المصدر: صوت لبنان
هادي الأسعد لصوت لبنان: غياب الحَوكمة يفضي الى انهيار بنية الدولة ومقوّماتها… وربيع قيس: تفعيل تطبيق القوانين يتطلّب تقييمًا للأثر التشريعي
قال الأمين العام لمعهد المال والحَوكمة IFG في المعهد العالي لإدارة الأعمال (ESA)هادي الأسعد ضمن برنامج “نحنا والاقتصاد” عبر صوت لبنان :” بصراحة،نحن كلنا متفاجئون، كنا نتوقع في هذا العهد الجديد وبعد كل ما مرّ به البلد، ان ننفتح على خطوات غير تقليدية تعطي جوًا فعليًا له علاقة بالاصلاح الفعلي”.
وأضاف:” انا من الناس الذين كتبوا مقالا قبل شهر من تشكيل الحكومة،بعنوان:”حان الوقت لان يكون هناك وزارة للاصلاح والحوكمة”، الى هذا الحد أعتبر انّ الموضوع أساسي، ويستدعي وجود وزارة متخصصة نظرًا لكمّ الإصلاحات والحَوكمة المطلوبة”.
وتابع: “المشكلة الأساسية هي،برأيي، إما غياب الشجاعة وإما عدم وجود الرغبة باتخاذ قرار سياسي واضح، لان موضوع الإصلاح لا يحتاج الاّ الى قرار سياسي”.
ورأى الاسعد انه للوصول الى هذه الشجاعة نحتاج الى خطوات عدة، تبدأ بالوعي، والتثقيف حول الحَوكمة والإصلاح.
وقال:” عندما يفهم المواطن ما هي الحَوكمة يُدرك لماذا الإصلاح ضروري ولمصلحته وليس ضده”،مشددًا على انّ الإعلام له دور كبير، وكلما كان الموضوع جديدًا ويحتاج الى توعية يكون الإعلام أحد الركائز الأساسية، داعيًا لعقد ورش عمل متخصصة لذلك.
وأردف: “نحن تحدثنا عن الحَوكمة لأكثر من 10 سنوات، وعقدنا مؤتمرات وورش عمل وطاولات مستديرة، لكننا لم نصل بعد الى النقطة الكافية”، معتبرًا انّ البلد متعفن بقصص الفساد والزبائنية والعلاقات الشخصية، وهذا يتطلب تثقيفًا للجيل الجديد وإعادة تثقيف للجيل القديم.
وقال:” يجب أن يفهم المواطن أنه إذا ارتكب مخالفة ودفع الضبط، فهذا لأنه أخطأ وليس عليه أن يبحث عن طريقة لإلغاء الضبط”، ومردفا:”هذه ثقافة نفتقدها للأسف”.
وأضاف: “كثيرون يتحدّثون عن الحَوكمة ولكنهم في الوقت ذاته يرمون النفايات من نوافذ سياراتهم او يعترضون عندما تصدر بحقهم غرامة قانونية”.
ولفت الى ان هناك من يقول: ” لماذا أُعطي الدولة شيئًا طالما لم تقدم لي شيئا؟ لكن هذه المعادلة غير صحيحة، لأن عليك واجبات كما لك حقوق، فصحيح انّ الدولة لم تعطِك حقك، لكن إبدأ من نفسك وطبّق واجباتك.
وأضاف: “لا يمكننا الاستمرار بحجة انّ الدولة فاسدة، نعم الدولة فاسدة ولكن هناك مواطنين فاسدين ايضًا”.
وقال:” من يرفض الفساد فليظهر قوته في الإنتخابات وليقترع”.
وعن عدم تطبيق القوانين ومنها قانون السير، قال:” أذكر انه عند عودتي الى لبنان عام 2013، كان الحديث يدور عن قانون جديد، وإحدى النقاط التي طرحت ضمنه كانت تتضمن مخالفة مليوني ليرة في تلك الفترة، والناس اعترضت على الغرامة وقالت:” كيف يعني مليونين؟ لكن جوابي كان:”إذا كنت لا تريد أن تدفع ببساطة لا تُخالف”.
وشدد الاسعد على اننا بحاجة الى توعية الناس ليعرفوا معنى الحَوكمة، اي “الالتزام بالقانون، الشفافية، والحد الادنى من الاخلاقيات”.
