المصدر: اندبندنت عربية
حسابات “ح*ماس” و”أحلام” تغيير ميزان القوى
ملخص
لم تخطر “حماس” حلفاءها الإقليميين بهجومها المفاجئ وافترضت مساندة “حزب الله” وتخفيف الضغط عنها، معتقدة أن الهجوم من شأنه تحقيق تغيير هائل في ميزان القوى في الشرق الأوسط، مما يؤدي إلى إنشاء دولة فلسطينية، فهل توقعت رد الفعل الإسرائيلي؟ وهل فعلا فاجأ هجوم الـ7 من أكتوبر إيران وقادة “حماس” في الخارج؟
يصادف السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2024 الذكرى الأولى لإطلاق حركة “حماس” العملية العسكرية (طوفان الأقصى) ضد إسرائيل. ولقي ما لا يقل عن 1200 إسرائيلي مصرعهم في الهجوم من المدنيين والجنود، وأسر 250 اقتادتهم الحركة إلى داخل القطاع. ثم شنت إسرائيل حملة على غزة وصلت حصيلة قتلاها إلى أكثر من 41 ألف شخص بما في ذلك عديد من الأطفال في محاولة لتدمير “حماس”، بينما تستمر بوتيرة أبطأ مما كانت عليه خلال الأشهر الأولى مما أدى إلى نزوح معظمهم، ومن بقي منهم معرضون لخطر المرض والجوع الشديد.
وفقاً لروايات مختلفة، استغرق التخطيط للعملية ما بين بضعة أشهر وعامين، كثفت خلالها “حماس” والفصائل الفلسطينية المساندة النشاط ضد الأهداف الإسرائيلية لتحقيق ما عرف بـ”وحدة الساحات” داخلياً، وكامل ساحات “محور المقاومة”. وأطلقت “حماس” آلاف الصواريخ في هجوم بري وجوي وبحري، وتوغل مقاتلوها في عمق الأراضي الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية وهاجموا منشآت عسكرية واستولوا لفترة وجيزة على مستوطنات مختلفة.
فُسر تحرك “حماس” الذي فاجأ إسرائيل بأنه نتيجة لسياسات الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة التي عززت من عنف المستوطنين داخل الضفة الغربية والقدس مما جعل الفلسطينيين يطالبون بضرورة الرد، وكذلك كرد فعل على الديناميات الإقليمية المتغيرة، إذ ظلت قيادة “حماس” تحاول قطع الطريق على اتفاقيات السلام بين إسرائيل وبعض الدول العربية. كما أن “حماس” اكتسبت مزيداً من الجرأة وعززت قوتها بعد أن تمكنت من إصلاح علاقاتها مع إيران، إذ أعادت الحركة النظر في الموقف السياسي الذي اتخذته في أعقاب ما عرف بـ”الربيع العربي” عام 2011، بمعارضة إيران وحليفها النظام السوري.
وعلى مدى عام من استمرار الحرب في غزة، ظلت “حماس” تقدم نفسها على أنها حكومة بديلة وجماعة تهتم بالمدنيين الفلسطينيين على عكس السلطة الفلسطينية. ولكن مع تعثر مسار المفاوضات متعددة الأطراف لوقف الحرب وإنقاذ المدنيين وفي ضوء الخسائر التي منيت بها أطرافها، هل أخطأت حركة “حماس” في حساباتها؟ وما الذي دفعها إلى ارتكاب أخطاء في التقدير بشن الهجوم؟ وهل توقعت رد الفعل الإسرائيلي؟
تطورات الوضع
بعد عام من حرب لا تزال وتيرتها متصاعدة وسط حال من الترقب لاتساع نطاقها، وبخاصة مع توقعات الرد الإيراني على مقتل رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” إسماعيل هنية في طهران، أعلنت وزارة الصحة التابعة لـ”حماس” أن حصيلة الحرب بين إسرائيل و”حماس” ارتفعت إلى أكثر من 41 ألف قتيل ونحو 96 ألف جريح.
