محلية
الأربعاء ٥ أيار ٢٠٢١ - 07:11

المصدر: الراي الكويتية

هل يهزّ الحريري الطاولة أو… يقْلبها؟

على أهمية «الصورة» المستعادة أمس لوفديْ لبنان وإسرائيل يجتمعان برعاية أممية ووساطة أميركية في مقرّ قيادة قوة «اليونيفيل» في الناقورة في إطار استئناف المفاوضات حول الترسيم البحري، فإنّ «الرادارات» الداخلية انهمكتْ في التقصّي عن مناخاتٍ لاحتْ في أفق الملف الحكومي عشية وصول وزير الخارجية الفرنسي جان ايف – لودريان لبيروت وشكّل محورَها الرئيس المكلف سعد الحريري الذي يبدو على مشارف رسْم خطوط جديدة لـ «المعركة» المفتوحة بوجهه وتحديد «منطقةٍ حمراء» لم يكن ممكناً الجزم هل هي من باب «هزّ الطاولة» أو التمهيد لقلْبها بوجه الجميع في الداخل وبعض الخارج.

وفيما كانت التقديرات والمعطيات المتوافرة عن زيارة لودريان الذي يصل بعيد منتصف ليل الاربعاء تشير إلى أن ما بعد محطة رئيس الديبلوماسية الفرنسية لن يكون كما قبْلها على صعيد «الإجراءات» التي ستتخذها باريس رداً على إفشال مبادرتها المتعلقة بتشكيل الحكومة رغم كل التراجعات التي قامت بها في الأشهر الثمانية الأخيرة، فإن مؤشراتٍ برزت في الساعات الماضية إلى أن محطة الوزير الفرنسي ربما لن تكون مفصلية فقط لجهة انكشاف مصير المسعى الذي كان الرئيس ايمانويل ماكرون أطلقه من بيروت وتالياً إمكان انتقال الاليزيه إلى التدابير الزاجرة التي أُعلن أنها باتت جاهزة على شكل «إجراءات تقييدية من حيث الوصول الى الأراضي الفرنسية ضد الشخصيات المتورطة في الانسداد السياسي الحالي او المتورطة في الفساد»، بل أيضاً على مستوى الشقّ اللبناني من المأزق الحكومي وتحديداً مسار التكليف في ضوء وضْع اعتذار الحريري على الطاولة للمرة الأولى منذ تسميته في أكتوبر الماضي.

ورغم أن أي مؤشرات حاسمة لم تبرز حيال إمكان اعتذار الحريري، إلا أن مجرّد التلميح إلى هذا الخيار من قريبين من الرئيس المكلف سواء بصيغة مصادر أو قياديين في تيار «المستقبل» مثل نائب الرئيس مصطفى علوش، الذي قال إن الحريري يدرس خيارات لكسر الجمود، لافتاً الى ان «الخيارات مفتوحة في حال اعتذر الرئيس الحريري، ومرحلة الترقب لن تطول ومن المفترض ان يكون هذا الأسبوع حاسماً»،و يُعتبر أمراً بالغ الدلالات وسط اعتبار أوساط سياسية أن هذا التلويح يمكن قراءته على أنه واحد من أمرين:

  • الأول أنه بوجه لودريان بعد المعلومات المتضاربة عن جدول لقاءاته في بيروت وما أفيد عن أنها تقتصر حتى الساعة على رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس البرلمان نبيه بري والبطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي.

ورغم تقارير من باريس تحدثت عن أن الحريري مشمولٌ بلقاءات لودريان، فإن أي تأكيد رسمي فرنسي لم يكن صدر حتى بعد ظهر أمس، وسط توقف الأوساط السياسية عند المناخات السلبية التي برزت من أجواء رؤساء الحكومة السابقين حيال باريس على خلفية أي محاولةٍ لمساواة زعيم «المستقبل» بالأفرقاء الآخرين ولا سيما رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل في سياق «توزيع المسؤوليات» عن عرقلة مسار التشكيل الذي يَعتبر هؤلاء أن الرئيس المكلف يديره وفق مندرجات المبادرة الفرنسية بمنطلقاتها الرئيسية (حكومة اختصاصيين من غير الحزبيين) وبما لا يسمح بالتسليم بحكومة «كيفما كان» وبتوازناتٍ تحمل بذور تفجيرها من الداخل، وبما يراعي أيضاً الحاجة إلى مظلة عربية – دولية واسعة تتيح إطلاق ورشة إنقاذ لبنان من الانهيار المالي.

