swiper image
swiper image
swiper image
صحة
gallery icon
الخميس ٦ أيار ٢٠٢١ - 19:40

المصدر: BBC

كيف يمكنك أن تستجمع تركيزك وتحقق أفضل النتائج رغم كثرة مشاغلك؟

كلما زادت مشاغل المرء، أصبح العثور على وقت لإنجاز الأعمال دون التعرض لمثيرات وعوامل مشتتة للانتباه، أمرا غير واقعي. لكن ثمة طرقا قد تساعدنا على تحقيق الاستفادة القصوى من الساعات المحدودة التي يمكننا فيها إنجاز الأعمال التي تتطلب الإمعان في التفكير.

عندما أُغلقت المدارس بسبب تدابير الحجر الصحي في ظل تفشي فيروس كورونا، تضاعفت أعباء الرعاية الملقاة على كاهل إليزابيث هانتر، كشأن الكثيرين من الآباء والأمهات، بعد أن أصبح أطفالها الثلاثة يواصلون دراستهم من المنزل بنسبة 100 في المئة.

لكن أعباء ومتطلبات وظيفتها زادت أيضا. فقد كانت هانتر، عالمة الأرض التي شاركت في تأسيس منصة “ستيم توت”، لوضع مناهج العلوم التي تناسب كل طالب على حدة، في كاليفورنيا، تبحث عن طرق لتشجيع الطلاب على التفاعل مع برامجها في البيئات الافتراضية، وكانت تنسق مع ناشرين ومؤلفين في مناطق زمنية مختلفة لحثهم على نشر طبعات جديدة من الكتب الدراسية في أقرب وقت ممكن.

وبعد محاولات مضنية للتوفيق بين عبء العمل المتزايد – الذي يتضمن تجميع الكتب والأدوات التعليمية وشحنها ووضع جداول للحصص المعملية عبر الإنترنت مع الطلاب- وبين مساعدة أطفالها في الدراسة عن بعد، لا يتبقى لها سوى سويعات قليلة يمكنها فيها التركيز في هدوء.

ولهذا شرعت هانتر في حث أطفالها على الإيواء إلى الفراش مبكرا وإنجاز أعمالها ليلا حتى تستفيد من هذه الساعات التي تنعم فيها بالهدوء لوضع المنهج الدراسي الذي يتطلب تفكيرا خلاقا، بينما كانت تؤدي المهام العملية أثناء النهار.

وتقول هانتر: “وضعت لنفسي قاعدة محددة، فإذا نام أطفالي أتفرغ لإنجاز أعمالي بدلا من غسل الصحون أو تأدية المهام المنزلية، ما دام الوقت ليس متأخرا. وأحافظ على هذا الوقت الثمين، كحفاظي على الجواهر النفيسة، لأنني أستغله في إنجاز الأعمال التي تتطلب قدح زناد الفكر”.

وفي وقت أصبحنا فيه أكثر انشغالا من أي وقت مضى، يواجه الكثيرون تحدي العثور على بعض الوقت الذي نكون فيه بمفردنا دون أن يقاطعنا أحد أو يشتت انتباهنا، لإنجاز المهام التي تتطلب الاستغراق في التفكير. ويرى البعض أننا نحقق أفضل النتائج في العمل عندما نتخلص من جميع مشتتات الانتباه حتى نصل إلى حالة التدفق الذهني التي تحفز التفكير الإبداعي وترفع الإنتاجية.

وقبل تفشي فيروس كورونا، كان معظمنا يستغل الساعات التي نقضيها في الشركة أو الساعات التي نحقق فيها أفضل النتائج عندما يكون الأطفال في المدارس لإنجاز المهام التي تتطلب تركيزا كاملا. أما الآن، فإن الوصول إلى حالة التدفق الذهني لإنجاز هذه المهام يكاد يكون مستحيلا. فإذا كنا بصدد إنجاز مهام متعددة، قد يبدو التخلص من مشتتات الانتباه أمرا غير واقعي.

لكن لحسن الحظ، ثمة طرق لتحقيق أقصى استفادة ممكنة من الساعات المحدودة التي يمكننا فيها التركيز في هدوء، والاستعداد للعوامل المشتتة للانتباه وتحسين الأداء رغم تزايد المتطلبات التي تمنعنا من التركيز.