وأوردت منظمة العفو الدولية خلال الخامس من سبتمبر (أيلول) الجاري بياناً جاء فيه “دمر الجيش الإسرائيلي مستخدماً الجرافات والمتفجرات المزروعة يدوياً الأراضي الزراعية والمباني المدنية بصورة غير قانونية، وسوى أحياء كاملة بالأرض بكل ما فيها من منازل ومدارس ومساجد، في إطار توسيع ’المنطقة العازلة‘ على طول الحدود الشرقية لقطاع غزة”.
وقالت كبيرة مديري البحوث في المنظمة إريكا جيفارا روساس “ترقى حملة التدمير المستمرة بلا هوادة التي يشنها الجيش الإسرائيلي في غزة إلى جريمة التدمير غير المبرر، إذ أظهرت أبحاثنا مسح القوات الإسرائيلية المباني السكنية من الوجود وإرغام آلاف العائلات على الرحيل من المنازل وجعل الأراضي غير صالحة للسكن”.
وحسب روساس فإن “المنطقة العازلة” الموسعة على امتداد السياج الحدودي مع إسرائيل تبلغ مساحتها نحو 58 كيلومتراً مربعاً، أي ما يشكل قرابة 16 في المئة من مساحة قطاع غزة بأكمله. وحتى مايو (أيار) الماضي، بدا أكثر من 90 في المئة من مباني هذه المنطقة (أي ما يزيد على 3500 مبنى) مدمراً بالكامل أو لحقت به أضرار جسيمة، ولمس المزارعون تردياً في جودة وكثافة محاصيل أكثر من 20 كيلومتراً مربعاً أو 59 في المئة من الأراضي الزراعية في المنطقة بسبب الصراع المستمر.
تعزيز النفوذ
منذ تأسيسها عام 1987 عشية الانتفاضة الفلسطينية الأولى، ظلت حركة “حماس” ملتزمة النضال المسلح وتدمير إسرائيل بناء على أيديولوجيا جماعة “الإخوان المسلمين”. وفي ذروة عملية السلام خلال تسعينيات القرن الماضي أصبحت “حماس” رأس حربة النضال المسلح ضد إسرائيل بواسطة جناحها المسلح “كتائب عز الدين القسام”، التي يقودها محمد ضيف العدو اللدود لإسرائيل والذي حاولت اغتياله في مناسبات عدة، ونجحت في ذلك أخيراً خلال يوليو (تموز) الماضي. ومع تحول “منظمة التحرير” الفلسطينية بقيادة ياسر عرفات نحو عملية السلام واعتراف القيادة الفلسطينية بإسرائيل وتجنب الكفاح المسلح سعياً إلى قيام دولة في الضفة الغربية وغزة والقدس الشرقية، وهي الأراضي التي استولت عليها إسرائيل في حرب عام 1967، شنت “حماس” عشرات التفجيرات الانتحارية وغيرها من الهجمات التي قتلت مئات المدنيين الإسرائيليين. واشتد العنف مع انهيار محادثات السلام والانتفاضة الفلسطينية الثانية عام 2000.
وبعد استيلائها على قطاع غزة الذي يبلغ طوله 41 كيلومتراً وعرضه 10 كيلومترات ويقع بين إسرائيل ومصر والبحر المتوسط، فرضت إسرائيل التي سحبت قواتها ومستوطنيها من غزة عام 2005 حصاراً صارماً على القطاع وسكانه البالغ عددهم الآن نحو 2.4 مليون نسمة، كواحد من أعلى الكثافات السكانية في العالم. ومع تراجع العنف عام 2005 سحبت إسرائيل جنودها من جانب واحد ونحو 8 آلاف مستوطن يهودي من غزة، مع الحفاظ على سيطرة محكمة على الوصول إلى الجيب من طريق البر والجو والبحر، فادعت “حماس” الانسحاب باعتباره تبريراً لنهجها. وبعد أن فازت “حماس” في الانتخابات الفلسطينية عام 2006 مُنعت من ممارسة السلطة الحقيقية، ولكنها دخلت في صراع داخلي مع السلطة الفلسطينية وطردت الموالين للرئيس الفلسطيني محمود عباس من قطاع غزة عام 2007 لتتولى السلطة بلا منازع على المنطقة من السلطة الفلسطينية المعترف بها دولياً. واستفادت “حماس” من تطوير شبكة الرعاية الاجتماعية لاستقطاب الفلسطينيين وتعزيز نفوذها وشعبيتها وسطهم على حساب السلطة الفلسطينية.