام هذا العالم
ترأس متروبوليت بيروت وتوابعها لطائفة الروم الأرثوذكس المطران الياس عوده ،خدمة القداس الإلهي في كاتدرائية القديس جاورجيوس.
بعد قراءة الإنجيل المقدس، ألقى المطران عوده، عظة، قال فيها :
“المسيح قام من بين الأموات ووطئ الموت بالموت ووهب الحياة للذين في القبور”.
أحبائي، سمعنا اليوم إنجيل شفاء المسيح لرجل مخلع منذ ثمان وثلاثين سنة، ملقى عند باب الغنم الذي لبركة بيت حسدا. والشلل هو عدم قدرة أعضاء الجسم على الحركة بشكل صحيح. لقد وضعت كنيستنا بعد الفصح تذكارات لأشخاص قاموا من أمراضهم بلمسة المسيح، فتغيرت حياتهم. مخلع اليوم كان غارقا في أمل باطل، ينتظر إنسانا يساعده على دخول البركة عندما ينزل الملاك ويحرك مياهها، لكن أحدا لم يساعده لكي يشفى فضاع في اليأس.
عندما صعد المسيح إلى أورشليم من أجل أحد الأعياد اليهودية، بحث عن هذا الرجل، وعندما وجده سأله إن كان يريد أن يشفى. فأومأ فورا بالإيجاب قائلا إنه لم يجد إنسانا يحمله إلى الماء. إن الشهوات والخطايا ترافق البشر في كل زمان ومكان. فكما كانت الحال في زمن المسيح، نجد اليوم جزءا كبيرا من البشر لا يهتم بجاره، باردا وغير مبال بمعاناة أحد. كثيرون هم التائهون في سجون صنعوها بأنفسهم، قضبانها أنانيتهم ومراكزهم وأموالهم وممتلكاتهم والماديات، وكلها لا تقدر النفس أن تحمله إلى مثواها الأخير. كل منا يحتاج لقاء قيامة مع المسيح ليخلصه من قلة محبته وأنانيته ولامبالاته وشلله الروحي”.
أضاف :”عدم المبالاة خطيئة لا تتغير مع الزمن. في زمن الرب يسوع لم يكن الأمر أبشع من زمننا ومجتمعنا المتمحور حول الذات، بأنانية، غارسا في البشر فكرة أن المال والثروة هما هدف وجود الإنسان لأنهما سبب احترامه في هذا العالم المادي السطحي الذي لا يعرف الله ولا المحبة. يشعر إنسان اليوم أنه في سباق لتجميع الثروة وتسلق سلم النجاح، والحصول على وظيفة أفضل، ومنزل أكبر، وسيارة أحدث. الأسوأ أن في داخل كل إنسان رغبة متجذرة في إقصاء أي شخص يقف في طريق خطته الفانية. هذا الشلل الروحي هو محور إنجيل اليوم.“
تابع المطران عوده :”كانت بركة بيت حسدا تقاطعا يعبره كثيرون. وكان كهنة الهيكل يستخدمونها كحوض لغسل حيوانات التقدمة، أما الوثنيون من رومان ويونانيين فيعتبرونها موقعا مقدسا. من كان مريضا لم يكن يهتم بهوية مانحه الشفاء، لهذا، سأل المسيح المخلع «أتريد أن تبرأ؟»، وأراده أن يكمل شفاء الجسد بشفاء النفس، أي أن يعرف من هو مانحه الشفاء، ويؤمن به، فيخلص. ثم قال له: «قم إحمل سريرك وامش» فشفي للحال. لقد أعلن له الرب نفسه إلها كاملا وإنسانا كاملا، مخلصا وحيدا قادرا على منح شفاء النفس والجسد معا، ثم قال له «ها قد عوفيت فلا تعد تخطىء لئلا يصيبك أشر».
بقي المخلع قرب البركة ثمانية وثلاثين عاما، ينتظر شخصا يحبه فيساعده، لكنه لم يجد أحدا، رغم الصخب الذي كانت عليه الأجواء حول البركة. اليوم أيضا، معظم كبار السن والمرضى قابعون في منازلهم مهملون”.
وأكمل :”أصبح مجتمعنا مجموعة أفراد سطحيين يسعون إلى إرضاء أنفسهم فقط، ويفترضون أن الواجب تجاه الفقراء والوحيدين والمتألمين تؤديه الوزارات أو الجمعيات أو الكنيسة. إنشغالهم بتفاخرهم اليومي يعميهم عن الآخر المحتاج.
المسيح ينتظرنا، وليس الحكومة، لنكون الملح الذي يملح العالم والنور الذي يضيء عتمته، ولنكرز بالإنجيل معلنين قيامة المسيح كما فعلت حاملات الطيب.
إن تقديم السلع المادية للمحتاجين مهم، لكن الأهم أن نقدم لهم من كنزنا الروحي، أي المسيح. طبعا، الشرط الأول لذلك أن نجد المسيح نحن أولا. لذلك، علينا السعي للشفاء عبر سري الإعتراف والإفخارستيا حيث ينتظر المسيح منا أن نعود إليه صارخين “يا رب، إني أؤمن، فأغث عدم إيماني.”
يسوع وحده قادر على شفائنا والسيطرة على أصل المرض إذا ما التجأنا إليه. فالذي انتصر على الموت وعلى الشيطان والجحيم وقام من بين الأموات هو نفسه الذي يملك السلطان على أجسادنا ليشفيها وعلى خطايانا ليعتقنا من سلطتها.“
وقال :”يتجلى المسيح في الكنيسة، والكنيسة هي كل واحد منا نحن جسد المسيح. في تواصلنا بعضنا مع بعض نجد الفرح، نعاين المسيح في وجه كل إنسان، لذا علينا أن نحافظ على رباط المحبة والسلام بيننا لكي يكون عملنا نورا قياميا في ظلام هذا العالم”.
وختم المطران عوده :”دعوتنا اليوم أن نصلي، نحن المخلعين والأموات روحيا، لكي نسمع صوت المسيح القائم قائلا لنا، كما قال للمخلع قديما: «قم، إحمل سريرك وامش إحمل شهواتك وخطاياك ودسها… إرفعها عنك واطرحها خارج نفسك… وامش في جدة الحياة، في نور الأسرار المقدسة، في حقيقة القيامة”.