تقسيم المهام

ثمة نصائح متعددة لتهيئة البيئة المواتية التي تساعدك على تحقيق أفضل النتائج.

إذ ذكر كال نيوبورت في كتابه “العمل الذي يتطلب تركيزا: قواعد النجاح في عالم مليء بالمشتتات”، أن معظم المشتتات هي مثيرات خارجية يمكن الحد منها بطرق شتى، مثل تأجير غرفة في فندق لإنجاز الأعمال أو الابتعاد عن وسائل التواصل الاجتماعي.

وأوصى تطبيق “تريلو” الشهير للإنتاجية بالبحث عن مكان لا يوجد فيه بشر ضمن نطاق الرؤية، وشراء سماعات أذن جيدة تحجب الأصوات. ويوصي ستيفن كوتلر، المدير التنفيذي لمؤسسة “فلو ريسيرش” للبحوث والتدريب، بتخصيص ما يتراوح بين 90 و120 دقيقة من اليوم للتركيز الكامل بعيدا عن المشتتات لتحسين التدفق الذهني.

وتقول ماهرين زوبيري، فنانة تشكيلية باكستانية معاصرة وأم لطفلين: “ترسخت في أذهاننا صورة الفنان الذي يعمل بجنون بمفرده وبإلهام يكاد يكون إلهي”. لكن زوبيري في الواقع تفصل بين وقت التفكير ووقت التنفيذ. إذ تضع أفكارا وتصورات لأعمالها الفنية في الساعات الأولى من الصباح قبل أن يستيقظ أطفالها، وتنفذ الأفكار بين الحين والآخر على مدار اليوم لأنها تدرك أن الانتباه والتركيز سلعتان ثمينتان عليها ترشيد استخدامهما. ومن السهل أن تقسم المهام أولا قبل اختيار الطريقة المناسبة لتنفيذها.

ويستغل الكثيرون الساعات الأولى من الصباح والأخيرة من الليل لتنفيذ المهام الصعبة أو المشروعات الخاصة. لكن تخصيص هذه الساعات لتنفيذ جميع المهام المتراكمة قد يستنفد طاقتك، لأنه سيمنعك من النوم، ومن ثم قد يؤثر على أدائك.

غير أن بعض الجوانب من المهمة الواحدة قد لا تتطلب بطبيعة الحال نفس القدر من التركيز الذي تحتاجه غيرها، أو نفس الحرص على التفرغ لإنجازها. ولهذا، فإن تحديد الجوانب التي تتطلب تركيزا كاملا من المهمة لتنفيذها في الأوقات التي تقل فيها فرص التعرض لمشتتات الانتباه، يزيد من فرص النجاح في تنفيذ المهمة.

الإحماء

وبمجرد ما تعثر على هذه الفترة الثمينة التي يمكننا فيها إنجاز أعمال تتطلب الاستغراق في التفكير، تنصح صوفي ليروي، الأستاذة المساعدة في الإدارة بجامعة واشنطن، بالاستعداد لهذه الفترة من اليوم مسبقا، حتى لا تجد مشقة في تركيز الانتباه.

وتقول ليروي: “اختر المهمة الأكثر أهمية قبل الخلود للنوم، وعندما تنهي مسؤولياتك المنزلية في الصباح، ذكّر نفسك بالمهمة التي ستنفذها عندما تجلس للعمل، كما لو كنت تقود سيارتك. فبإمكانك زيادة سرعة السيارة تدريجيا من 0 إلى 60 ميلا في الساعة”. فإن تسخين المحرك مجازيا وتحديد الهدف المنشود بوضوح قبل الانطلاق، سيؤتيان ثمارهما في النهاية.

وتشبّه نوشين شاهزاد، المديرة التنفيذية بمركز علم النفس العصبي في كراتشي، فترة الإحماء بما يحدث في المدرسة في المرحلة الابتدائية التي تطلب من الأطفال في بداية الحصة أن يغنوا الحروف الأبجدية. وتقول: “إن سرد الأبجدية سيساعد على استعادة الملف المرتبط باللغة من ذاكرتهم حتى تزيد قدرتهم على استيعاب الدرس”. وقد يستفيد البالغون أيضا من هذه الطريقة في تنشيط الدماغ، وتقول شاهزاد: “لنفترض أنك تريد كتابة قصيدة عن الأزهار، فبإمكانك التفكير فيها مبكرا حتى أثناء غسيل الصحون”.