وأكد ان الانتقال من مرحلة الفوضى الى الإصلاح ممكنة إن توافر القرار السياسي والوعي المجتمعي، وعلينا أن نعترف انّ هناك فوضى، وأن نشخّصها كي نستطيع الانتقال الى مرحلة الارادة السياسية الممكنة من خلال تعزيز الشفافية والمساءلة وتفعيل الرقابة، مشددًا على انّ المشوار طويل، فالأمور لا تتم بكبسة زر، فلبنان لديه قوانين انما لا تطبق.
وشدد على ضرورة وجود خطة حكومية حول موضوع الإصلاح فهناك كم هائل من الإصلاح مطلوب من لبنان، ولكن الإصلاح يترافق مع الحَوكمة، مؤكدًا انّ التثقيف ضروري للمواطن فنحن نعيش بلا دولة.
وعن التعيينات قال: “أوجه التحية للسيدة نسرين مشموشي رئيسة مجلس الخدمة المدنية التي تقوم بعمل جبار بمساعدة الوزراء في هذا الإطار “.
ولفت الى ان الحَوكمة لن تقضي على الفساد بالضرورة بل ستخلق جو مجتمعي يصعب فيه الفساد، من هنا علينا خلق الجو التوعوي لدى الناس والتغيير بالمسار السياسي، فإن لم توجد لن نقلّع بالبلد للأاسف.
وأكد انّ الحَوكمة الرشيدة يمكن تصل الى اي وزارة واي مؤسسة لأنه لا حدود لها .
وعن قانون الإصلاح القضائي، قال: “من الضروري تواجد خبراء قانون في هذا الإطار، ففي لبنان هناك كم هائل من القوانين الصالحة انّما لا تُطبق للأسف منها الآلية، فالآلية ليست ملء ورقة انّما في كيفية اتخاذ القرار بالتعيين.
وعن محاربة الفساد،أجاب: ” يتطلب قرار سياسي فعلي بالإصلاح وبالحَوكمة الفعلية وألاّ لن نتقدم”.
وختم حديثه بالقول: “كلما كانت الحَوكمة أقوى كلما كان الفساد أضعف، وأذكر انّ الحَوكمة قائمة على مبادىء كثيرة منها الإخلاقيات، الشفافية، المسوؤلية وقبول مبدأ المساواة وهذه المبادىء نفتقدهم للأسف”.
من جانبه، أوضح مدير المؤسسة اللبنانية للسلم الأهلي المحامي ربيع قيس، ضمن البرنامج عينه، انّ المعضلة في لبنان تتعلق بعدم تطبيق القوانين الصادرة عن مجلس النواب ما يعكس غيابًا لأداة تقييم الأثر التشريعي، مشددًا على ضرورة ان ترفق كل اقتراحات القوانين بدراسات علمية تبيّن مدى تأثيرها على المجتمع، قبل عرضها على الهيئة العامة لمجلس النواب.
واستعرض قيس أمثلة لقوانين لم تُطبق بفعالية، مثل قانون السير، ومنع التدخين، وسلسلة الرتب والرواتب، مشيرًا الى اختلاف الأرقام بين ما صدر فعليًا وما قدّمه الوزراء المعنيون في ما يتعلق بقانون سلسلة الرواتب.
واعتبر ان مجلس النواب هو الجهة التي تقرر اعتماد القانون بعد الاطلاع على دراسة الجدوى منه المقدّمة من مختصين، لافتًا الى ان النهج يكاد يكون غائبًا في لبنان ومعظم الدول، ومؤكدًا ان عدم تطبيق القوانين يعدّ إهدارًا لجهود المشرّعين، وان الحكومة قد تعرقل تنفيذ القوانين لأسباب سياسية أو تقنية.
واضاف:”نحن على بعد 10 أشهر من الانتخابات النيابية وعلى اللبنانين انتخاب الأفضل، فنحن لا نريد نائبًا “بارت تايم” او نائبًا واجهه إعلامية فقط، نريد نائبًا فعّالا يداوم في مجلس النواب ويشارك في اللجان ويقدم اقتراحات ويسائل الحكومة.
وقال: لو قمنا باحصاء كم نائبًا يحضر جلسات اللجان؟ كم مشروع قانون قدّم؟ لوجدنا مفاجآت، موضحًا انه بحسب النظام الداخلي، النائب الذي يتغيب عن 3 جلسات في اللجان يمكن اسقاط نيابته، لكن هذا لا يُطبق، معتبرًا ان هذه مسائل حَوكمية بامتياز.