  • والثاني أن التلويح بالاعتذار يعبّر عن «تفكير» جدّي بين محيطين بالحريري بأن هذا الخيارَ قد يكون الأنسب في هذه المرحلة «الانتقالية» على صعيد المنطقة و«الحارقة» على المستوى اللبناني لأي شخصيةٍ ستغامر بتلقُّف «كرة نار» الانهيار ومحاولة وقْفه بإجراءاتٍ مؤلمةٍ وقد تكون «قاتِلة» على مشارف انتخاباتٍ نيابية (بعد نحو سنة)، وأن زيارة لودريان وعدم مقابلتها من الأطراف المعرقلة بأي تنازلاتٍ قد تشكّل فرصة «لانسحابٍ» يضع الجميع في الداخل أيضاً أمام مسؤولياتهم عن إضاعة ما اعتبره الحريري مراراً «فرصة ذهبية» للإفلات من الارتطام المروع.

وشكّكت هذه الأوساط بما يجري الترويج له من أن الحريري خسر الغطاء الدولي لتكليفه، لافتة إلى أن ما كُشف عن زيارة قام بها المبعوث الروسي إلى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ‏ميخائيل بوغدانوف لباريس (قبل زيارة باسيل لموسكو) ولقائه المسؤول عن الشرق الأوسط ولبنان في الإليزيه باتريك ‏دوريل، عكس تمسُّكاً فرنسياً وروسياً بشخص الحريري لرئاسة حكومةٍ بلا ثلث معطّل لأي فريق، وسط رصْدٍ لِما إذا كان بدء اجتماعات وزراء خارجية دول «مجموعة السبع» في لندن أمس شكّل محور محادثات خصوصاً بين لودريان ونظيره الأميركي أنتوني بلينكن.

وفي موازاة اعتبار كثيرين أن لبنان ليس على أجندة الأولويات الأميركية في المرحلة الراهنة، فإن دفْع واشنطن لاستئناف مفاوضات الترسيم البحري بين بيروت وتل أبيب (كانت انطلقت في اكتوبر الماضي وعُلقت في ديسمبر)، يعكس حرص الولايات المتحدة على الاستمرار بالإمساك بهذا «الخيْط» التفاوضي وإحيائه بالتزامن مع مسار النووي الإيراني، في ظل اقتناعٍ بأنه حتى لو بدا أن قضية الترسيم لبنانياً انتقلت إلى إدارة عون، فإن الاستنتاجَ الأقوى يبقى أن واشنطن وطهران هما اللاعبان الرئيسيان تحت خيمة الناقورة.

وقد جمعت هذه الخيمة أمس، الوفدان اللبناني والإسرائيلي في جلسة اعتُبرت الأطول.

وعُلم أن الوسيط الأميركي جون ‏دوروشيه لعب فيها دور المسهِّل والساعي إلى تدوير زوايا الخلافات وتثبيت المرتكزات التي كانت أقلعت على أساسها المحادثات في أكتوبر 2020 وحدّد فيها لبنان المنطقة المتنازَع عليها بـ 860 كيلومتراً مربعاً (وفق الخط 23) قبل أن يباغت الجانبَ الإسرائيلي بخط جديد (29) يوسع الحدود البحرية جنوباً ويضيف إليها 1430 كيلومتراً مربعاً (بما يضع ثلاثة أرباع حقل كاريش تحت السيادة اللبنانية) وهو ما رفضته تل ابيب وواشنطن وتسبب بتعليق المفاوضات.

ولم تُستأنف المحادثاتُ إلا بعد تريّث عون في توقيع مرسوم توسيع الحدود البحرية عشية وصول الديبلوماسي الأميركي ديفيد هيل لبيروت، الأمر الذي جعل عملياً الخط 29 بمثابة سقف تفاوضي انطلق منه الوفد اللبناني أمس، مكرّساً «ربْط نزاع» بحدود أوسع، وساعياً لاستدراج دخول خبراء دوليين يساعدون الجميع على «النزول عن الشجرة».