مجتمع
الأربعاء ٧ نيسان ٢٠٢١ - 07:43

المصدر: الحرة

غموض في قضية العثور على جثث الشقيقات الثلاث… والعائلة تتحدث عن المأساة

رغم انقضاء أيام على المأساة، فإن الغموض لايزال يكتنف قضية غرق ثلاث شقيقات لبنانيات من بلدة بزيزا في قضاء الكورة شمال لبنان، حيث تعددت الروايات والإشاعات وسط غياب معلومات تُبيّن فعليا الحقيقة وراء فاجعة ألمت بعائلة الحاج حسين، التي انتقلت قبل عشرين عاماً من الهرمل واستقرت على أطراف البلدة.
بدأت القصة منذ حوالي عشرة أيام حين أبلغ والد الفتيات علي الحاج حسين القوى الأمنية باختفاء بناته الثلاث، قائلا أنهن أرسلن رسالة عبر تطبيق واتس آب يقلن فيها إنهن يعتزمن الانتحار، لتبدأ على أثرها علمية عملية البحث عن الفتيات إلى أن أتى الخبر يوم السبت الماضي من خلف الحدود، إذ أبلغت السلطات السورية نظيرتها اللبنانية العثور على جثث ثلاث فتيات قرب شاطئ مدينة طرطوس.
وتواصل الجانب اللبناني الأحد مع وزارة الخارجية السورية التي سلّمت إلى المديرية العامة للأمن العام جثامين الشقيقات اللبنانيات الثلاث، عند مركز العريضة الحدودي، بعد أن أكد الوالد هوية في سوريا ووقّع على تسلّم الجثامين، كما ذكر الأمن العام.
وتم نقل الجثامين إلى مستشفى طرابلس الحكومي حيث تسلمتها دورية تابعة لفرع معلومات في قوى الأمن الداخلي، لمتابعة التحقيق بناء على إشارة القضاء المختص.

أمس الاثنين، دُفنت الشقيقات بعد أن أنهى الطبيب الشرعي كشفه على الجثامين. ودعت العائلة بناتها وسط حزن شديد يظهر جلياً على الأم المفجوعة. الأهل وبعض الجيران يواسونهم، أو يواسون أنفسهم.
ثلاث فتيات رحلن، في حادثة لم يحصل مثيلها، ومن الصعب كما يردد أبناْ البلدة تصديقها لولا أنه حدثت أمامهم وفي منزل يعرفونه جيداً.

وأظهر تقرير الطبيب الشرعي الذي صدر اليوم الثلاثاء واطلع موقع “الحرة” عليه أن الوفاة أتت نتيجة الغرق ولا أثر لأي اعتداء وقع قبل غرقهن، وبرأي المصادر الأمنية أن هذا الأمر يؤشر إلى أن الفتيات قد انتحرن والفرضية الأقرب إلى الواقع هي أنهن رمين أنفسهن في البحر.

ولكن فعلياً، ما الذي حصل ولماذا قررن الفتيات الثلاث الانتحار؟
قبل الدخول في تفاصيل ما حصل، تجدر الإشارة إلى أن هناك موقوف لدى القوى الأمنية كان يبتز الفتيات قبل انتحارهن، ويتم التحقيق معه حول دوافعه ولماذا كان يقوم بعملية الابتزاز، ووفق معلومات موقع “الحرة” من مصادر أمنية فإن الموقوف لا علاقة له بغرق الفتيات والتحقيقات معه لم تظهر تورطه في القضية التي تحقق قوى الأمن فيها أي سبب اختفاء الفتيات وهل تم قتلهن أو انتحرن.

كان كُل من كارول وعايدة وميرنا في المنزل قبل أن يقلن لوالدتهن إنهن سيتوجهن إلى المتجر لشراء بعض الحاجيات، في فعل اعتدن عليه أغلب الأيام. إذ يزرن السوبرماركت في البلدة وغالباً ما كن يبتعن “التنباك” من أجل النرجيلة. هذه المرة، خرجن في رحلة لا عودة منها.

خرجن من المنزل وتوجهن إلى شكا، وهي منطقة قريبة من الكورة ومحاذية للبحر، ووفق المعلومات أيضاً فإن آخر مرة رُصدت هواتفهن شغالة كانت قرب بحر شكا، قبل أن ينقطع الاتصال بهن.

