إقليمية
الخميس ١٣ أيار ٢٠٢١ - 16:02

المصدر: صوت لبنان

منظمة أطباء بلا حدود من القدس: “لم تبلغ من العمر سوى 12 عامًا، لكن استهدفوها بالرصاص”

بعد إصابة مئات الفلسطينيين بجروح على أيدي الشرطة الإسرائيلية في القدس، قدمت منظّمة أطباء بلا حدود الدعم الطبي إلى جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني في نقطة إسعاف في وادي الجوز في القدس، وذلك يوم الاثنين 10 مايو/أيار. وتصف في ما يلي المنسقة الطبية لدى منظّمة أطباء بلا حدود في فلسطين الدكتورة ناتالي ثورتل، ما جرى خلال عملها مع زملاء آخرين من منظمة أطباء بلا حدود وجمعية الهلال الأحمر الفلسطيني لتقييم المصابين وإسعافهم.

أحد أول المرضى الذين رأيتهم هي علياء*. بكت بينما حاولنا أن نزيل بنطالها برفق قدر الإمكان لفحصها. تبلغ من العمر 12 عامًا، وظهرت على فخذها العلوي كدمة داكنة بحجم قبضة رجل. إلا أنّ قبضةً لم تتسبب بهذه الكدمة، بل رصاصة مطاطية. أصيبت علياء بهذه الرصاصة أثناء سيرها مع والدتها بالقرب من منزلها.
سألتها عن وزنها لكي أحسب الجرعة الصحيحة التي تحتاج إليها من الدواء المسكن. فاتضح أن وزنها 28 كيلوغرامًا فقط. أُطلق الرصاص على فتاة نحيلة وزنها 28 كيلوغرامًا فقط. لم تكن تستطيع المشي، ما دفعنا إلى احتمال أنها تعاني من كسر في عظم الفخذ. نقلناها إلى المستشفى لكي تخضع لصورة أشعة.

يخيّط زميلي آندي جروح وليد، فتى يبلغ من العمر 14 عامًا. أصيب في وجهه برصاصة مطاطية، ضربته على مقربة من عينه اليسرى بأقل من سنتيمتر واحد. أنقذ القدر عينه، حيث أنّ صبيًا عالجته جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني ونقلته على الفور إلى المستشفى في وقت سابق من المساء فقد عينه اليسرى من جراء إصابة مماثلة. تعود إلى ذهني باستمرار صورة إصابة ذلك الصبي بينما أشاهد آندي ورجاء، إحدى زملائنا في جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، وهي تخيط وجه وليد بإتقان. جلس وليد لوحده لبضع ساعات لأن أحدًا لم يستطيع أن يأتي ليبقى برفقته بعد أن قدمنا له العلاج اللازم. أردنا أن نراقب حالته بعد تلقيه للعلاج. أتساءل في نفسي عما إذا كان الشخص الذي أطلق النار عليه قد فكّر في الأثر الذي سيخلفه فقدان هذا الصبي لإحدى عينيه.

دقت ساعة الإفطار مع غروب الشمس. ومرّت لحظات من الهدوء بينما تشاركنا وجبة الطعام مع زملائنا.

غبر أنّ الهدوء لم يدم طويلًا مع وصول عدد كبير من سيارات الإسعاف فجأة. وصل 15 مريضًا في غضون عشر دقائق، وعمل الفريق بسرعة وكفاءة لمعالجة الحالات وتحديد من يحتاجون النقل إلى المستشفى. رأينا مريضًا أصيب بشظايا في رقبته، وآخر يعاني من انخماص الرئة بسبب تعرضه للضرب ببندقية، وآخر أكبر سنًا يعاني من إصابة في الرأس على وشك أن يفقد وعيه، ما أشار إلى احتمالية تعرضه لنزيف في الدماغ.

شممت رائحة الماء العادمة ـ نعم، كانت هي الماء العادمة الكريهة بالتأكيد. ماء معدّلة كيميائيًا لتكتسب رائحة خليط بين البراز واللحم المتعفن، تطلقها الشرطة الإسرائيلية من مدافع المياه. هرع المسعفون بمها إلى نقطة الإسعاف، شابة محجبة أصيبت في مؤخرتها برصاصة مطاطية، ثم سقطت وأصابت مرفقها بعد أن أُطلق عليها النار، وأخيرًا رُشّت بالمياه العادمة وهي مستلقية على الأرض. غطت المياه العادمة وجهها وحجابها وملابسها. وتقيأت من شدة كراهية الرائحة. سلبت من كرامتها. تأخر الوقت، وعيني تبكي دموعًا حارقة ذرفت من الرائحة الكريهة ومن ما تعرضّت له مها. تمالكت نفسي ثم قدمت لها العلاج.

عمّ الهدوء لوهلة. ووصلنا خبر منع سيارات الإسعاف من الدخول إلى بعض أرجاء المدينة القديمة. تسائلنا ما إذا كان هناك مصابين لا يستطيعون الوصول إلينا رغم حاجتهم إلى العلاج. ثم بدا أن المشكلة قد حُلّت مع تلقينا لموجة أخرى من المصابين. استمرينا بالعمل حتى وصل فريق آخر من أطباء بلا حدود ليستلم مكاننا، بينما لم يتوقف زملاؤنا من الهلال الأحمر عن العمل، سيبقون طوال الليل إذا لزم الأمر.

إن العمل الذي يقوم به المسعفون الذين نعمل معهم جنبًا إلى جنب المذهل بالفعل. يعملون منذ أيام على معالجة الإصابات الناجمة عن هذا التصعيد، ويُؤَدُّون بشكل كامل منذ سنوات عديدة الإجراءات المعقدة التي تستدعيها حالات المصابين قبل نقلهم إلى المستشفيات بين هذه الفئة المستضعفة من السكان. ما من كلمات تصف تأثير عملهم وقدر صمودهم والراحة التي يبعثونها في النفوس.

من يقول إنّ أولئك الذين قاسوا هذا العنف يستحقونه لسبب أو لآخر هو على خطأ. كل من رأت وعالجت من مرضى هم من الأطفال والنساء والرجال الذين يشبهونني ويشبهون أسرتي. هم بشر ولا يختلفون بشيء عد أحد، إلا بأنّ الحياة أرادت أن يكونوا فلسطينيين.

ملاحظة: تم تغيير جميع أسماء المرضى