وقد تسهم تصفية الذهن أيضا في تحسين القدرة على التركيز. وتنصح غريس ليندسي، من وحدة العلوم العصبية الحاسوبية بكلية لندن الجامعية ومؤلفة كتاب “نماذج الدماغ”، بالتخلص من المخاوف أو الأفكار التي تشغل بالنا، عن طريق كتابتها في دفتر للملاحظات أو في رسالة بالبريد الإلكتروني ترسلها لنفسك.

وتقول ليندسي: “الدماغ لا يسع الكثير من الأفكار في آن واحد، فعندما تركز على المهام التي تتطلب الاستغراق في التفكير، حاول أن تتخلص من بعض الأفكار التي تشغلك”.

استعد للمشتتات

قد لا تتزامن الفترات التي تقل فيها فرص التعرض للمشتتات مع الأوقات التي تكون فيها أكثر نشاطا من اليوم بحسب الساعة البيولوجية للجسم. وقد تحتاج في هذه الحالة إما أن تحاول تغيير الإيقاع البيولوجي الطبيعي لتجنب المشتتات أو أن تبدأ في تنفيذ المهمة الصعبة رغم كثرة المشتتات.

وتقترح ليروي، التي تدرس التبعات المعرفية والوجدانية لتشتت الذهن، بأن نتقبل أن تشتت الذهن لا مفر منه للحد من تأثيره على تركيزنا. وتقول: “عندما تطرأ أمور تشتت أذهاننا وتقطع حبل أفكارنا، قد ينتابنا عادة الإحباط والغضب والضغط النفسي والقلق، وهذه المشاعر السلبية قد تؤثر علينا وتمنعنا من استعادة التركيز لاحقا، وتعرقل سير العمل. لكن توقع التعرض لمثيرات وعوامل مشتتة للانتباه بين الحين والآخر وتقبلها، سيقلل احتمالات ظهور هذه المشاعر السلبية”.

وأجرت ليروي دراسة عن كيفية التعامل مع مشتتات الانتباه. وتقول ليروي إن الفكرة تتلخص في إعطاء الدماغ ما يحتاجه ليؤدي وظائفه بكفاءة رغم كثرة المشتتات. وعن تجربتها الشخصية، تقول ليروي إنها عندما تجلس لإنجاز أعمالها، تحتفظ بورقة على مكتبها، وتضع في اعتبارها احتمالات التعرض لمثيرات مشتتة للانتباه، وتكتب التقدم الذي أحرزته وكيف ستواصل عملها وكيف ستتعامل مع المشتتات.

وخلصت دراسة أجرتها ليروي إلى أن المشاركين الذين استعدوا مسبقا للمشتتات وخططوا للعودة إلى المهمة التي كانوا ينفذوها قبل تشتت انتباههم، استعادوا تركيزهم في دقيقة أو ربما خمس ثوان.

صحيح أنه ليس من الصعب أن نحصل على ساعات ثمينة إضافية لإنجاز المهام التي تتطلب الاستغراق في التفكير، والاستفادة منها بكفاءة، لكن قد يجدر بنا أن نتذكر أن هناك أوقاتا عصيبة. وقد تختلف الإنتاجية والتركيز باختلاف الشخص والمهنة والمنصب والمهمة نفسها، وكذلك الظروف الطارئة كما في حالة فيروس كورونا.

وقد يكون الحل هو تغيير توقعاتنا عن شكل يوم العمل، وأن ندرك أن القدرة على الابتكار والإنتاج تختلف من شخص لآخر. وذلك لأن كل منا يحقق النموذج الخاص به للأداء الأمثل، مهما تعددت محاولاتنا لتحقيق النجاح أو للوصول إلى حالة التدفق الذهني المؤقتة.

وتقول ليندسي: “إن معايير النجاح تتفاوت من شخص لآخر. ولا يوجد حل واحد يصلح للجميع. فهناك طرق عديدة مختلفة لتحقيق النجاح”.