المصدر: الحرة
عمّال “أنفاق الجرذان” بالهند يكشفون تفاصيل مهمة إنقاذ “بطولية” تحت الأرض
لعب ما يعرفون باسم “عمّال أنفاق الجرذان” في الهند، دورا بطوليا في إنقاذ 41 عاملا من نفق منهار شمالي البلاد، لكنهم يشكون من عودتهم مجددا إلى طي النسيان، حيث يُعتبرون من بين الأقل أجرا في البلاد، وسط حظر لعملهم الذ يشكل تهديدا كبيرا للحياة.
“أنفاق الجرذان” مصطلح يشير إلى الأنفاق الضيقة التي تحفر في الأرض يدويا، وعادة ما تكون واسعة بما يكفي لنزول شخص واحد لاستخراج الفحم من المناجم.
وبعد حفر النفق، يدخل عامل المنجم فيه باستخدام حبل وسلالم من الخيزران لاستخراج الفحم. وتعتبر هذه الطريقة خطرة للغاية، وهي غير قانونية في العديد من البلدان، بسبب تزايد حالات وفاة عمال المناجم جراء الاختناق ونقص الأكسجين والجوع.
وتحدّث أحد هؤلاء العمال، ويدعى مونا قريشي، لشبكة “سي إن إن” الأميركية، قائلا إنه حينما وصل إلى المرحلة التي كان يفصل فيها بينه وبين المحتجزين القليل من الركام، بدأ يسمع أصوات أنفاسهم يلهثون، وأوضح: “كنت أسمعهم يلهثون على الجانب الآخر بحماس كبير. دقات قلبي تسارعت حينما كنت أزيل آخر صخرة بيننا”.
ويعتبر قريشي (29 عاما) من بين 12 عاملا متخصصا في “أنفاق الجرذان”، استدعتهم السلطات الهندية لإنقاذ عمال البناء المحاصرين في النفق المنهار بولاية أوتاراخاند شمالي البلاد، بعدما لم تتمكن المعدات الحديثة من استكمال المهمة إلى نهايتها.
وتمكّن المهندسون من حفر ممر آمن عبر الصخور باستخدام آلات حديثة، من أجل إنقاذ العمال المحتجزين على بعد 60 مترا، وكانوا يتلقون الطعام والهواء عبر أنبوب رفيع.
في النهاية تعطلت آلة الحفر الحديثة، لينهي هؤلاء العمال مهمة إخراج المحتجزين إلى بر الأمان.
لا مكافآت
وأعلن المسؤول بولاية أوتاراخاند، بوشكار سينغ دامي، أنه سيتم منح العمال الذين ساهموا في عملية الإنقاذ 50 ألف روبية (600 دولار)، لكن بعضا من “عمال أنفاق الجرذان” قالوا إنهم “حتى الآن في انتظار تفاصيل عن تلك الأموال”، بحسب تقرير لشبكة “سي إن إن”.
وأشار بعضهم إلى أنه على الرغم من الاهتمام الإعلامي الكبير بدورهم في عملية الإنقاذ،فإنهم لم يتلقوا أي مكافآت من السلطات الحكومية.
وذكرت الشبكة الأميركية أنه بعد ساعتين من عملية الإنقاذ، أرسل مسؤول حكومي في أوتاراخاند، قائمة بتسعين اسما لرجال شاركوا في جهود الإنقاذ، لكن أسماء “عمال أنفاق الجرذان” الـ12 لم تكن بينهم، رغم وضع حياتهم على المحك.
وقال أحد هؤلاء العمال، محمد إرشاد انصاري: “ليست بمفاجأة بالنسبة لي. العامل يُنظر إليه وسيستمر النظر إليه على أنه عامل. ومهما فعلنا لن يغيّر من كوننا فقراء”.
وأشارت “سي إن إن” إلى أنها حاولت التواصل مع مسؤولين في الولاية الهندية للتعليق، لكن دون جدوى.
ويتقاضى هؤلاء العمال نحو 5 دولارات في اليوم، ويكون معظم عملهم في ولاية ميغالايا الشمالية، حيث يصل مخزون الفحم بها إلى نحو 576 مليون طنا.
“لن يتذكرنا أحد”
وتحدث عامل آخر يدعى مونو كومار، موضحا أنه تلقى “استقبال أبطال” حينما عاد إلى موطنه في ولاية أوتار براديش شمالي البلاد.
وأوضح: “عٌزفت الموسيقى، ووزع الأهل والجيران ما يعادل 30 كيلو غراما من الحلوى على الجميع. في قريتنا، يقولون إننا فعلنا الكثير ووضعنا حياتنا على المحك، لكننا لم نحصل على أي مقابل”.
وحظرت المحكمة الخضراء الوطنية في الهند (NGT) هذه الممارسة في عام 2014، بسبب المخاطر الصحية والبيئية، لكنها لا تزال قائمة بشكل غير قانوني في مناطق مختلفة.
وأشار التقرير إلى أنه في عام 2018، قتل 15 رجلا بسببها في ميغالايا بعد أن حوصروا لعدة أيام بسبب الفيضانات. وبعد أعمال الإنقاذ التي استمرت نحو شهرين، تم انتشال جثتين فقط.
وفي عام 2021، لقي 6 من عمال المناجم مصرعهم في حادث مماثل، بعد أن حوصروا في منجم غمرته المياه. وتم إلغاء عملية انتشال الجثث بعد شهر وتم العثور على 3 منها فقط.
وكان أغلب “عمال أنفاق الجرذان” يدركون مخاطر مهمتهم لإنقاذ العالقين في المنجم، وقال نصير خان، لسي إن إن: “طالما اعتقدت أن هذه المهنة ستقضي على حياتي يوما ما. لم أعتقد أبدا أنها ستجلب لي الاحترام”.
وللوصول إلى المحاصرين، كان على “عمال أنفاق الجرذان” الزحف عبر أنبوب قطره 80 سم تم إدخاله عبر الركام، بجانب الانحناء لساعات في مساحة صغيرة، والحفر لمسافة 12 مترا بأيديهم الخاوية.
ووصف خان المهمة بالقول: “مختلفة عن أي شيء واجهناه من قبل. لم يكن مجرد حطام أو حجارة أو جبل، كانت هناك أنابيب فولاذية ومياه وحبال. استخدمنا أدوات كثيرة لإخراج العمال ببطء”.
وكان يتناوب كل فردين على العمل لمدة 4 ساعات، حيث يحطم الحجارة والآخر يزيل هذا الحطام عبر الأنبوب.
وقال كومار: “كانت مهمة صعبة ومحفوفة بالمخاطر.. لا شك في ذلك”.
وأضاف أنه يدرك أن الاهتمام الإعلامي بهم “لن يستمر طويلا”، وقال: “هذه المكالمات ستتوقف قريبا، ولن يتذكرنا أحد”.