يروي قريب العائلة هيثم الحاج حسين لموقع “الحرة” تفاصيل ما حصل. يقول: “اتصلن بشقيقهن جلال عبر تطبيق واتس آب وتحدثوا معه فيديو، وقالوا له ما ينوون فعله فما كان من شقيقهن إلا أن طلب منهن التوقف عن هذا المزح والعودة إلى المنزل. ما هي إلا لحظات قليلة حتى وصل مقطع صوتي (لم يحدد لمن) يعبرن فيه عن محبتهن للوالد والوالدة ويطلبن السماح ويقلن إن هذه الحياة لم تعد تناسبنا”.

ويضيف: “حاول الأهل أن يردعوا الشقيقات، عبر إبلاغهن أنهم سيحضرن لاستصحابهن، لكن الشقيقات رفضن التجاوب. أقفلن الخط واتصلن بمسؤول المنطقة (ومسؤول المنطقة تبين لاحقاً أنه قيادي في حركة أمل لم يفصح الأهل عن أكثر من ذلك) وقلن له أنهن يعتزمن الانتحار، ويُوَصِّينه بأهلهن قائلات: هم أمانة في رقبتك”.

وكان تم التداول في اليومين الماضيين معلومات عبر وسائل إعلام متعددة تفيد بأن البنات يتعرضن للعنف الدائم من قبل والدهم ويُسمع صوتهم في الحي، إلا أن الوقائع هذه ينكرها الأهل أولاً، كما أن موقع منزلهم بعيد قرابة الألف متر عن أقرب منزل في البلدة.

أيضاً، هناك من ربط الانتحار بالوضع المادي الذي يعانين منه، وهذا أيضاً ما ينفيه هيثم، الذي يقول: “والد الفتيات ليس سائق أجرة. هو تاجر سيارات وحالته ميسورة وليس لديهم مشاكل مادية إطلاقاً كما يحاول البعض القول، بل على العكس لم يتم حرمانهن من أي شيء، كذلك ليس هناك مشاكل عائلية كونهم في المنطقة منذ سبعين سنة”.

ويقول رئيس بلدية بزيزا بيار عبيد: “هم أصلهم من البقاع واستقروا في بزيزا منذ حاولي 15 سنة. ليس لدي تفاصيل يومية عن واقعهم ولكن كما كل عائلات لبنان لا أستغرب أن يكون هناك بعض المشاكل لدى العائلة لأن هذا أمر طبيعي، ولكن الغريب أن يودي ذلك إلى الانتحار”.

ويضيف: “السبب الذي أوصلهن للقيام بهذا الأمر لا أحد يعرفه، ومن الظلم أن نرجعها لجهة أو شخص ما. لكن المستغرب أن تقوم الفتيات الثلاث بهذا الأمر.. وهو ما يعني أن السبب كبير وهناك يأس كبير أيضاً خلف ذلك على الأرجح”.

وفي سياق الحديث مع هيثم الحاج حسين، يعود ليذكّر أن الرسالة الصوتية أرسلنها لوالدتهن وليس للوالد، رسالتان وليس رسالة واحدة قبل أن ينقطع الاتصال تماماً معهن.

من جهته، يقول عم الفتيات، عباس، إنهن أرسلن رسالة صوتية لوالدتهن: “لم يرسلوا الرسالة إلى والدهن لأنهن يعرفن أنه يحبهن كثيراً ولذلك أرسلن الرسالة إلى والدتهن وشقيقهن”.

والد الفتيات، علي، حزين لفقدانه بناته بهذا الشكل. حزين أيضاً للإشاعات التي تتحدث عن أن الفتيات كن يتعرضن للعنف.

يقول: “الجمرة لا تحرق سوى مكانها. ربيت بناتي بدموع العين كما يقولون، ولا يهون علي أن نصل إلى ما وصلنا إليها، من فقدانهن والكلام الذي نسمعه وينقله الإعلام عن وضعنا من دون حتى أن يُكلفوا أنفسهم بسؤالي أو سؤال أحد من العائلة وليس الجيران المجهولين”.

يُضيف: “طوال حياتي لم أقم بأي فعل عنيف بحقهم. اسألوا الجيران والعالم الذين يرونهن ويعرفونهن. العالم الذين كانوا يتعاطين معه. كنت أرفع رأسي بهن بين الناس”. يقول “لا أستطيع أن أقول سوى الحمدلله” قبل أن يجهش بالبكاء.