وقال: الحَوكمة هي مرادف لموضوع مكافحة الفساد، وهنا يجب فتح ملف “النافعة” والمشاكل الموجودة فيه، منها: تسجيل السيّارات، ودفع رسوم ميكانيك، إلخ… موضحًا اننا ما زلنا ندفع الرسوم لكن دون اجراء الفحص التقني، كما انّ البعض كان يبادر الى شراء قطعًا من الخارج فقط ليتجاوز الفحص ثم يعيد تركيب القطع القديمة، مشددًا على ان الفوضى مستشرية ولا من يحاسب او يراقب”.
وأكد قيس ان المطلوب اليوم هو تطبيق الخطط الإصلاحية التي وضعت سابقًا، لافتا الى ان الحكومة أطلقت الخطة الوطنية لمكافحة الفساد، وهي خطوة جيدة في مضمونها، لكنها لم تبلغ حتى الان مرحلة التنفيذ الفعلي.
وشدد على ان لبنان وصل الى حالة من الانهيار والدمار، مرورًا بالحروب، وانتهاء بتبديد الودائع، وقد آن أوان النهوض من هذا الواقع.
وأشار الى ان اللبنانيين كانوا يترقّبون هذا النهوض مع بداية العهد الجديد الذي يبدو انه يسير ببطء، إلا ّ ان الأمل لا يزال معقودًا عليه، لأننا لم نعد نملك ترف الوقت.
وسأل: اذا كان اللبنانيون قد ساهموا في بناء دول حول العالم، فلماذا لا يستطيعون اليوم ان يضعوا وطنهم على السكة الصحيحة.
وعن التعيينات، قال:”وضعت لها آلية لإختيار الأشخاص، وجرى اختيار البعض بكفاءة، وكانت بعض الآليات سليمة ومقنعة، انّما هذا القرار يجب ان يكون من الناحية القانونية من اختصاص مجلس الخدمة المدنية.
وأضاف: “أنا لا أقول انّ الوزارات او الجهات المعنية لم تقم بواجبها، بالعكس، نشكرهم، لكن في نهاية المطاف يجب ان يعطى “الخبز للخباز”، من خلال اطلاق دور مجلس الخدمة المدنية بفعالية”.
وشدد على أهمية الشفافية وضرورة تطبيقها بشكل فعلي في كل مشروع ينفّذ، مذكّرًا بدور مجلس الانماء والاعمار الذي كان بمثابة “رديف”لمجلس الوزراء في المشاريع المنفّذة سابقًا.
وأشار الى ان لبنان اليوم يمتلك قانونين أساسيين هما: قانون الشراء العام وقانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص، متسائلاً عمّا إذا كانت المشاريع الجديدة ستخضع لهذين القانونين، ام ستنفّذ كما في الماضي من خلال التلزيم بالتراضي.
ولفت الى ان الحاجة الماسّة لقضاء فعّال وغير مسيّس في سياق محاربة الفساد، موضحًا ان التعيينات في لبنان غالبًا ما تمزج بين المعايير الشخصية والعامة.
وطرح في هذا الاطار آلية تعيين تقوم على انتخاب القضاة من قبل زملائهم في السلك القضائي،مؤكدًا ان مواجهة الفساد تتم عبر المؤسسات الرقابية، الاّ ان هذه المؤسسات لا تقوم بكامل مهامها المطلوبة، وهي بحاجة لان تكون أكثر فاعلية وحزمًا، الى جانب ضرورة تفعيل المؤسسات القضائية بحيث تعتمد معايير قانونية واضحة في التعيينات، بعيدًا عن الحسابات السياسية.
ورأى ان نحتاجه فعلاً هو قضاء يعطي الثقة للمواطنين والمستثمرين في لبنان والخارج.
وختم حديثه بالإشارة الى انّ قانوني الشراء العام والشراكة بين القطاعين العام والخاص يشكلان أساسًا تشريعيًا متينًا، وكل ما يلزم هو تطبيقهما، معربًا عن أمله بالعهد الجديد، مؤكدًا ان مشوار الألف ميل يبدأ بخطوة وان العنوان الأبرز للمرحلة المقبلة يجب ان يكون “الشفافية المحاسبة وتطبيق القانون”.